سنتطرق هنا ومن ضمن عدة حلقات إلى الخطوط العريضة لخطة عمل
إعلامي داعمة للنظام السوري وحزب الله وحلفائهما في الداخل اللبناني، في ظل الهجمة
الإعلامية الكبيرة التي يتعرضون لها؛ وحيث سيكون بإمكان أي شخص أن يشارك في هذه
الخطة من خلال ما هو متوفر لديه من وسائل إعلام.
الحلقة السابعة هي حول الوزير السابق في
لبنان ميشال سماحة.
قامت الأجهزة
الأمنية اللبنانية بإلقاء القبض على هذا السياسي الداعم بقوة لنظام الأسد في شهر
آب 2012. وبحسب ما تم تداوله إعلامياً واستغلاله سياسياً من قبل الفريق المتأمرك
أن سماحة نقل متفجرات بسيارته من سوريا إلى لبنان بالتعاون مع
مسؤول أمني كبير في النظام السوري بهدف تنفيذ أعمال عسكرية في منطقة عكار الشمالية
تشمل: اغتيال سياسيين ورجال دين ومفتين من السنّة معارِضين لهذا النظام، وتفجير
بعض إفطارات رمضان، واغتيال قيادات وتفجير تجمعات للمعارَضة السورية وتفجير ممرات
لتهريب الأسلحة إلى المعارَضة في داخل سوريا، وأيضاً تفجير أماكن مسيحية واغتيال
رجال دين مسيحيين كبار... وصولاً إلى إثارة فتنة طائفية بين السنة وغيرهم وتوريط
الأقلية المسيحية في هذه الفتنة، وأيضاً إثارة الاقتتال الطائفي بين السنة
والعلويين في طرابلس.
وبالطبع كان هذا الفريقُ المتأمرك قد هلَّل
لما اعتبره نصراً إعلامياً وسياسياً كبيراً بعد انكشاف هذا المخطط المزعوم لسماحة
- مملوك؛ وجعل منه الدليل الأهم على تورط نظام الأسد باغتيال الحريري وبكافة
الاغتيالات المرتبطة به، وعلى نهج هذا النظام في زعزعة استقرار لبنان. ومن وجهة
نظره أن مصلحة نظام الأسد في إثارة الفتنة الطائفية في شمال لبنان في هذه المرحلة
تكمن: أولاً في إظهار نفسه بصورة المدافع عن الأقليات، من مسيحية وعلوية وغيرها،
بوجه الأصوليات السنّية المتطرفة؛ وثانياً في جعل قسم من المقاتلين السنّة
الأصوليين من مختلف البلدان يأتون إلى لبنان للجهاد إلى جانب أهل السنّة فيه عوضاً
من أن يتوجهوا جميعهم إلى سوريا، فيخف الضغط عن النظام فيها؛ إضافة، إلى الاستفادة
التي سيجنيها من الحد من تهريب الأسلحة إلى الداخل السوري...
الرد على هذا الأمر يكون كما يلي:
إن إحداث هكذا فتنة طائفية في منطقة عكار،
في هذه المرحلة التي تتميز بالانحدار الشديد في هيبة الدولة، سيؤدي إلى
فلتان أمني كبير في هذه المنطقة وخروجها عن سلطة الدولة؛ الوضع الذي سيؤدي إلى
القيام بالعمليات العسكرية ضد النظام السوري، وبشكل كبير ومنفلت، انطلاقاً من هذه
المنطقة اللبنانية كما لتمرير المساعدات منها إلى المعارَضة في الداخل السوري،
وخاصةً إلى حمص الحاضنة الأكبر للمعارضة وإلى جوار العاصمة السورية. وفي حال أراد
هذا النظام الرد على هذه الاعتداءات بشكل واسع داخل الأراضي اللبنانية، فهذا سيكون
بمثابة الحجة القوية لدى الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية للتدخل عسكرياً
في لبنان لإقامة ما يُعرَف بمنطقة الحظر الجوي أو الممر الآمن للمساعدات الإنسانية
إلى الداخل السوري.
إضافة، الاحتمال كبير أن يتورط حزب الله بهذه الفتنة، ولكي تمتد إلى معظم
الأراضي اللبنانية ويكون هناك فتنة كبيرة بين السنة والشيعة على المستوى الوطني...
وهذا بدوره ليس مطلقاً في مصلحة النظام السوري.
وحتى
لو لم يكن الهدف من المخطط المزعوم الوصول إلى الفتنة الطائفية، فإن مجرد اغتيال
سياسيين كبار ومفتين من السنة معارضين للنظام السوري في هذه المنطقة كان سيؤدي إلى
هكذا فتنة بدليل ما حدث قبل أشهر من اعتقال سماحة إثر مقتل الشيخ عبد الواحد
ومرافقه على أحد حواجز الجيش في عكار وإثر اعتقال شادي المولوي.
وحول
مسألة إظهار النظام السوري نفسه بمظهَر المدافع عن الأقليات بعد توريط الأقليات
المسيحية والعلوية في هذه الفتنة، أيضاً هنا هذا النظامُ لا يستفيد من هذا الأمر؛
والدليل أنه، ومنذ بداية الأحداث السورية، عندما كان يتعرَّض المسيحيون السوريون
للقتل والخطف والسرقة المسلحة والاغتصاب والتهجير والقنص والقصف والذبح وتخريب
الكنائس وغيره... كان يُتهَم من قبل المعارضة وحلفائها في الخارج وكل الماكينات
الإعلامية التي تحت تصرفهم بأنه هو مَن يُدبّر هذه العمليات الإجرامية بحق
المسيحيين بهدف تشويه صورة المعارضة، تماماً كما كان يُتهَم من قبل هؤلاء بكل
الجرائم التي تحصل بحق المدنيين سواء أكانوا موالين له أم معارضين... أي إنه في
حال حصلت تلك الفتنة الطائفية في عكار وطرابلس وتعرّض المسيحيين والعلويين لعمليات
إجرامية فسيُتهَم النظامُ السوري من قبل المعارضة السورية وكل حلفائها في الخارج
من أمريكيين ومتأمركين بأن هو من أثار هذه الفتنة ليُظهِر نفسه بصورة المدافع عن
الأقليات... أي إنه هنا أيضاً لن يكون مستفيداً من هذا الأمر.
بالتالي،
يكون الرأي الصائب حول ميشال سماحة، هو أحد الاحتمالين: الأول، أن تكون جهة ما قد
لفَّقت له هذه التهمة وزوَّرت تلك الأشرطة والتسجيلات التي تُظهِره مسلِّماً
المتفجرات إلى أحدهم لإشعال هذه الفتنة... وعند التحدث عن هذه الجهة فليس بالضرورة
أن تكون لبنانية بل من الممكن أن تكون أكبر بكثير، وأن يكون هدفها هو تشويه صورة
النظام السوري واستخدام هذا الأمر في المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري.
الثاني، أن
يكون سماحة قد انقلب على نظام الأسد وتعاون مع جهة ما معادية له، كمثل المعارضة
السورية أو أحد حلفائها في الخارج من أمريكيين أو متأمركين، بهدف إشعال تلك فتنة
في شمال لبنان وتسريع سقوط هذا النظام من خلالها.
لكن أن يقال إن سماحة ومملوك قد قاما بعمل
غبي من خلال هذا المخطط لأنهم ظنوا أن النظام السوري سيستفيد منه، أو كما قال أحد
أصدقاء سماحة "إن محبته لسوريا قد أعمَت قلبَه" فهذا الاحتمال ضعيف
جداً؛ لأنه عندما يوجد طرفان متهمان بجريمة: الأول يستفيد إلى أبعد الحدود من
الجريمة ونفترض أنه تصرَّف بذكاء وارتكبها للحصول على هذه الاستفادة، والثاني لا
يستفيد من الجريمة بل يتضرر كثيراً منها ونفترض أنه تصرَّف بغباء وارتكبها ظناً
منه أنه سيستفيد منها؛ في هكذا وضع، فإن أبسط قواعد المنطق تقتضي توجيه الاتهام
إلى الطرف الأول وليس الثانـي؛ لأنه في حالة هذا الأخير، مهما كان غبياً فسيظل
عنده القليل من التفكير ليدرك مدى الضرر الذي سيلحق به من الجريمة.
أي يصح هنا أيضاً القول إن مَن يتهِمون
(سياسياً) النظامَ السوري بتدبير مخطط سماحة يكونون إما من الموالين لسياسة الولايات المتحدة والمروجين لأكاذيبها، وإما
من المخدوعين بسياسة هذه الدولة وبإعلامها ومقتنعِين بأنها تعمل صادقةً لجلب
الحرية والديمقراطية والازدهار إلى شعوب هذه المنطقة.
للتوسع في
هذا الموضوع انظر كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية
للولايات المتحدة" الفصل الحادي عشر.
الحلقة الأولى كانت حول اغتيال الرئيس الحريري:
الحلقة الثانية كانت حول باقي الاغتيالات والتفجيرات التي حصلت
في لبنان وتم ربطها باغتيال الحريري وصولاً إلى المحاولة الفاشلة لاغتيال النائب
بطرس حرب في العام الماضي:
الحلقة الثالثة كانت حول عدم مصداقية المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري:
الحلقة الرابعة كانت حول
تنظيم فتح الإسلام:
الحلقة الخامسة كانت حول المسؤولية الأساسية عما يجري حالياً في
سوريا من أحداث أمنية:
الحلقة السادسة كانت حول المسؤولية الأساسية عما يجري في سوريا
من جرائم بحق المدنيين واستخدام للسلاح الكيميائي:
الحلقة الثامنة هي حول
الادعاءات بمشاركة حزب الله في المعارك في الداخل السوري:
الحلقة التاسعة هي حول ادعاءات المعارضة السورية بجلب الحرية
والديمقراطية إلى الشعب السوري:
الحلقة العاشرة هي حول الأسباب الموجبة لتقديم الدعم للنظام
السوري:
عامر سمعان ، باحث وكاتب