1 - أية محكمة في أي
مكان أو زمان، ولكي تستطيع أن تقوم بعملها، هي بحاجة إلى القوة العسكرية أو
السياسية التي تؤمِّن حمايتَها من ضغوطات المتقاضِين، أو أية أطراف لها مصالح في
القضايا التي تنظر فيها.
2 - حول المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ليس هناك من
طرف محايد في العالم ليؤمِّن القوةَ العسكرية أو السياسية التي تستطيع حمايتها من
ضغوطات المتقاضِين أو أية أطراف أخرى عندها استفادة من اغتيال الرئيس الحريري.
3 - الولايات المتحدة كانت ولا تزال المستفيد الأول
والمتهَم الأول من اغتيال الحريري من خلال ما يلي:
أ ) المحافظة على صورتها كجالبة للحرية والديمقراطية إلى
المنطقة، كونها كانت تدَّعي وجود نظام أمني وقمعي لبناني - سوري مشترك والعمل على
جلب الحرية والديمقراطية إلى الشعب اللبناني (القرار 1559 وقانون "محاسبة
سوريا واستعادة سيادة لبنان")، فكان اغتيال الحريري الإثبات الأهم على
ادعاءاتها خاصةً أن حلفاءها قد عملوا على اتهام هذا النظام الأمني وحليفه حزب الله
بهذا الاغتيال بعد دقائق من وقوعه ولا يزالون يتهمونهما به.
حالياً في زمن ما يُعرَف "بثورات الربيع
العربي" التي ترفع بدورها شعار جلب الحرية والديمقراطية، لا تزال هذه الدولة
بحاجة لأن تحافظ على صورتها كجالبة لهاتين الصفتين إلى هذه المنطقة لكي تستطيع
تقديم الدعم لهذه الثورات عندما تكون ضد أنظمة معادية لها، وأن تحجم هذا الدعم في
حال كانت هذه الثورات ضد أنظمة موالية لها.
ب ) التغطية على فشلها الذريع في العراق كون احتلالها
لهذا البلد كان قد تم تحت شعار جلب الحرية والديمقراطية والأمن إلى الشعب العراقي؛
إضافة إلى تخليص العالم من أسلحة الدمار الشامل العراقية ووجود تعاون بين نظام
صدام حسين والقاعدة، هاتان الذريعتان اللتان تم التثبت لاحقاً أنهما كذبتان. أي
بعد أن فشلت هذه الدولة في جلب الحرية والديمقراطية والأمن إلى العراق تكون مصلحتها
الملحَّة هي في إظهار نفسها أنها تعمل على جلب هذه الأمور إلى بلد عربي آخر.
ج ) تشويه سمعة حزب الله وتحويله إلى ما يشبه المنظمة الإرهابية
عبر إظهاره كشريك أساسي في الاغتيال كونه الحليف الأساسي لذلك النظام الأمني.
د ) خلق عداء كبير وكره متبادل بين إيران ومعظم العالم
العربي، وبين السُنة والشيعة على امتداد العالمين العربي والإسلامي (استناداً على
إظهار حزب الله كشريك أساسي في الاغتيال). فكل هذا العداء والكره الموجود حالياً على المستوى العالمي يعود بمعظمه إلى اغتيال الحريري، أي لو لم يكن هذا الاغتيال لما كان قد وجد كل هذا
العداء والكره. كما أن الحوادث الأمنية بين السُنة والشيعة في العراق لم تنشط بشكل ملحوظ إلا
بعد أسابيع من اغتيال الحريري، ولم تزل.
4 - بالنظر إلى ما هو وارد أعلاه يكون للولايات المتحدة
استفادةٌ قصوى وضرورية في أن تُدِين المحكمةُ الدولية الخاصة بلبنان نظامَ إميل
لحود أو نظام بشار الأسد أو حزب الله أو ثلاثتهم معاً في اغتيال الحريري. وبالتالي تصبح هذه المحكمة تحت تأثير
ضغوطات المسؤولين الأمريكيين لتزوِّر النتائج بما يؤدي إلى إدانة هذه الأطراف، أي
تصبح من دون أية مصداقية. كما يوجد عند هذه الدولة استفادة في ابتزاز نظام الأسد في هذه المحكمة في الظروف الحالية التي تمر بها سوريا.
لنوضِّح الأمور أكثر، إذا
افترضنا أن مسؤولين كبار عند حزب الله أو سوريا أو إيران حاولوا ممارسة ضغوطات على
أحد القضاة أو المحققين في هذه المحكمة والذي ينتمي إلى الجنسية
الفرنسية أو الألمانية أو الكندية أو غيرها من الدول الغربية الحليفة للولايات
المتحدة، فبإمكان أية دولة من هذه الدول، وبكل سهولة، أن تحمي هذا القاضي أو
المحقِّق من هذه الضغوطات، لأنه، على سبيل المثال، بمجرد أن تُشيعَ عبر وسائل
الإعلام العالمية أنه قد تعرَّض لها من قِبَل هؤلاء المسؤولين حتى يُعتبَر هذا
بمثابة الدليل على تورط هذه الجهات بالاغتيال.
لكن لنتصور أن مسؤولين
أمريكيين قد حاولوا ممارسة ضغوطات على هذا القاضي أو المحقِّق؛ فهل الدولة الغربية
التي ينتمي إليها ستحميه من هذه الضغوطات، أم على العكس ستشارك بها ؟ وهل الأمم
المتحدة أو غيرها من المنظمات الدولية التي يعمل فيها ستحميه من هذه الضغوطات، أم
على العكس ستشارك بها ؟ تاريخ هذه الدول وهذه المنظمات يدلُّ على أنها ستشارك
بها.
أي إن المجتمع الدولي، على
صعيد أنظمة الحكم والمنظمات الدولية، الذي، بمعظمه، لا يكتفي فقط بالصمت عن جرائم
الولايات المتحدة في العالم بل يحاول أيضاً التغطية عليها أو المشاركة فيها
إعلامياً أو سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً، فالمرجَّح أنه لن يكتفي فقط بالصمت
عن تدخلها في عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بل سيحاول أيضاً التغطية عليه أو
تسهيله أو المشاركة فيه.
5 - عن القول بأن القضاة في هذه المحكمة الدولية هم على درجة
كبيرة من النزاهة وأنهم سيكونون استشهاديين في حرصهم على العدالة في مواجهة
الضغوطات الأمريكية، فهذا القول هو على درجة كبيرة من السذاجة... فأية محكمة في
العالم، ليس أساساً نزاهة القضاة فيها هي التي تؤمِّن مصداقيتها بل توفر القوة
السياسية أو العسكرية التي تستطيع حمايتها من ضغوطات المتقاضين أو أية أطراف أخرى
عندها مصلحة في التدخل في القضايا التي تنظر فيها.
6 - بالنظر إلى كل ما هو وارد أعلاه، فالذين يقولون
بمصداقية المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، يكونون إما يعيشون في عالم من السذاجة أو
الأوهام وإما من الموالين للولايات المتحدة ويعملون على الترويج لسياستها
وأكاذيبها.
7 -
أ ) للتوسع في موضوع عدم مصداقية المحكمة الدولية الخاصة
بلبنان انظر كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات
المتحدة"، الفصل السابع.
ب ) للتوسع في موضوع أن الولايات المتحدة هي المستفيد
الأول والمتهَم الأول باغتيال الحريري، وأن نظام لحود ونظام الأسد وحزب الله هم
أكثر المتضررين منه وآخر المتهَمين به؛ انظر الفقرة "د" من المقالة
"الإستراتيجيا المقترَحة لإنهاء الزعامة العالمية للولايات المتحدة":
وللتوسع أكثر في هذا
الموضوع انظر الفصلين الخامس والسادس في كتابي أعلاه.
ج ) حول أن الولايات المتحدة هي المستفيد الأول والمتهَم
الأول بباقي الاغتيالات التي طالت قيادات فريق 14 آذار وبالتفجيرات التي حصلت في
مناطقه السكنية انظر "حول المساندة الإعلامية للنظام السوري وحزب الله
(2)":
عامر سمعان ، باحث وكاتب
16/ 1/ 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق