ما يتضمنه كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" دراسات معمقة وغير مسبوقة في السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا؛ من بينها: أربع نظريات جديدة في الأنتروبولوجيا المجتمعية، وخطة لحلّ الأزمة في لبنان، وإستراتيجيا تعتمد وسائل المحاربة الإعلامية والسياسية والاقتصادية لهزيمة الولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية، والتي سيكون من نتائجها الاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور في العالم العربي ومعظم دول الجنوب.

الثلاثاء، 26 مارس 2013

حول المساندة الإعلامية للنظام السوري وحزب الله (5)

     
     سنتطرق هنا ومن ضمن عدة حلقات إلى الخطوط العريضة لخطة عمل إعلامي داعمة للنظام السوري وحزب الله وحلفائهما في الداخل اللبناني، في ظل الهجمة الإعلامية الكبيرة التي يتعرضون لها؛ وحيث سيكون بإمكان أي شخص أن يشارك في هذه الخطة من خلال ما هو متوفر لديه من وسائل إعلام.      
     الحلقة الخامسة هي حول المسؤولية الأساسية عما يجري حالياً في سوريا من أحداث أمنية.
     لما كانت المعارضة السورية وجميع حلفائها في الخارج، من أمريكيين ومتأمركين، كانوا ولا يزالون يتهمون النظام السوري بالمسؤولية الأساسية عما يجري في سوريا من أحداث أمنية، والتي كانت قد ابتدأت، حسب زعمهم، بإطلاق النار على المتظاهرين وتعذيبهم وما شابه... فالرد على هذا الاتهام يكون كما يلي:
     عند تحديد المسؤولية الأساسية في أية أحداث أمنية، فالصحيح والمنطقي، أن تتم وفق قاعدة أن المستفيد الأول يكون المتهَم الأول. 
     النظام السوري، ومنذ بداية التحركات الشعبية، لم يكن مستفيداً من قمع المتظاهرين والمعارضين له بالقوة العسكرية، لأنه كان بإمكانه أن يحافظ على وجوده من خلال التظاهرات الشعبية الضخمة المؤيدة له والتي كانت أكبر في الحجم من تلك المعارِضة. فالتظاهرات الشعبية المعارِضة، في أي بلد في العالم، عندما تطالب بتغيير النظام، فبإمكانها أن تحقق ذلك في حال لم يكن هناك من تظاهرات مؤيدة له تماثلها في الحجم؛ لأنه في هكذا وضع، يكون هناك تخوّف من أن يَتبَع التظاهراتِ المعارِضة الإضراباتُ الكبيرة ثم العصيان المدني، فينهار اقتصاد البلاد وتنهار معه القوات المسلحة. فهذه القوات، في هكذا وضع، وحتى وإن كانت قياداتها موالية للنظام ومن أزلامه، فلكي تحافظ على اقتصاد البلاد وعلى وجودها فإنها تقوم بتنحية النظام الحاكم. وهذا ما قد حصل في تونس في تنحية نظام بن علي، وفي مصر في تنحية نظام مبارك.
     أما عندما توجد تظاهرات ضخمة مؤيدة للنظام، تماثل في الحجم تلك المعارِضة أو تكون أكبر منها، كمثل ما كان الوضع في سوريا، فما قد تقوم به المعارَضةُ من إضرابات وعصيان مدني سيبقى محصوراً في قواعدها الشعبية، بينما ستبقى أكثرية القواعد الشعبية موالية للنظام ومتعاونة معه ومحافظة على اقتصاد البلاد. أي ستكون القواعد الشعبية للمعارَضة من أكثر المتضررين من الإضرابات والعصيان المدني. في هكذا وضع ستبقى القوات المسلحة موالية للنظام ومحافِظة عليه، خاصة عندما تكون قياداتها موالية له ومن أزلامه.
     أما من جهة النظام في هذا الوضع، فمن الممكن أن يقوم بقمع المعارَضة بالقوة العسكرية؛ هذا في حال كانت البلاد جزيرة منعزلة أو كانت القوى العظمى في العالم راضية عن هكذا قمع. أما عندما تكون هذه القوى العظمى، بمعظمها، متربصةً بهذا النظام وتدَّعي أنها تحب شعبَه وتعطف عليه وتريد جلب الحرية والديمقراطية له، هنا يكون من مصلحة النظام أن لا يقمع المعارَضة بالقوة العسكرية بل أن يتركها تتظاهر، وفي نفس الوقت، يكون هناك في الجهة الأخرى تظاهرات موالية وداعمة له.
     أي إن النظام السوري، وبعد النصر الكبير والسهل الذي حققته الولايات المتحدة في ليبيا، لم يكن من مصلحته قمع المعارَضة بالقوة العسكرية وتعريض البلاد لضغوطات خارجية لا حصر لها؛ في حين كان بإمكانه أن يحافظ على وجوده من خلال التظاهرات الضخمة المؤيدة له.
     مع التنبيه إلى أنه عند وجود الانقسام في القواعد الشعبية، في أي بلد في العالم، بين تظاهرات موالية للنظام وأخرى معارضة، فليس بالضرورة أن تبقى القوات المسلحة موالية للنظام. لأنه في حال كانت قياداتها ضده وراغبة في تغييره، فالمرجَّح أنها ستستغل الانقسام في القواعد الشعبية لتنقلب عليه؛ أي كمثل ما جرى في مصر في انقلاب القوات المسلحة على حكم الأخوان.  
     بالعودة إلى الوضع السوري، وفيما يتعلق بالمعارَضة السورية فهي كانت مستفيدة من الأحداث الأمنية لأنها، أولاً، بعد أن فشلت في أن تربح الشارع السوري، أي لأنه كان هناك تظاهرات مؤيدة للنظام أكبر في الحجم من التي لها، كانت ذاهبة إلى هزيمة سياسية معتبَرة؛ وثانياً، لأن الولايات المتحدة مع أطراف عدة في الشرق الأوسط كانت قد ابتدأت بحملة سياسية وإعلامية كبيرة ضد النظام السوري متهمَةً إياه بالقمع والديكتاتورية؛ وثالثاً، لأن هذه الأطراف، أي الأمريكيين ومَن معهم، هم ليسوا جمعيات خيرية تريد جلب الحرية والديمقراطية إلى الشعب السوري بل يريدون بكل الوسائل جعل سوريا تحت المظلة الأمريكية، وليس من الصعب عليهم تمرير السلاح والمساعدات إلى المعارَضة.
     وبالتالي، كان لدى المعارَضة كل الاستفادة والإمكانية للقيام بالأحداث الأمنية، والتصعيد فيها تدريجياً...
     في الجهة الأخرى، كان من الطبيعي وجود عناصر أمنية تابعة للنظام ارتكبت تجاوزات بحق المعارَضة كمثل إطلاق النار على المتظاهرين وتعذيب المعتقلين وما شابه. فأيُّ جيش في العالم، ومهما بلغ من حسن الإدارة والتنظيم، عندما يوضع في موقف حرج لا بد أن يَظهر بين عناصره مَن يرتكبون التجاوزات؛ ومن أبرز الأمثلة على هذا تجاوزات الأمريكيين في أبو غريب وغوانتنامو التي ضجَّ العالمُ بها.
     فعندما يخوض النظامُ السوري حرباً إعلامية وسياسية واقتصادية غير متكافئة في مواجهة الأمريكيين وكل المتأمركين الذي تحت مظلتهم من أنظمة حكم ومنظمات دولية ( أي جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ) وأفرقاء سياسيين وقواعد شعبية في مختلف أنحاء العالم، وعندما يرى تهريب الأموال والسلاح إلى المعارَضة في الداخل ودخول المأجورين والعملاء، ويرى اقتصادَه يُستنزَف، وأيضاً عندما يرى هذا النظامُ الكثير من الأصوليين الإسلاميين المتطرفين في أنحاء مختلفة من العالم أصبحوا يَعتبرون أن طريق الجنة تمرّ عبر المساهمة في إسقاطه ! فمن الطبيعي في هكذا موقف حرج أن توجد عناصر من الجيش والشرطة في هذا النظام ترتكب التجاوزات بحق المعارَضة. 
     وعند الأخذ في الاعتبار واقع حصول هذه التجاوزات والأخطاء يجدر أيضاً الأخذ في الاعتبار، أنه، ومنذ بداية التظاهرات، لم يكن من المستبعَد وجود عملاء للمعارضة وللأطراف الخارجية الداعمة لها يطلقون النار على المتظاهرين والمعارِضين ويخطفونهم ويعذبونهم ويمثلون بجثثهم لتشويه صورة النظام ولتسعير المواجهات العسكرية بين الطرفين؛ كون هذه الأطراف الخارجية، من أمريكيين ومتأمركين، هم ليسوا جمعيات خيرية همها جلب الحرية والديمقراطية إلى الشعب السوري.
     للتوسع أكثر في هذا الموضوع انظر كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" الفصل الحادي عشر.    
     أخيراً، وبالنظر إلى ما تقدم، يصح القول إن من يحمّلون النظام السوري المسؤولية الأساسية عما يجري في سوريا من أحداث أمنية يكونون إما من الموالين لسياسة الولايات المتحدة والمروجين لأكاذيبها، وإما من المخدوعين بسياسة هذه الدولة وبإعلامها ومقتنعِين بأنها تعمل صادقةً لجلب الحرية والديمقراطية والازدهار إلى شعوب هذه المنطقة.

الحلقة الأولى كانت حول اغتيال الرئيس الحريري:
الحلقة الثانية كانت حول باقي الاغتيالات والتفجيرات التي حصلت في لبنان وتم ربطها باغتيال الحريري وصولاً إلى المحاولة الفاشلة لاغتيال النائب بطرس حرب في العام الماضي:
الحلقة الثالثة كانت حول عدم مصداقية المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري:
الحلقة الرابعة كانت حول تنظيم فتح الإسلام:
الحلقة السادسة هي حول المسؤولية الأساسية عما يجري في سوريا من جرائم بحق المدنيين واستخدام للسلاح الكيميائي:
الحلقة السابعة هي حول مسألة الوزير السابق ميشال سماحة:
الحلقة الثامنة هي حول الادعاءات بمشاركة حزب الله في المعارك في الداخل السوري:
الحلقة التاسعة هي حول ادعاءات المعارضة السورية بجلب الحرية والديمقراطية إلى الشعب السوري:
الحلقة العاشرة هي حول الأسباب الموجبة لتقديم الدعم للنظام السوري:



عامر سمعان ، باحث وكاتب
www.amersemaan.com
26/ 3/ 2013. تم آخر تنقيح لهذه المقالة في 5/ 10/ 2013.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق