في مقالتي بتاريخ ٥/ ٤/ ٢٠١٣ تحت عنوان "حول
المساندة الإعلامية للنظام السوري وحزب الله (٨)" تناولتُ فيها ادعاءات
المعارضة السورية وحلفائها بمشاركة حزب الله في المعارك في الداخل السوري، وكيف
تصوِّر هذه الادعاءاتُ هذا الحزبَ كطرف أساسي داعم للنظام السوري وتضعه في نفس
الدرجة في هذا الإطار مع إيران وروسيا.
وأوضحتُ أنه بالرغم من وجود مشاركة محدودة
لحزب الله في الأحداث السورية كمثل حماية مقام السيدة زينب ومساعدة قرى لبنانية في
الداخل السوري، إلا أنه لا يمكنه أن يكون طرفاً أساسياً في هذه الأحداث ويزج
بالآلاف من مقاتليه في الداخل السوري، لأن هذا من شأنه أن يؤثّر على جهوزيته في
مواجهة التهديدات الإسرائيلية، من منطلق أن مصلحته تقضي المحافظة على هذه
الجهوزية، أي المحافظة على وجوده في لبنان، أكثر من أن تكون المحافظة على نظام
الأسد. كما أوضحتُ أن الدافع من تصويره كطرف أساسي في الأحداث السورية لا يمكن أن
يكون الهدف منه إلا استهدافه بعد إسقاط النظام السوري وجعل كلا لبنان وسوريا تحت
المظلة الأمريكية.
وكما أصبح
معلوماً، أنه في عيد المقاومة والتحرير في ٢٥ أيار، وبعد بضعة أيام من هجوم
الجيش السوري على بلدة القصَير الإستراتيجية قرب الحدود اللبنانية، أعلن السيد حسن
نصر الله، في واحد من أهم خطاباته، مشاركة حزب الله بشكل واسع في الأحداث السورية
تحت حجة أن النظام السوري هو "ظهر المقاومة وسندها" والمقاومة لا تستطيع
أن تقف مكتوفة الأيدي و"يكشف ظهرها أو ينكسر سندها"، وتحت حجة التخوف من
سيطرة تنظيمات تكفيرية على محافظات سورية محاذية للبنان بشكل يمكنها من القيام
بعمليات إرهابية في الداخل اللبناني. وأنهى خطابه واعداً بالنصر في سوريا.
بالنظر إلى
هذا التطور الاستثنائي في الأوضاع في لبنان وسوريا، لا بد من التوسع في المقالة
الواردة أعلاه، ومحاولة فهم الأسباب في قرار حزب الله في المشاركة الواسعة في
الأحداث السورية، وتبيان مدى قدرته على التغيير في مسار هذه الأحداث.
التحالف
الإستراتيجي القائم بين النظام السوري وحزب الله، إضافة إلى القرب الجغرافي والحدود
المشتركة بين سوريا ولبنان وأيضاً الحدود المشتركة لهما مع إسرائيل؛ كل هذه
العوامل تجعل من أي اعتداء من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة أو الناتو على أي
من النظام السوري أو حزب الله مقدمة لاستهداف الآخر. من جهة أخرى، بالنظر إلى
الفارق الكبير في القدرات العسكرية بين الطرفين فمن الطبيعي أن تكون مصلحة أي من
النظام السوري أو حزب الله أن لا ينجرّ مباشرة وعلانية للدفاع عن الآخر عند تعرضه
للاعتداء من قبل ذلك الطرف الآخر، إلا إذا أصبحت هزيمته أمراً حاصلاً.
مثلاً، في
حال تعرّض حزب الله لاعتداء إسرائيلي فمن الطبيعي أن لا ينجرّ النظامُ السوري
مباشرة وعلانية للدفاع عنه وإعلان الحرب رسمياً على إسرائيل حرصاً منه على عدم
تعريض سوريا لتدمير كبير، إلا إذا أصبحت هزيمة هذا الحزب أمراً حاصلاً وقامت
القوات الإسرائيلية بالتوغل في الداخل اللبناني؛ لأن المرجَّح في هكذا وضع هو أن
يأتي بعد ذلك دور سوريا في الاعتداء عليها. والأمر نفسه في حال تعرض النظام السوري
لاعتداء من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة أو الناتو، فمن الطبيعي أن لا ينجرّ
حزبُ الله علانية ورسمياً للدفاع عن هذا النظام إلا إذا أصبحت هزيمته أمراً
حاصلاً؛ لأن المرجَّح في هكذا وضع هو أن يأتي بعد ذلك دور هذا الحزب في الاعتداء
عليه.
حول الأحداث
الجارية حالياً في سوريا، من السخافة القول إن ما يجري فيها هو ثورة أو حرب أهلية
أو حرب بين النظام ومتمردين، لا أحد يقول هذه الأقوال إلا إذا كان من ضمن المعارضة
السورية ومؤيديها. بل الصحيح أنها حرب عالمية بين مشروعين كبيرين في المنطقة
والعالم.
هذه
المعارضة، هي متأمركة بمعظمها، تحارب أكثر نظام عربي معارضة لإسرائيل وللولايات
المتحدة، وتطلب وتتوسل المساعدة العسكرية من قبل هذه الدولة وحلفائها؛ وقد صدرت
عنها تصريحاتٌ تشير بوضوح إلى معاداة حزب الله وإيران وإلى الرغبة في التغيير في
السياسة الخارجية السورية؛ وقد كانت تقوم منذ البداية بحرق صور حسن نصر الله
وأعلام حزب الله في التظاهرات، وكانت تصور هذا الحزبَ كمشارك أساسي في القنص على
المتظاهرين وفي القمع الدموي لهم ثم أصبحت تعتبره طرفاً أساسياً داعماً للنظام
وتضعه في نفس الدرجة مع إيران وروسيا، وكانت ولا تزال تعتبره مشاركاً أساسياً في
الجرائم بحق المدنيين السوريين. كما كانت ولا تزال تحظى بدعم واضح من قبل
الولايات المتحدة ومَن هم تحت مظلتها، تحت شعارات جلب الحرية والديمقراطية إلى
سوريا. كل هذا يشير بوضوح إلى أن هدف هذه المعارضة الأول والأساسي هو جعل سوريا
تحت المظلة الأمريكية.
ولما كان
القسم الأكبر من هذه المعارضة هو إسلاموي متأمرك وجزء من مدّ كبير إسلاموي ومتأمرك
في العالمين العربي والإسلامي يهدف إلى إقامة أنظمة حكم إسلامية أو برداء إسلامي
في هذين العالمين تكون تحت مظلة الولايات المتحدة؛ ولما كانت هذه الدولة راغبة في
التخلص من حزب الله... كل هذا يعني أنه بعد سقوط النظام السوري سيأتي دور هذا
الحزب لإسقاطه من قبل الولايات المتحدة ومن خلال حلفائها في لبنان وسوريا وفي
العالمين العربي والإسلامي، الذين سيستفيدون من هذا التشويه الكبير الذي لحق
بصورته وليقدموا كل دعم ممكن لإسقاطه.
إلا أنه ليس
بإمكان حزب الله المشاركة بفاعلية إلى جانب النظام السوري وإرسال آلاف من مقاتليه
إلى الداخل السوري، كون هذا من شأنه أن يقلل من جهوزيته في مواجهة التهديدات
الإسرائيلية. بالتالي، أن يقوم هذا الحزب بهذه الخطوة فهذا لا يمكن أن يُفسَّر إلا
من ضمن احتمالين؛ إما أنه قد أصبح لديه معلومات عن سقوط ليس ببعيد لهذا النظام مع
ما يعنيه هذا من انتقال المعارك إلى الداخل اللبناني، وإما معلومات عن قرب قيام
جماعات تكفيرية في المعارضة السورية بعمليات عسكرية كبيرة داخل لبنان.
وفي كلتا
الحالتين ستقلل هذه الخطوة من جهوزيته في مواجهة التهديدات الإسرائيلية. لكن قد لا
يكون هذا التقليل بشكل كبير؛ لأنه عندما تتوحد بندقية هذا الحزب والنظام السوري
وبشكل رسمي وعلني في الداخل السوري، فمن المفترَض أن تتوحد أيضاً في الداخل
اللبناني. أي إنه في حال وقوع اعتداء إسرائيلي على الحزب سيترتب عليه أرجحية تدخل
هذا النظام عسكرياً للدفاع عنه... أي ما سيلجم إلى حد بعيد أية اعتداءات إسرائيلية
عليه.
واختصاراً
لما هو وارد أعلاه، ليس من مصلحة حزب الله المشاركة بشكل واسع في الأحداث السورية
وإرسال الآلاف من مقاتليه إلى الداخل السوري، مع ما قد يؤدي إليه هذا من التقليل
من جهوزيته في مواجهة التهديدات الإسرائيلية، إلا في حال وجود خطر وشيك عليه وعلى
لبنان انطلاقاً من هذا الداخل.
أما حول
ادعاءات المعارضة وحلفائها بأن الحزب يتدخل في الأحداث السورية بناء على تعليمات
إيرانية، فلا أساس له من الصحة. لأنه إذا اعتبرنا هذا الحزبَ أداةً لإيران، وأن
هدف هذه الدولة هو إقامة هلال شيعي ومد نفوذها في المنطقة وليس مواجهة السياسات
الأمريكية والصهيونية، وفق ادعاءات المعارضة السورية وحلفائها؛ في هكذا وضع، تكون
مصلحة إيران هي في المحافظة على الوجود الفاعل والقوي للحزب في لبنان وعلى رصيده
في العالمين العربي والإسلامي بصفته من حقق أهم الانتصارات العسكرية على إسرائيل،
وليس زجّه في الأحداث السورية بشكل يؤدي إلى خلق العداء بينه وبين شرائح واسعة من السنة
في هذين العالمين وإلى إمكانية توريطه في حرب أهلية في لبنان...
أخيراً،
وحول إن كان سيشكّل التدخل الواسع لحزب الله في سوريا نقطة تحول في مسار الأحداث
فيها، فرأيي الشخصي الذي أوردته أكثر من مرة، هو أنه حتى ولو وضع هذا الحزبُ مع
إيران كل ثقلهما في هذه الأحداث فالأمور ذاهبة إما إلى سقوط النظام السوري وإما
إلى مسلسل لا نهائي من المعارك والمذابح والتهجير والتدمير، وأن هذا المسلسل
عاجلاً أم آجلاً سيصل إلى لبنان. السبب هو أن هذا النظام وكل حلفائه، بدءًا من حزب
الله وإيران إلى غيرهما، يتّبعون إستراتيجيا خاطئة في هذه الحرب، فهم يوجهون
الضربات إلى ذنب الأفعى ويتركون رأسها طليقاً؛ وليس بالإمكان الانتصار على أية
أفعى من خلال توجيه الضربات فقط إلى ذنبها.
فالمعارضة
السورية وجميع حلفائها في الشرق الأوسط، هم ليسوا سوى ذنب للأفعى التي رأسها في
واشنطن؛ والمطلوب هو العمل بإستراتيجيا تعتمد الأساليب السلمية في المواجهة مع
الولايات المتحدة، والتي من شأنها أن تؤدي في المستقبل المنظور إلى عزلة سياسية
واقتصادية لهذه الدولة تكون بداية نهاية زعامتها العالمية... وفي نفس الوقت تؤدي
إلى جعل معظم مؤيدي المعارضة السورية في العالمين العربي والإسلامي يتخلون عنها،
وإلى ازدياد مختلف أشكال الدعم المقدَّم للنظام السوري، بشكل الذي يمكّنه من حسم
الأمور لصالحه وبسط سيادة الدولة حتى خلال أسابيع.
هذه
الإستراتيجيا قد أوردتها في المقالة "النظام
السوري والخيار الوحيد أمامه للنصر":
ومع التنبيه إلى أن هذه الإستراتيجيا هي موضوعة بناءً على ما قمتُ به من
دراسات معمَّقة وغير مسبوقة في علوم السياسة والإستراتيجيا والتنمية
والسوسيولوجيا، والتي من ضمنها خمس نظريات جديدة في السوسيولوجيا (الأنتروبولوجيا
المجتمعية) كنتُ قد توصلتُ إلى صياغتها؛ وكل ذلك قد أوردته في كتابي "حول
الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة".
حول هذا
الموضوع انظر "التقييم العلمي للكتاب بوصفه دراسة غير مسبوقة في
الأنتروبولوجيا المجتمعية":
حول مقالتي
السابقة عن الادعاءات بمشاركة حزب الله في المعارك في الداخل السوري، انظر:
أنظر أيضاً
"الولايات المتحدة من حيث التخلف الفكري فيها":
عامر سمعان، باحث وكاتب
٣٠/ ٥/ ٢٠١٣. وقد تم آخر تنقيح لهذه المقالة
بتاريخ ٤/ ٦/ ٢٠١٣.