ما يتضمنه كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" دراسات معمقة وغير مسبوقة في السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا؛ من بينها: أربع نظريات جديدة في الأنتروبولوجيا المجتمعية، وخطة لحلّ الأزمة في لبنان، وإستراتيجيا تعتمد وسائل المحاربة الإعلامية والسياسية والاقتصادية لهزيمة الولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية، والتي سيكون من نتائجها الاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور في العالم العربي ومعظم دول الجنوب.

الخميس، 30 مايو 2013

حزب الله في الداخل السوري، الطريق المسدود

     في مقالتي بتاريخ ٥/ ٤/ ٢٠١٣ تحت عنوان "حول المساندة الإعلامية للنظام السوري وحزب الله (٨)" تناولتُ فيها ادعاءات المعارضة السورية وحلفائها بمشاركة حزب الله في المعارك في الداخل السوري، وكيف تصوِّر هذه الادعاءاتُ هذا الحزبَ كطرف أساسي داعم للنظام السوري وتضعه في نفس الدرجة في هذا الإطار مع إيران وروسيا.
     وأوضحتُ أنه بالرغم من وجود مشاركة محدودة لحزب الله في الأحداث السورية كمثل حماية مقام السيدة زينب ومساعدة قرى لبنانية في الداخل السوري، إلا أنه لا يمكنه أن يكون طرفاً أساسياً في هذه الأحداث ويزج بالآلاف من مقاتليه في الداخل السوري، لأن هذا من شأنه أن يؤثّر على جهوزيته في مواجهة التهديدات الإسرائيلية، من منطلق أن مصلحته تقضي المحافظة على هذه الجهوزية، أي المحافظة على وجوده في لبنان، أكثر من أن تكون المحافظة على نظام الأسد. كما أوضحتُ أن الدافع من تصويره كطرف أساسي في الأحداث السورية لا يمكن أن يكون الهدف منه إلا استهدافه بعد إسقاط النظام السوري وجعل كلا لبنان وسوريا تحت المظلة الأمريكية.
     وكما أصبح معلوماً، أنه في عيد المقاومة والتحرير في ٢٥ أيار، وبعد بضعة أيام من هجوم الجيش السوري على بلدة القصَير الإستراتيجية قرب الحدود اللبنانية، أعلن السيد حسن نصر الله، في واحد من أهم خطاباته، مشاركة حزب الله بشكل واسع في الأحداث السورية تحت حجة أن النظام السوري هو "ظهر المقاومة وسندها" والمقاومة لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي و"يكشف ظهرها أو ينكسر سندها"، وتحت حجة التخوف من سيطرة تنظيمات تكفيرية على محافظات سورية محاذية للبنان بشكل يمكنها من القيام بعمليات إرهابية في الداخل اللبناني. وأنهى خطابه واعداً بالنصر في سوريا.
     بالنظر إلى هذا التطور الاستثنائي في الأوضاع في لبنان وسوريا، لا بد من التوسع في المقالة الواردة أعلاه، ومحاولة فهم الأسباب في قرار حزب الله في المشاركة الواسعة في الأحداث السورية، وتبيان مدى قدرته على التغيير في مسار هذه الأحداث.
     التحالف الإستراتيجي القائم بين النظام السوري وحزب الله، إضافة إلى القرب الجغرافي والحدود المشتركة بين سوريا ولبنان وأيضاً الحدود المشتركة لهما مع إسرائيل؛ كل هذه العوامل تجعل من أي اعتداء من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة أو الناتو على أي من النظام السوري أو حزب الله مقدمة لاستهداف الآخر. من جهة أخرى، بالنظر إلى الفارق الكبير في القدرات العسكرية بين الطرفين فمن الطبيعي أن تكون مصلحة أي من النظام السوري أو حزب الله أن لا ينجرّ مباشرة وعلانية للدفاع عن الآخر عند تعرضه للاعتداء من قبل ذلك الطرف الآخر، إلا إذا أصبحت هزيمته أمراً حاصلاً.
     مثلاً، في حال تعرّض حزب الله لاعتداء إسرائيلي فمن الطبيعي أن لا ينجرّ النظامُ السوري مباشرة وعلانية للدفاع عنه وإعلان الحرب رسمياً على إسرائيل حرصاً منه على عدم تعريض سوريا لتدمير كبير، إلا إذا أصبحت هزيمة هذا الحزب أمراً حاصلاً وقامت القوات الإسرائيلية بالتوغل في الداخل اللبناني؛ لأن المرجَّح في هكذا وضع هو أن يأتي بعد ذلك دور سوريا في الاعتداء عليها. والأمر نفسه في حال تعرض النظام السوري لاعتداء من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة أو الناتو، فمن الطبيعي أن لا ينجرّ حزبُ الله علانية ورسمياً للدفاع عن هذا النظام إلا إذا أصبحت هزيمته أمراً حاصلاً؛ لأن المرجَّح في هكذا وضع هو أن يأتي بعد ذلك دور هذا الحزب في الاعتداء عليه.   
     حول الأحداث الجارية حالياً في سوريا، من السخافة القول إن ما يجري فيها هو ثورة أو حرب أهلية أو حرب بين النظام ومتمردين، لا أحد يقول هذه الأقوال إلا إذا كان من ضمن المعارضة السورية ومؤيديها. بل الصحيح أنها حرب عالمية بين مشروعين كبيرين في المنطقة والعالم.
     هذه المعارضة، هي متأمركة بمعظمها، تحارب أكثر نظام عربي معارضة لإسرائيل وللولايات المتحدة، وتطلب وتتوسل المساعدة العسكرية من قبل هذه الدولة وحلفائها؛ وقد صدرت عنها تصريحاتٌ تشير بوضوح إلى معاداة حزب الله وإيران وإلى الرغبة في التغيير في السياسة الخارجية السورية؛ وقد كانت تقوم منذ البداية بحرق صور حسن نصر الله وأعلام حزب الله في التظاهرات، وكانت تصور هذا الحزبَ كمشارك أساسي في القنص على المتظاهرين وفي القمع الدموي لهم ثم أصبحت تعتبره طرفاً أساسياً داعماً للنظام وتضعه في نفس الدرجة مع إيران وروسيا، وكانت ولا تزال تعتبره مشاركاً أساسياً في الجرائم بحق المدنيين السوريين. كما كانت ولا تزال تحظى بدعم واضح من قبل الولايات المتحدة ومَن هم تحت مظلتها، تحت شعارات جلب الحرية والديمقراطية إلى سوريا. كل هذا يشير بوضوح إلى أن هدف هذه المعارضة الأول والأساسي هو جعل سوريا تحت المظلة الأمريكية.
     ولما كان القسم الأكبر من هذه المعارضة هو إسلاموي متأمرك وجزء من مدّ كبير إسلاموي ومتأمرك في العالمين العربي والإسلامي يهدف إلى إقامة أنظمة حكم إسلامية أو برداء إسلامي في هذين العالمين تكون تحت مظلة الولايات المتحدة؛ ولما كانت هذه الدولة راغبة في التخلص من حزب الله... كل هذا يعني أنه بعد سقوط النظام السوري سيأتي دور هذا الحزب لإسقاطه من قبل الولايات المتحدة ومن خلال حلفائها في لبنان وسوريا وفي العالمين العربي والإسلامي، الذين سيستفيدون من هذا التشويه الكبير الذي لحق بصورته وليقدموا كل دعم ممكن لإسقاطه.
     إلا أنه ليس بإمكان حزب الله المشاركة بفاعلية إلى جانب النظام السوري وإرسال آلاف من مقاتليه إلى الداخل السوري، كون هذا من شأنه أن يقلل من جهوزيته في مواجهة التهديدات الإسرائيلية. بالتالي، أن يقوم هذا الحزب بهذه الخطوة فهذا لا يمكن أن يُفسَّر إلا من ضمن احتمالين؛ إما أنه قد أصبح لديه معلومات عن سقوط ليس ببعيد لهذا النظام مع ما يعنيه هذا من انتقال المعارك إلى الداخل اللبناني، وإما معلومات عن قرب قيام جماعات تكفيرية في المعارضة السورية بعمليات عسكرية كبيرة داخل لبنان.
     وفي كلتا الحالتين ستقلل هذه الخطوة من جهوزيته في مواجهة التهديدات الإسرائيلية. لكن قد لا يكون هذا التقليل بشكل كبير؛ لأنه عندما تتوحد بندقية هذا الحزب والنظام السوري وبشكل رسمي وعلني في الداخل السوري، فمن المفترَض أن تتوحد أيضاً في الداخل اللبناني. أي إنه في حال وقوع اعتداء إسرائيلي على الحزب سيترتب عليه أرجحية تدخل هذا النظام عسكرياً للدفاع عنه... أي ما سيلجم إلى حد بعيد أية اعتداءات إسرائيلية عليه.     
     واختصاراً لما هو وارد أعلاه، ليس من مصلحة حزب الله المشاركة بشكل واسع في الأحداث السورية وإرسال الآلاف من مقاتليه إلى الداخل السوري، مع ما قد يؤدي إليه هذا من التقليل من جهوزيته في مواجهة التهديدات الإسرائيلية، إلا في حال وجود خطر وشيك عليه وعلى لبنان انطلاقاً من هذا الداخل.    
     أما حول ادعاءات المعارضة وحلفائها بأن الحزب يتدخل في الأحداث السورية بناء على تعليمات إيرانية، فلا أساس له من الصحة. لأنه إذا اعتبرنا هذا الحزبَ أداةً لإيران، وأن هدف هذه الدولة هو إقامة هلال شيعي ومد نفوذها في المنطقة وليس مواجهة السياسات الأمريكية والصهيونية، وفق ادعاءات المعارضة السورية وحلفائها؛ في هكذا وضع، تكون مصلحة إيران هي في المحافظة على الوجود الفاعل والقوي للحزب في لبنان وعلى رصيده في العالمين العربي والإسلامي بصفته من حقق أهم الانتصارات العسكرية على إسرائيل، وليس زجّه في الأحداث السورية بشكل يؤدي إلى خلق العداء بينه وبين شرائح واسعة من السنة في هذين العالمين وإلى إمكانية توريطه في حرب أهلية في لبنان...
     أخيراً، وحول إن كان سيشكّل التدخل الواسع لحزب الله في سوريا نقطة تحول في مسار الأحداث فيها، فرأيي الشخصي الذي أوردته أكثر من مرة، هو أنه حتى ولو وضع هذا الحزبُ مع إيران كل ثقلهما في هذه الأحداث فالأمور ذاهبة إما إلى سقوط النظام السوري وإما إلى مسلسل لا نهائي من المعارك والمذابح والتهجير والتدمير، وأن هذا المسلسل عاجلاً أم آجلاً سيصل إلى لبنان. السبب هو أن هذا النظام وكل حلفائه، بدءًا من حزب الله وإيران إلى غيرهما، يتّبعون إستراتيجيا خاطئة في هذه الحرب، فهم يوجهون الضربات إلى ذنب الأفعى ويتركون رأسها طليقاً؛ وليس بالإمكان الانتصار على أية أفعى من خلال توجيه الضربات فقط إلى ذنبها.
     فالمعارضة السورية وجميع حلفائها في الشرق الأوسط، هم ليسوا سوى ذنب للأفعى التي رأسها في واشنطن؛ والمطلوب هو العمل بإستراتيجيا تعتمد الأساليب السلمية في المواجهة مع الولايات المتحدة، والتي من شأنها أن تؤدي في المستقبل المنظور إلى عزلة سياسية واقتصادية لهذه الدولة تكون بداية نهاية زعامتها العالمية... وفي نفس الوقت تؤدي إلى جعل معظم مؤيدي المعارضة السورية في العالمين العربي والإسلامي يتخلون عنها، وإلى ازدياد مختلف أشكال الدعم المقدَّم للنظام السوري، بشكل الذي يمكّنه من حسم الأمور لصالحه وبسط سيادة الدولة حتى خلال أسابيع.    
     هذه الإستراتيجيا قد أوردتها في المقالة "النظام السوري والخيار الوحيد أمامه للنصر":
     ومع التنبيه إلى أن هذه الإستراتيجيا هي موضوعة بناءً على ما قمتُ به من دراسات معمَّقة وغير مسبوقة في علوم السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا، والتي من ضمنها خمس نظريات جديدة في السوسيولوجيا (الأنتروبولوجيا المجتمعية) كنتُ قد توصلتُ إلى صياغتها؛ وكل ذلك قد أوردته في كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة".
     حول هذا الموضوع انظر "التقييم العلمي للكتاب بوصفه دراسة غير مسبوقة في الأنتروبولوجيا المجتمعية":
     حول مقالتي السابقة عن الادعاءات بمشاركة حزب الله في المعارك في الداخل السوري، انظر:
     أنظر أيضاً "الولايات المتحدة من حيث التخلف الفكري فيها":



عامر سمعان، باحث وكاتب
٣٠/ ٥/ ٢٠١٣. وقد تم آخر تنقيح لهذه المقالة بتاريخ ٤/ ٦/ ٢٠١٣.

الخميس، 16 مايو 2013

النظام السوري والخيار الوحيد أمامه للنصر (الملخّص)


     من الواضح أنه في الحرب العالمية الدائرة في سوريا فالأمور ذاهبة إما إلى سقوط النظام وإما إلى مسلسل لا نهائي من المعارك والمذابح والتهجير والتدمير... لكن، وبالرغم من ذلك، فبالإمكان تغيير المسار مئة وثمانين درجة من خلال وضع إستراتيجيا تمكِّن النظامَ من حسم الأمور لصالحه وبسط سيادة الدولة خلال فترة قصيرة، كمثل أسابيع، وتكون في نفس الوقت بداية النهاية للزعامة العالمية للولايات المتحدة، من عزلة سياسية وانهيار اقتصادي وغيره...
وهذا ما سنوضحه فيما سيأتي:

- أولاً، القوة الحقيقية للمعارضة السورية.
     باستثناء قلة قليلة من هذه المعارضة التي ترفض التدخل العسكري الخارجي وتلتزم بالمعاداة للسياسة الأمريكية، إلا أن معظمها هي متأمركة تطلب وتتوسل المساعدة العسكرية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها وقد صدرت عنها تصريحات تشير بوضوح إلى معاداة حزب الله وإيران وإلى الرغبة في التغيير في السياسة الخارجية السورية.
     هذه المعارضة المتأمركة تستمد قوتها مما يصلها من دعم من قبل الولايات المتحدة أو حلفائها في هذه المنطقة أو غيرها... لكن قوتها الحقيقية تكمن في مجال آخر؛ فهي، بأكثرها، جزء من مدّ إسلاموي متأمرك في العالمين العربي والإسلامي أصبح يَعتبر أن إقامة دول إسلامية أو برداء إسلامي، أي كمثل ما هو الحال في مصر وتونس والسعودية وتركيا، في العالمين العربي والإسلامي تكون تحت المظلة الأمريكية هي أفضل طريقة في هذا الزمن لرفع شأن المسلمين والدين الإسلامي.
     السبب في هذا التوجّه الإسلاموي المتأمرك الذي أصبح طاغياً في العالمين العربي والإسلامي هو حالة من الإحباط فيهما نتيجة سلسلة من الانتصارات الأمريكية في العقدين الأخيرين؛ وهي: تفكك الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينات، احتلال العراق للكويت ثم قيام أمريكا بتحريره في العام 1991، قيام هذه الدولة بتحرير كوسوفو من الصرب في العام 1999، اعتداءات 11 أيلول 2001 ما أثبت تخلف وإرهاب الأصوليين المعارضين لها، الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003، اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 ما أثبت ادعاءات أمريكا بجلب الحرية والديمقراطية إلى المنطقة، التدخل الغربي العسكري في ليبيا تحت مظلتها في العام 2011.
     نتيجة لهذه الانتصارات المتتالية، تعلّمَ معظمُ الحكام في العالمين العربي والإسلامي الدرسَ بسرعة، وهو أن عليهم أن يسيروا وراء الثور الأمريكي وإلا سيكون مصيرهم كمثل صدام حسين أو معمر القذافي أو بشار الأسد؛ كما أن معظم الشعوب في هذين العالمين أصبح عندهم القناعة بأنه لا يمكن هزيمة الولايات المتحدة وبأن دولهم محكوم عليها أن تبقى تحت مظلة هذه الدولة.
     والبقاء تحت المظلة الأمريكية يعني أحد الخيارين: الأول هو نظام علماني، أي كمثل نظام حسني مبارك أو بن علي، الثاني هو نظام حكم إسلامي أو برداء إسلامي.
     الفرق بين الاثنين هو أن هذا الأخير يؤمِّن مظهَراً من عدم التبعية الثقافية وراء الغربيين من خلال تطبيق بعض مظاهر الشريعة الإسلامية؛ كمثل اعتبار هذه الشريعة المصدر للدستور والقوانين وارتداء الحجاب والتضييق على حريات المرأة واللباس التقليدي للرجل وإطلاق اللحى ووضع عبارات التكبير والبسملة والشهادة على كل شاردة وواردة إلخ... إضافة إلى ما يعنيه الحجاب من التشدد في المحافظة على الأخلاقيات مقارنة باللباس غير المحتشم للنساء كما هو دارج في الغرب...    
     فيكون نظام حكم إسلامي أو برداء إسلامي تحت المظلة الأمريكية مؤمِّناً شعوراً بالكرامة وعزة والنفس أكثر من نظام حكم علماني تحت هذه المظلة. ولما كان يعود الفضل إلى الدين الإسلامي في هذه الكرامة وعزة النفس، يصبح نظام الحكم الإسلامي أو برداء إسلامي هو، في نفس الوقت، رفعاً لشأن هذا الدين.
     بذلك، تتّضح لنا القوة الحقيقية للمعارضة السورية، فهي أولاً تتلقى الدعم من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وثانياً والأهم أنها جزء من هذا المد الإسلاموي المتأمرك في العالمين العربي والإسلامي.
     لذلك يصح القول إنه بمواجهة عدو بهذه الضخامة فالأمور ذاهبة إما إلى سقوط النظام السوري وإما إلى مسلسل لا نهائي من المعارك والمذابح والتهجير والتدمير... لكن، كما قلنا، هذه ليست نهاية الطريق إذا ما تم وضع الإستراتيجيا المناسبة للمواجهة.                 
     تقوم هذه الإستراتيجيا على خطوتين متزامنتين: الأولى، هي اعتبار أن ما يجري في سوريا هو حرب بين النظام والولايات المتحدة بذاتها التي المعارضة ما هي إلا إحدى أدواتها، وأن يتم الإعلان عن خطة عامة واضحة للمواجهة مع هذه الدولة؛ والثانية، هي في اعتماد خطاب تكفيري يكون في مواجهة الخطاب التكفيري للمعارضة؛ كما سنرى...

– ثانياً، الخطة العامة، أي الإستراتيجيا، للمواجهة مع للولايات المتحدة.
     تقوم هذه الخطة ليس على تحرك النظام السوري أو باقي الأنظمة الداعمة له، بل على تحرك أي شخص أو أي تنظيم سياسي مؤيد لهذا النظام، داخل سوريا أو في أي مكان من العالم. فيكون المطلوب منه: أولاً القيام بنشاط إعلامي لنشر الورقة التي سنوردها أدناه وأن يدافع عن محتواها بكافة الوسائل الإعلامية المتوفرة لديه، وثانياً، مطالبة نظام الحكم في بلده، بالوسائل الديمقراطية، لإقرار المطالب الواردة في المرحلة الأولى فيها.
     هذه الورقة هي التالية:

المقدمة: مَن كان راغباً في انتصار النظام السوري في الحرب العالمية التي تجري على أرضه، وأن يتم في نفس الوقت إلحاق هزيمة كبرى بالولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية، فليقم بنشر هذه الورقة والدفاع عن محتواها ومطالبة حكومة بلاده بإقرار المطالب الواردة في المرحلة الأولى فيها:    

مساهمة أي فرد في إنهاء الزعامة العالمية للولايات المتحدة
                                                                                
1 - إن كل شخص مقتنِع بأن الزعامة العالمية للولايات المتحدة لن تجلب إلى العالم إلا الحروب والمآسي وجمود الأوضاع الاقتصادية والفقر، وبأن إنهاء هذه الزعامة وإلحاق هزيمة كبرى بها سيحسّن إلى حد بعيد من أوضاع العالم بأسره، فلا يمكنه الاعتماد بهذا على أنظمة الحكم الحالية أو المؤسسات الدولية، بل إن الطريقة الوحيدة الممكنة هي في تحركات شعبية في مختلف البلدان تطالب أنظمة الحكم وتضغط عليها بالوسائل الديمقراطية، والتي منها التظاهرات والإضرابات، لاتخاذ قرارات مناهضة للولايات المتحدة، من خلال عدة مراحل.
2 - المرحلة الأولى تتعلق بلبنان وسوريا وليبيا والولايات المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، فيكون هناك مطالبات لمختلف أنظمة الحكم لتوافق على ما يلي:                 
أ - حول لبنان، عدم التعاون مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي أُنشئت لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، ورَفض كل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة؛ من منطلق أن الولايات المتحدة هي المستفيد الأول من هذه الجريمة وأن إدارة الرئيس جورج بوش هي المتهَم الأول بها، وأنه ليس هناك أية مصداقية لهذه المحكمة، وأنها أداة لخدمة المصالح الأمريكية في المنطقة خاصة في لبنان وسوريا. كذلك، تقديم كل دعم ممكن إلى لبنان في مواجهة أية ضغوطات تتعلق بهذه المسألة. 
ب - حول سوريا، رَفض أية ضغوطات تمارَس على نظام الرئيس بشار الأسد تتعلق بمسألة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، كذلك رَفض أية ضغوطات عليه تكون تحت حجة حماية التحركات الشعبية المعارِضة في الداخل السوري من قمع أجهزة النظام، ورفض أية مساعدات عسكرية أو اقتصادية تقدَّم إلى الجناح العسكري للمعارَضة؛ من منطلق أن هذه الضغوطات هي من ضمن مسلسل مستمر على سوريا منذ احتلال العراق في العام 2003 تهدف إلى جعلها في المحور الأمريكي، وأن المسؤولية الأساسية للتوترات الأمنية في سوريا تعود إلى المعارَضة وحلفائها الخارجيين من أمريكيين ومَن معهم، وأن هؤلاء هم المتهَمون قبل غيرهم بما جرى من جرائم بحق المدنيين السوريين. كذلك، تقديم كل دعم ممكن إلى هذا النظام في مواجهة هذه الضغوطات، وفي مواجهة أعمال العنف الجارية في الداخل. 
ج - حول ليبيا، اعتبار أن التدخل العسكري الغربي الذي تم فيها تحت حجة الحظر الجوي وحماية المدنيين هو اعتداء عليها، يهدف إلى الهيمنة عليها وسرقة خيراتها وجعل التحركات الشعبية المعارِضة التي تحصل في العالم العربي تحت مظلة الولايات المتحدة وزيادة نفوذها فيه؛ ومطالبة الدول التي اشتركت في هذا التدخل العسكري والتي قدَّمت الدعم المادي والسياسي له بدفع التعويضات لليبيين. وأيضاً إيجاد ضمانات سياسية وأمنية للقاعدة الشعبية الموالية للقذافي، وعدم إجراء أية محاكمة لأي مسؤول في نظام القذافي في الداخل إلا في ظل هذه الضمانات، وعدم تقديم أي منهم إلى المحكمة الجنائية الدولية. 
د - حول الولايات المتحدة، تخفيض التمثيل الدبلوماسي فيها، ووقف أي تعاون عسكري معها، أي وقف أي تدريب للعسكريين فيها وشراء الأسلحة منها والمناورات المشترَكة معها والانسحاب من أية أحلاف عسكرية معها وإزالة أية قواعد عسكرية لها في البلد المعني.
هـ - حول المحكمة الجنائية الدولية، رَفض أي تعاون مع هذه المحكمة في أية قضية داخل العالم العربي أو خارجه والانسحاب من عضويتها، من منطلق عدم مصداقيتها وأنها أصبحت إحدى مؤسسات العدالة الدولية الموضوعة في خدمة السياسة الأمريكية.
3 - بعد أن تكون المطالبات حول المرحلة الأولى قد أدَّت إلى النتائج المرجوة، سيكون هناك مطالبات أخرى قد تتضمن المقاطعة السياسية أو الاقتصادية للولايات المتحدة، أو أية معارك سياسية أو اقتصادية أخرى حسب المستجدات، وصولاً إلى المطالبات لإلزامها بالاعتراف بكل جرائمها بحق الشعوب الأخرى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
4 - في المراحل المتقدمة من هذه المواجهة سيكون من الضروري المطالبة بالانسحاب من الأمم المتحدة وتأسيس منظمة دولية أخرى تُعنى بالسلام العالمي والتعاون بين الشعوب. من منطلق فشل هذه المنظمة في المحافظة على السلام العالمي بسبب حق العضوية الدائمة والنقض في مجلس الأمن المعطى للخمس الدول وخاصة بسبب هيمنة الولايات المتحدة في كثير من الأحيان على هذا المجلس.
5 - مع بداية نهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة، وانطلاقاً من كون إسرائيل هي من الناحية الإستراتيجية بمثابة الجزء منها، سيكون بالإمكان المطالبة بفرض حل عادل فيما يتعلق بالدولتين الإسرائيلية والفلسطينية يقوم على أساس أن إسرائيل كيان مغتصَب وغير شرعي. من ضمن هذا الحل، سيكون هناك ضرورة لإشراك كل من بريطانيا والولايات المتحدة بالمسؤولية المعنوية والمادية للوجود غير الشرعي لإسرائيل وللجرائم التي ارتكبتها بحق شعوب المنطقة.
كذلك سيكون هناك ضرورة لرعاية ودعم قيام اتحاد بين الدول العربية يقوم أساساً على البرلمان العربي المشترَك، بالنظر إلى أهمية هذه الخطوة في إنهاء حقبة المشروع الصهيوني في المنطقة، وفي العملية التنموية في العالم العربي.
6 - بعد تحقيق هذه المراحل والوصول إلى إنهاء الزعامة العالمية للولايات المتحدة وإلحاق هزيمة كبرى بها، فإن معظم أنحاء العالم ستنعم بالاستقرار الأمني وبالتسريع في النمو الاقتصادي والتطور في مختلف المجالات.
7 - من الضروري القيام بنشاط إعلامي، فردي أو جماعي، في جميع البلدان لنشر هذه الورقة وشرحها والدفاع عنها في كل الوسائل الإعلامية المتاحة.
8 - في حال لم يكن بالإمكان في أي بلد القيام بتحرك جماعي لمطالبة نظام الحكم والضغط عليه لإقرار ما هو وارد في هذه الورقة، بالنظر إلى سلطة قمعية يمارسها هذا النظام أو إلى قلة المقتنِعين بما هو وارد فيها، فسيكون من المفيد أن يقوم كل شخص مقتنِع بها بتحرك فردي، على الأقل، لنشرها بكل الوسائل المتاحة له، لأن هذا من شأنه أن يمهِّد تدريجياً لنمو قاعدة شعبية في ذلك البلد تكون مقتنِعة بها ومستعدة للتحرك الجماعي لإقرارها.  
للتوسع في هذه الورقة:
                   
     انتهت هذه الورقة، وكما هو واضح، أوردنا رابطاً في أدناها يوصل إلى المقالة التي تشرح بتوسع ما ورد فيها.

– ثالثاً، الخطاب التكفيري المضاد في المواجهة مع المعارضة السورية.
     هذه المعارضة، بشقها الإسلاموي، مع كل الإسلامويين الداعمين لها في الخارج، يتَّبعون خطاب تكفيري يَعتبر أنهم يجاهدون لإقامة دولة إسلامية في سوريا، وأن مَن هم إلى جانبهم سيكون نصيبهم الجنة، بينما مَن هم إلى جانب النظام فسيكون نصيبهم النار.
     فيصبح، في مواجهة هذا المنطق، لا بد من اتّباع خطاب مضاد يَعتبر أن مَن يحاربون الولايات المتحدة، الشيطان الأكبر، وسواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين أم لأي دين آخر انتموا، هم مَن يُحسَب لهم هذا الموقف صلاحاً ومَن قد تُفتَح لهم أبواب الجنة (أي يُحسَب لهم هذا الأمر صلاحاً وتُفتح لهم أبواب الجنة في مفاهيم دينهم)؛ أما الذين يتحالفون مع هذه الدولة، كمثل حال المعارضة السورية، وحتى ولو أحاطوا أنفسهم بمظاهر التدين من صلوات وأصوام وغيرها، فهم أبعد الناس عن الصلاح ونهايتهم لن تكون إلا في جهنم...

– رابعاً، من خلال هاتين الخطوتين المتزامنتين، أي خطة المواجهة مع الولايات المتحدة والخطاب التكفيري المضاد في المواجهة مع المعارضة، سيضعف المنطق الموجود عند المعارضة الإسلاموية وحلفائها الذي يَعتبر أن محاربة النظام السوري هي الطريق المؤدية إلى الجنة، وفي مقابله سيقوى المنطق الذي يَعتبر أن محاربة الولايات المتحدة هي ما يُعتبَر صلاحاً ومن الطرق المؤدية إلى الجنة.
     في هذه الأجواء، فإن القسم الأكبر من الداعمين للمعارضة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي سيتخلون عنها لصالح دعمهم للنظام، وكذلك الأمر مع الحاضنة الشعبية لهذه المعارضة في الداخل السوري... وسيزداد مختلف أشكال الدعم المقدَّم إلى النظام من الكثير من مناطق العالم؛ أي ما سيمكنه من حسم الأمور لصالحه وبسط سلطة الدولة حتى خلال أسابيع... كما سيزداد في الكثير من مناطق العالم مختلفُ المواقف المعارضة للسياسة الخارجية الولايات المتحدة؛ الأمر الذي سيشكِّل بداية النهاية للزعامة العالمية لهذه الدولة، من عزلة سياسية وانهيار اقتصادي وغيره... أي ما سيؤدي إلى تغيير الأمور في المستقبل المنظور لصالح القضية الفلسطينية، وأيضاً لصالح الدول العربية وباقي دول الجنوب من حيث الاستقرار الأمني فيها وما سيترتب عليه لاحقاً من تسريع النمو الاقتصادي والتطور والتحول نحو الديمقراطية.    
     فعلى المقتنعين بهذا الأمر أن يبادروا إلى التنفيذ، على الأقل من خلال نشر الورقة التي أوردناها أعلاه عن المواجهة مع الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت اتّباع هكذا خطاب تكفيري مضاد في المواجهة مع المعارضة السورية. ومن المفيد أيضاً نشر هذه المقالة بكاملها، أي مع الروابط التي فيها، على المواقع الالكترونية وحيث يكون بالإمكان ذلك.
     ومع التنبيه إلى أن هذه الخطة للمواجهة هي موضوعة بناءً على ما قمتُ به من دراسات معمَّقة وغير مسبوقة في علوم السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا، والتي من ضمنها خمس نظريات جديدة في السوسيولوجيا (الأنتروبولوجيا المجتمعية) كنتُ قد توصلتُ إلى صياغتها؛ وكل ذلك قد أوردته في كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة".
     عن هذا الموضوع انظر "التقييم العلمي للكتاب بوصفه دراسة غير مسبوقة في الأنتروبولوجيا المجتمعية":

     للتوسع في المواضيع الواردة في هذه المقالة انظر:
"القوة الحقيقية للمعارضة السورية":
"المواجهة مع المعارضة السورية بصفتها أداة للولايات المتحدة":
"المواجهة مع المعارضة السورية بصفتها صاحبة خطاب تكفيري":
أنظر أيضاً "الولايات المتحدة من حيث التخلف الفكري فيها":
     للتوسع أكثر في خطة المواجهة مع الولايات المتحدة الواردة أعلاه، وأيضاً للاطلاع على الدراسات والنظريات التي بموجبها تم توضيح كيف أن الزعامة العالمية للولايات المتحدة وتحالفها مع المستعمرين الأوروبيين وإسرائيل هي المسبب الأساسي لحالة قلة الاستقرار الأمني والفقر والتخلف في العالم العربي ومعظم دول الجنوب، وأنه لا يمكن لهذه المناطق أن تنعم بالاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور والديمقراطية إلا بإلحاق هزيمة كبرى بالولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية؛ انظر كتابي الوارد أعلاه "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" الفصول من التاسع إلى الثاني عشر.



عامر سمعان، باحث وكاتب
6/ 5/ 2013. 


ملاحظة: تمت كتابة هذه المقالة قبل إعلان النظام السوري عن رغبته في نزع السلاح الكيميائي في 9/ 9/ 2013؛ وهذا الأمر تطلب إضافات على الخطة الواردة أعلاه لكي تبقى على ما هي من فاعلية في إنهاء الأحداث السورية وإلحاق الهزيمة المرتجاة بالولايات المتحدة... حول هذه الإضافات انظر المقالة "الكيميائي والخطأ الإستراتيجي الكبير":
 http://www.amersemaan.com/2013/09/blog-post_2429.html
     حول الملخَّص لهذه الخطة بعد هذه الإضافات انظر المقالة "نحو الانتصار في سوريا وهزيمة أمريكا":
عامر سمعان، تم آخر تنقيح لهذه المقالة في 5/ 1/ 2014.

الثلاثاء، 14 مايو 2013

النظام السوري والخيار الوحيد أمامه للنصر ( 3 \ 3 )


الحلقة الثالثة والأخيرة: المواجهة مع المعارضة السورية بصفتها صاحبة خطاب تكفيري.
     ذكرنا في الحلقة الأولى أن الأمور في سوريا ذاهبة إما إلى سقوط النظام وإما إلى مسلسل لا نهائي من المعارك والمذابح والتهجير والتدمير... وأنه بالرغم من ذلك فبالإمكان وضع إستراتيجيا تمكِّن النظامَ السوري من حسم الأمور لصالحه وبسط سيادة الدولة خلال فترة قصيرة، كمثل أسابيع، وتكون في نفس الوقت بداية النهاية للزعامة العالمية للولايات المتحدة، من عزلة سياسية وانهيار اقتصادي وغيره... هذه الإستراتيجيا تقوم على خطوتين متزامنتين: الأولى، هي اعتبار أن ما يجري هو حرب بين النظام والولايات المتحدة بذاتها التي المعارضة ما هي إلا إحدى أدواتها، وأن يتم الإعلان عن خطة عامة واضحة للمواجهة مع هذه الدولة؛ والثانية هي في اعتماد خطاب تكفيري يكون في مواجهة الخطاب التكفيري للمعارضة، فكما أن هذه الأخيرة تَعتبر أن محاربة النظام السوري هي الطريق المؤدية إلى الجنة، يكون الخطاب المضاد هو أن محاربة الولايات المتحدة، الشيطان الأكبر، هي من الطرق المؤدية إلى الجنة، وأن مَن يتحالف معها كمثل حال المعارضة السورية فطريقه لا يمكن أن تكون إلا إلى جهنم...
     سنعرض في هذه الحلقة الخطاب التكفيري المضاد الذي يجب اتّباعه في مواجهة المعارضة.
     في أية ديانة، سواء في الإسلام أم في غيره، ليست مظاهر التدين من صلوات وأصوام وغيرها هي أساساً التي تبرر الإنسان، أو مقياس الصلاح لديه، بل أعمال الخير ومحاربة الشر هي أساساً التي تبرره ثم تأتي الصلوات والأصوام في مرتبة ثانوية.
     والمطلوب من المؤمن أن يحارب الشر أينما وُجد. بدءًا من الشر الموجود في داخله، أي الأفكار والشهوات الشريرة، إلى الشر الموجود في مجتمعه، أي السلوك المؤذي من قبل الآخرين، والذي قد يوجد في عائلته أو مدرسته أو مكان عمله أو قريته أو شارعه أو مدينته... وفي حال لم تكن ظروفه تسمح له بمحاربة هذا الشر فعليه على الأقل أن لا يساعده أو يتحالف معه. مع العلم أنه في جميع الديانات كان يوجد دائماً قديسون شهداء حالوا محاربة ما كانوا يرونه شراً في مجتمعاتهم وفي تصرفات الحكام وقدموا حياتهم ثمناً لذلك.
     وإذا لم يتَّبع المؤمن هكذا نهج في محاربة الشر فمهما قام من صلوات وأصوام فهي لن تُحسَب له صلاحاً.
     من جهة أخرى، عندما يتعاطى المؤمنُ النشاطَ السياسي، فعليه أولاً وأساساً أن يحارب ما يراه شراً في مواقف السياسيين كما في العقائد والأفكار السياسية وفي القوانين؛ وفي حال لم تكن ظروفه تسمح له بذلك فعليه على الأقل أن لا يساعد هذا الشر أو يتحالف معه. وفيما يتعلق بالسياسات الخارجية للدول التي لديها تأثير في منطقته أو على المستوى العالمي، فعليه أن يعارض هذه السياسات في حال كانت في نظره شراً.
     أي إن الولايات المتحدة، القوة العظمى في هذا العالم، التي ارتكبت عبر عشرات السنوات الكثير من الجرائم بحق الكثير من الشعوب في البلدان النامية، وتحالفت مع المستعمرين الأوروبيين بما يضمن لهم عدم محاسبتهم على ما قاموا به من جرائم بحق الشعوب المستعمَرة، وساهمت بشكل أساسي في نشأة الكيان الصهيوني المغتصب وأمَّنت له الدعم الكافي لاستمراره في الوجود وتوسعه وجرائمه بحق شعوب المنطقة... استناداً إلى كل هذا، مَن كان يتعاطى نشاطاً سياسياً ويدَّعي الإيمان والتدين، وبغض النظر عن أي دين انتمى، عليه أن يكون في موقع المعارضة للسياسة الخارجية الأمريكية وليس الموالاة لها.
     وفي حال موالاته لها، فإما أن يكون تدينه كذباً ونفاقاً، وإما أن يكون هكذا شخص من ضمن سَعي لإقامة تكتل طائفي ينمو ويقوى تحت مظلة الولايات المتحدة، أي تحت حمايتها ومساعدتها، على حساب ما هو حق وعدل، أي من خلال المشاركة أو السكوت عن جرائمها بحق باقي الشعوب. وفي هذه الحالة الأخيرة، مهما قام هذا الشخص من صلوات وأصوام وغيرها، فهي لن تُحسَب له صلاحاً، كون الصلاح لا يكون بنمو التكتلات الطائفية بشرياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً وتعظمها على حساب ما هو حق وعدل، بل أساساً بالدفاع عما هو حق وعدل.      
     أي إن المعارضة السورية التي تحارب النظامَ السوري الذي هو أحد أكثر الأنظمة في العالمين العربي والإسلامي معارضةً للسياسة الأمريكية، والتي تصدر عنها تصريحاتٌ تشير بوضوح إلى الرغبة في تغيير السياسة الخارجية السورية وإلى معاداة إيران وحزب الله، والتي تطلب وتتوسل المساعدة العسكرية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها... فالذين ينتمون إلى هذه المعارضة ويحيطون أنفسَهم بمظاهر التدين كمثل الادعاء بإقامة الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية وكثرة التكبير عند سماع أي إطلاق للنار ووضع عبارات الشهادتين على الجبهة والثياب والسلاح والرايات وإطلاق اللحى والصلوات والأصوام وغيرها... فهؤلاء يمكن وضعهم في خانتين إما أن تكون هذه المظاهر كذباً ونفاقاً، وإما أن يكونوا من ضمن سَعي لإقامة تكتلات طائفية في العالمين العربي والإسلامي، أي أنظمة حكم إسلامية أو برداء إسلامي، تنمو وتقوى تحت مظلة الولايات المتحدة، أي من خلال المشاركة أو السكوت عن جرائمها في هذين العالمين وفي غيرهما...
     الأمر الذي يجعل هذه المعارضةَ الإسلاموية، وكل الإسلامويين الداعمين لها من الخارج، أبعد الناس عن الصلاح في مقاييس الدين الإسلامي... هذا، ومن دون أن نتكلم عن موافقتهم أو سكوتهم عن الفتاوى الداعمة للمعارضة والتي تجيز قتل المدنيين الموالين للنظام وسبي النساء وجهاد النكاح وغيرها... هذه الفتاوى التي هي وصمة عار على جبين الحضارتين العربية والإسلامية؛ إضافة إلى كونها تحريض واضح ومعلَن على ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.              
     بل وأكثر من ذلك، يصح القول بأن أي مسلم في العالم لا يمكن له أن يكون مسلماً حقيقياً وفي نفس الوقت موالياً للسياسة الخارجية الأمريكية...
     ويصح القول أيضاً بأن أي مسيحي في العالم لا يمكن له أن يكون مسيحياً حقيقياً وفي نفس الوقت موالياً للسياسة الخارجية الأمريكية... أما عن المنطق الذي يذهب إلى أنه على المسيحي أن يتضامن مع الأوروبيين والأمريكيين كونهم أخوته في الدين، فهو منطق مرفوض كلياً في المفاهيم المسيحية التي تَعتبر أنه على المسيحي أن يدافع عن المظلومين بغض النظر عن أي دين انتموا، وأن يحارب الشر أيضاً بغض النظر عن أي جهة صدر...
     وكذلك الأمر مع أبناء أي دين في العالم من حيث الموقف من السياسة الخارجية الأمريكية؛ هذا في حال كان الدين الذي ينتمون إليه يأخذ صفة العالمية، أي يعمل لخير البشرية جمعاء وليس موضوعاً لخدمة شعب معيّن.
     وبالطبع يستثنى من هذا الكلام، مَن كان موالياً للسياسة الخارجية الأمريكية وكانت موالاته نابعة عن جهل بتاريخ وطبيعة هذه السياسة؛ لأن الخطيئة عندما تُرتَكب عن جهل لا تُحتسَب خطيئة بل خطأ.
     والأمر نفسه، إذا أردنا أن نبحث في الموضوع من غير وجهة النظر الدينية، أي إذا أردنا أن نبحث فيه من وجهة نظر القيم الإنسانية؛ فمن يدَّعي التمسك بهذه القيم عليه أن يكون في موقع المعارض للسياسة الخارجية الأمريكية للسبب نفسه، أي بالنظر إلى الجرائم والمآسي التي تسببت بها هذه السياسة بحق الكثير من الشعوب؛ وإلا يكون ادعاؤه بتمسكه بهذه القيم كذباً ونفاقاً.
     واعتماداً على ما تقدم، يصح القول إن مَن يحاربون إلى جانب النظام السوري في الحرب العالمية التي تجري على أرضه ومَن يقدِّمون له مختلف أشكال الدعم، وبغض النظر عن أي دين انتموا، هم مَن يُحسَب لهم هذا الموقف صلاحاً وهم مَن قد تُفتَح لهم أبواب الجنة (أي يُحسَب لهم هذا الأمر صلاحاً في دينهم وتُفتح لهم أبواب الجنة في دينهم)، هذا في حال كان موقفهم نابعاً عن نيَّة حسنة، أي أن تكون محاربتهم من منطلق الدفاع عما هو حق وعدل وأن يتّبعوا الأساليب المشروعة في هذه المحاربة. وأيضاً مَن يحاربون إلى جانب إيران وحزب الله ومَن يقدمون لهما مختلف أشكال الدعم في مواجهة التهديدات الإسرائيلية والأمريكية، وبغض النظر عن أي دين انتموا، أيضاً هم مَن يُحسَب لهم هذا الموقف صلاحاً ومَن قد تُفتَح لهم أبواب الجنة...
     وباختصار، فالحرب العالمية التي تجري في سوريا هي حرب مقدسة بكل ما للكلمة من معنى كونه سيترتب عليها مصير الشيطان الأكبر الذي في واشنطن؛ وكل شخص في هذا العالم، في حال كان وفياً لما عنده من قيم دينية أو إنسانية، المفترَض به أن يكون في هذه الحرب ضد هذا الشيطان الأكبر وأدواته.
     هكذا نكون قد أوضحنا الخطابَ التكفيري الذي يجب اتّباعه في المواجهة مع المعارضة السورية؛ وكما كنا قد ذكرنا في الحلقة الثانية، يجب أن يتزامن معه اعتبار أن ما يجري في سوريا هو حرب بين النظام والولايات المتحدة بذاتها التي المعارضة ما هي إلا إحدى أدواتها، وأن يتم الإعلان عن خطة واضحة للمواجهة مع هذه الدولة. وبشأن هذا الخطاب، ليس بالضرورة الالتزام بشكل حرفي بما هو وارد فيه، إذ يمكن الزيادة عليه أو الاختصار؛ وفي حال الاختصار يمكن مثلاً الاكتفاء بالقول: "ليست محاربة النظام السوري هي الطريق المؤدية إلى الجنة؛ بل إن مَن يحاربون الولايات المتحدة، الشيطان الأكبر، وبغض النظر عن أي دين انتموا، هم مَن يُحسَب لهم هذا الأمر صلاحاً ومَن قد تُفتَح لهم أبواب الجنة، أما الذين يتحالفون معها كمثل حال المعارضة السورية فطريقهم لا يمكن أن تكون إلا إلى جهنم..." 
     وكما كنا قد ذكرنا في الحلقة الأولى، فما سيترتب على القيام بهاتين الخطوتين المتزامنتين، هو أن القسم الأكبر من الداعمين للمعارضة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي سيتخلون عنها لصالح دعمهم للنظام، وكذلك الأمر مع الحاضنة الشعبية لهذه المعارضة في الداخل السوري... وسيزداد مختلف أشكال الدعم المقدَّم إلى النظام من الكثير من مناطق العالم؛ أي ما سيمكنه من حسم الأمور لصالحه وبسط سلطة الدولة حتى خلال أسابيع... كما سيزداد في الكثير من مناطق العالم مختلفُ المواقف المعارضة للسياسة الخارجية الولايات المتحدة؛ الأمر الذي سيشكِّل بداية النهاية للزعامة العالمية لهذه الدولة، من عزلة سياسية وانهيار اقتصادي وغيره... أي ما سيؤدي إلى تغيير الأمور في المستقبل المنظور لصالح القضية الفلسطينية، وأيضاً لصالح الدول العربية وباقي دول الجنوب من حيث الاستقرار الأمني فيها وما سيترتب عليه لاحقاً من تسريع النمو الاقتصادي والتطور والتحول نحو الديمقراطية.
     فعلى المقتنعين بهذا الأمر أن يبادروا إلى التنفيذ، على الأقل من خلال نشر الورقة التي أوردناها في الحلقة الثانية عن المواجهة مع الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت اتّباع هكذا خطاب تكفيري مضاد في المواجهة مع المعارضة السورية.

الحلقة الأولى كانت عن "القوة الحقيقية للمعارضة السورية":
الحلقة الثانية كانت عن "المواجهة مع المعارضة السورية بصفتها أداة للولايات المتحدة":
حول المآسي المترتبة على الزعامة العالمية للولايات المتحدة، من حيث التوترات الأمنية والفقر والتخلف في العالم العربي ومعظم دول الجنوب، والنتائج التي ستترتب على إنهاء هذه الزعامة، انظر "حول المساندة الإعلامية للنظام السوري وحزب الله (٩)": 
وأيضاً "الإستراتيجيا المقترَحة لإنهاء الزعامة العالمية للولايات المتحدة":
للتوسع أكثر في هذا الموضوع، وأيضاً للاطلاع على الدراسات والنظريات التي بموجبها تم توضيح كيف أن الزعامة العالمية للولايات المتحدة وتحالفها مع المستعمرين الأوروبيين وإسرائيل هي المسبب الأساسي لحالة قلة الاستقرار الأمني والفقر والتخلف في العالم العربي ومعظم دول الجنوب، وأنه لا يمكن لهذه المناطق أن تنعم بالاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور والديمقراطية إلا بإلحاق هزيمة كبرى بالولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية؛ انظر كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" الفصول من التاسع إلى الثاني عشر.
                          

عامر سمعان، باحث وكاتب
14/ 5/ 2013. وقد تم آخر تنقيح لهذه المقالة بتاريخ 6/ 10/ 2013.

الاثنين، 6 مايو 2013

النظام السوري والخيار الوحيد أمامه للنصر ( 2 \ 3 )


الحلقة الثانية: المواجهة مع المعارضة السورية بصفتها أداة للولايات المتحدة
     ذكرنا في الحلقة الأولى أن الأمور في سوريا ذاهبة إما إلى سقوط النظام وإما إلى مسلسل لا نهائي من المعارك والمذابح والتهجير والتدمير... وأنه بالرغم من ذلك فبالإمكان وضع إستراتيجيا تمكِّن النظامَ السوري من حسم الأمور لصالحه وبسط سيادة الدولة خلال فترة قصيرة، كمثل أسابيع، وتكون في نفس الوقت بداية النهاية للزعامة العالمية للولايات المتحدة، من عزلة سياسية وانهيار اقتصادي وغيره... هذه الإستراتيجيا تقوم على خطوتين متزامنتين: الأولى، هي اعتبار أن ما يجري هو حرب بين النظام والولايات المتحدة بذاتها التي المعارضة ما هي إلا إحدى أدواتها، وأن يتم الإعلان عن خطة عامة واضحة للمواجهة مع هذه الدولة؛ والثانية هي في اعتماد خطاب تكفيري يكون في مواجهة الخطاب التكفيري للمعارضة، فكما أن هذه الأخيرة تَعتبر أن محاربة النظام السوري هي الطريق المؤدية إلى الجنة، يكون الخطاب المضاد هو أن محاربة الولايات المتحدة، الشيطان الأكبر، هي من الطرق المؤدية إلى الجنة، وأن مَن يتحالف معها كمثل حال المعارضة السورية فطريقه لا يمكن أن تكون إلا إلى جهنم...
     سنتطرق في هذه الحلقة إلى الخطة العامة للمواجهة مع الولايات المتحدة.
     تقوم هذه الخطة العامة، أي الإستراتيجيا، ليس على تحرك النظام السوري أو باقي الأنظمة الداعمة له، بل على تحرك أي شخص أو أي تنظيم سياسي مؤيد لهذا النظام، داخل سوريا أو في أي مكان من العالم. فيكون المطلوب منه: أولاً القيام بنشاط إعلامي لنشر الورقة التي سنوردها أدناه وأن يدافع عن محتواها بكافة الوسائل الإعلامية المتوفرة لديه، وثانياً، مطالبة نظام الحكم في بلده، بالوسائل الديمقراطية، لإقرار المطالب الواردة في المرحلة الأولى فيها.
     هذه الورقة هي التالية:

المقدمة: مَن كان راغباً في انتصار النظام السوري في الحرب العالمية التي تجري على أرضه، وأن يتم في نفس الوقت إلحاق هزيمة كبرى بالولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية، فليقم بنشر هذه الورقة والدفاع عن محتواها ومطالبة حكومة بلاده بإقرار المطالب الواردة في المرحلة الأولى فيها. 
   
مساهمة أيِّ فرد في إنهاء الزعامة العالمية للولايات المتحدة

1 - إن كل شخص مقتنِع بأن الزعامة العالمية للولايات المتحدة لن تجلب إلى العالم إلا الحروب والمآسي وجمود الأوضاع الاقتصادية والفقر، وبأن إنهاء هذه الزعامة وإلحاق هزيمة كبرى بها سيحسِّن إلى حد بعيد من أوضاع العالم بأسره، فلا يمكنه الاعتماد بهذا على أنظمة الحكم الحالية أو المؤسسات الدولية، بل إن الطريقة الوحيدة الممكنة هي في تحركات شعبية في مختلف البلدان تطالب أنظمة الحكم وتضغط عليها بالوسائل الديمقراطية، والتي منها التظاهرات والإضرابات، لاتخاذ قرارات مناهضة للولايات المتحدة، من خلال عدة مراحل.
2 - المرحلة الأولى تتعلق بلبنان وسوريا وليبيا والولايات المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، فيكون هناك مطالبات لمختلف أنظمة الحكم لتوافق على ما يلي:                 
أ - حول لبنان، عدم التعاون مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي أُنشئت لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، ورَفض كل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة؛ من منطلق أن الولايات المتحدة هي المستفيد الأول من هذه الجريمة وأن إدارة الرئيس جورج بوش هي المتهَم الأول بها، وأنه ليس هناك أية مصداقية لهذه المحكمة، وأنها أداة لخدمة المصالح الأمريكية في المنطقة خاصة في لبنان وسوريا. كذلك، تقديم كل دعم ممكن إلى لبنان في مواجهة أية ضغوطات تتعلق بهذه المسألة. 
ب - حول سوريا، رَفض أية ضغوطات تمارَس على نظام الرئيس بشار الأسد تتعلق بمسألة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، كذلك رَفض أية ضغوطات عليه تكون تحت حجة حماية التحركات الشعبية المعارِضة في الداخل السوري من قمع أجهزة النظام، ورفض أية مساعدات عسكرية أو اقتصادية تقدَّم إلى الجناح العسكري للمعارَضة؛ من منطلق أن هذه الضغوطات هي من ضمن مسلسل مستمر على سوريا منذ احتلال العراق في العام 2003 تهدف إلى جعلها في المحور الأمريكي، وأن المسؤولية الأساسية للتوترات الأمنية في سوريا تعود إلى المعارَضة وحلفائها الخارجيين من أمريكيين ومَن معهم، وأن هؤلاء هم المتهَمون قبل غيرهم بما جرى من جرائم بحق المدنيين السوريين. كذلك، تقديم كل دعم ممكن إلى هذا النظام في مواجهة هذه الضغوطات، وفي مواجهة أعمال العنف الجارية في الداخل. 
ج - حول ليبيا، اعتبار أن التدخل العسكري الغربي الذي تم فيها تحت حجة الحظر الجوي وحماية المدنيين هو اعتداء عليها، يهدف إلى الهيمنة عليها وسرقة خيراتها وجعل التحركات الشعبية المعارِضة التي تحصل في العالم العربي تحت مظلة الولايات المتحدة وزيادة نفوذها فيه؛ ومطالبة الدول التي اشتركت في هذا التدخل العسكري والتي قدَّمت الدعم المادي والسياسي له بدفع التعويضات لليبيين. وأيضاً إيجاد ضمانات سياسية وأمنية للقاعدة الشعبية الموالية للقذافي، وعدم إجراء أية محاكمة لأيِّ مسؤول في نظام القذافي في الداخل إلا في ظل هذه الضمانات، وعدم تقديم أيِّ منهم إلى المحكمة الجنائية الدولية. 
د - حول الولايات المتحدة، تخفيض التمثيل الدبلوماسي فيها، ووقف أيِّ تعاون عسكري معها، أي وقف أيِّ تدريب للعسكريين فيها وشراء الأسلحة منها والمناورات المشترَكة معها والانسحاب من أية أحلاف عسكرية معها وإزالة أية قواعد عسكرية لها في البلد المعني.
هـ - حول المحكمة الجنائية الدولية، رَفض أيِّ تعاون مع هذه المحكمة في أية قضية داخل العالم العربي أو خارجه والانسحاب من عضويتها، من منطلق عدم مصداقيتها وأنها أصبحت إحدى مؤسسات العدالة الدولية الموضوعة في خدمة السياسة الأمريكية.
3 - بعد أن تكون المطالبات حول المرحلة الأولى قد أدَّت إلى النتائج المرجوة، سيكون هناك مطالبات أخرى قد تتضمن المقاطعة السياسية أو الاقتصادية للولايات المتحدة، أو أية معارك سياسية أو اقتصادية أخرى حسب المستجدات، وصولاً إلى المطالبات لإلزامها بالاعتراف بكل جرائمها بحق الشعوب الأخرى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
4 - في المراحل المتقدمة من هذه المواجهة سيكون من الضروري المطالبة بالانسحاب من الأمم المتحدة وتأسيس منظمة دولية أخرى تُعنى بالسلام العالمي والتعاون بين الشعوب. من منطلق فشل هذه المنظمة في المحافظة على السلام العالمي بسبب حق العضوية الدائمة والنقض في مجلس الأمن المعطى للخمس الدول وخاصة بسبب هيمنة الولايات المتحدة في كثير من الأحيان على هذا المجلس.
5 - مع بداية نهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة، وانطلاقاً من كون إسرائيل هي من الناحية الإستراتيجية بمثابة الجزء منها، سيكون بالإمكان المطالبة بفرض حل عادل فيما يتعلق بالدولتين الإسرائيلية والفلسطينية يقوم على أساس أن إسرائيل كيان مغتصَب وغير شرعي. من ضمن هذا الحل، سيكون هناك ضرورة لإشراك كل من بريطانيا والولايات المتحدة بالمسؤولية المعنوية والمادية للوجود غير الشرعي لإسرائيل وللجرائم التي ارتكبتها بحق شعوب المنطقة.
     كذلك سيكون هناك ضرورة لرعاية ودعم قيام اتحاد بين الدول العربية يقوم أساساً على البرلمان العربي المشترَك، بالنظر إلى أهمية هذه الخطوة في إنهاء حقبة المشروع الصهيوني في المنطقة، وفي العملية التنموية في العالم العربي.
6 - بعد تحقيق هذه المراحل والوصول إلى إنهاء الزعامة العالمية للولايات المتحدة وإلحاق هزيمة كبرى بها، فإن معظم أنحاء العالم ستنعم بالاستقرار الأمني وبالتسريع في النمو الاقتصادي والتطور في مختلف المجالات.
7 - من الضروري القيام بنشاط إعلامي، فردي أو جماعي، في جميع البلدان لنشر هذه الورقة وشرحها والدفاع عنها في كل الوسائل الإعلامية المتاحة.
8 - في حال لم يكن بالإمكان في أيِّ بلد القيام بتحرك جماعي لمطالبة نظام الحكم والضغط عليه لإقرار ما هو وارد في هذه الورقة، بالنظر إلى سلطة قمعية يمارسها هذا النظام أو إلى قلة المقتنِعين بما هو وارد فيها، فسيكون من المفيد أن يقوم كل شخص مقتنِع بها بتحرك فردي، على الأقل، لنشرها بكل الوسائل المتاحة له، لأن هذا من شأنه أن يمهِّد تدريجياً لنمو قاعدة شعبية في ذلك البلد تكون مقتنِعة بها ومستعدة للتحرك الجماعي لإقرارها.  
     للتوسع في هذه الورقة، انظر: "الإستراتيجيا المقترحة لإنهاء الزعامة العالمية للولايات المتحدة":

     انتهت هذه الورقة، وكما هو واضح لقد أوردنا رابطاً في أدناها، لمن يود الاستزادة منها بشكل يمكنه من الدفاع عن محتواها.
     ومع التنبيه إلى أن هذه الخطة للمواجهة هي موضوعة بناءً على ما قمتُ به من دراسات معمَّقة وغير مسبوقة في علوم السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا، والتي من ضمنها خمس نظريات جديدة في السوسيولوجيا (الأنتروبولوجيا المجتمعية) كنتُ قد توصلتُ إلى صياغتها؛ وكل ذلك قد أوردته في كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة".
     عن هذا الموضوع انظر "التقييم العلمي للكتاب بوصفه دراسة غير مسبوقة في الأنتروبولوجيا المجتمعية":
     الحلقة الثالثة والأخيرة هي تحت عنوان: "المواجهة مع المعارضة السورية بصفتها صاحبة خطاب تكفيري" سنعرض فيها الخطاب التكفيري المضاد الذي يجب اتباعه في مواجهتها: 
     الحلقة الأولى كانت تحت عنوان: "القوة الحقيقية للمعارضة السورية":
     أنظر أيضاً كتابي: "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" الفصل الثاني عشر حول شرح موسَّع أكثر للخطة الواردة أعلاه. 
     أنظر أيضاً "الولايات المتحدة من حيث التخلف الفكري فيها":

     

عامر سمعان، باحث وكاتب
6/ 5/ 2013. 


ملاحظة: تمت كتابة هذه المقالة قبل إعلان النظام السوري عن رغبته في نزع السلاح الكيميائي في 9/ 9/ 2013؛ وهذا الأمر تطلب إضافات على الخطة الواردة أعلاه لكي تبقى على ما هي من فاعلية في إنهاء الأحداث السورية وإلحاق الهزيمة المرتجاة بالولايات المتحدة... حول هذه الإضافات انظر المقالة "الكيميائي والخطأ الإستراتيجي الكبير":
      حول الملخَّص لهذه الخطة بعد هذه الإضافات انظر المقالة "نحو الانتصار في سوريا وهزيمة أمريكا":
عامر سمعان، تم آخر تنقيح لهذه المقالة في 5/ 1/ 2014.