ما يتضمنه كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" دراسات معمقة وغير مسبوقة في السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا؛ من بينها: أربع نظريات جديدة في الأنتروبولوجيا المجتمعية، وخطة لحلّ الأزمة في لبنان، وإستراتيجيا تعتمد وسائل المحاربة الإعلامية والسياسية والاقتصادية لهزيمة الولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية، والتي سيكون من نتائجها الاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور في العالم العربي ومعظم دول الجنوب.

الثلاثاء، 14 مايو 2013

النظام السوري والخيار الوحيد أمامه للنصر ( 3 \ 3 )


الحلقة الثالثة والأخيرة: المواجهة مع المعارضة السورية بصفتها صاحبة خطاب تكفيري.
     ذكرنا في الحلقة الأولى أن الأمور في سوريا ذاهبة إما إلى سقوط النظام وإما إلى مسلسل لا نهائي من المعارك والمذابح والتهجير والتدمير... وأنه بالرغم من ذلك فبالإمكان وضع إستراتيجيا تمكِّن النظامَ السوري من حسم الأمور لصالحه وبسط سيادة الدولة خلال فترة قصيرة، كمثل أسابيع، وتكون في نفس الوقت بداية النهاية للزعامة العالمية للولايات المتحدة، من عزلة سياسية وانهيار اقتصادي وغيره... هذه الإستراتيجيا تقوم على خطوتين متزامنتين: الأولى، هي اعتبار أن ما يجري هو حرب بين النظام والولايات المتحدة بذاتها التي المعارضة ما هي إلا إحدى أدواتها، وأن يتم الإعلان عن خطة عامة واضحة للمواجهة مع هذه الدولة؛ والثانية هي في اعتماد خطاب تكفيري يكون في مواجهة الخطاب التكفيري للمعارضة، فكما أن هذه الأخيرة تَعتبر أن محاربة النظام السوري هي الطريق المؤدية إلى الجنة، يكون الخطاب المضاد هو أن محاربة الولايات المتحدة، الشيطان الأكبر، هي من الطرق المؤدية إلى الجنة، وأن مَن يتحالف معها كمثل حال المعارضة السورية فطريقه لا يمكن أن تكون إلا إلى جهنم...
     سنعرض في هذه الحلقة الخطاب التكفيري المضاد الذي يجب اتّباعه في مواجهة المعارضة.
     في أية ديانة، سواء في الإسلام أم في غيره، ليست مظاهر التدين من صلوات وأصوام وغيرها هي أساساً التي تبرر الإنسان، أو مقياس الصلاح لديه، بل أعمال الخير ومحاربة الشر هي أساساً التي تبرره ثم تأتي الصلوات والأصوام في مرتبة ثانوية.
     والمطلوب من المؤمن أن يحارب الشر أينما وُجد. بدءًا من الشر الموجود في داخله، أي الأفكار والشهوات الشريرة، إلى الشر الموجود في مجتمعه، أي السلوك المؤذي من قبل الآخرين، والذي قد يوجد في عائلته أو مدرسته أو مكان عمله أو قريته أو شارعه أو مدينته... وفي حال لم تكن ظروفه تسمح له بمحاربة هذا الشر فعليه على الأقل أن لا يساعده أو يتحالف معه. مع العلم أنه في جميع الديانات كان يوجد دائماً قديسون شهداء حالوا محاربة ما كانوا يرونه شراً في مجتمعاتهم وفي تصرفات الحكام وقدموا حياتهم ثمناً لذلك.
     وإذا لم يتَّبع المؤمن هكذا نهج في محاربة الشر فمهما قام من صلوات وأصوام فهي لن تُحسَب له صلاحاً.
     من جهة أخرى، عندما يتعاطى المؤمنُ النشاطَ السياسي، فعليه أولاً وأساساً أن يحارب ما يراه شراً في مواقف السياسيين كما في العقائد والأفكار السياسية وفي القوانين؛ وفي حال لم تكن ظروفه تسمح له بذلك فعليه على الأقل أن لا يساعد هذا الشر أو يتحالف معه. وفيما يتعلق بالسياسات الخارجية للدول التي لديها تأثير في منطقته أو على المستوى العالمي، فعليه أن يعارض هذه السياسات في حال كانت في نظره شراً.
     أي إن الولايات المتحدة، القوة العظمى في هذا العالم، التي ارتكبت عبر عشرات السنوات الكثير من الجرائم بحق الكثير من الشعوب في البلدان النامية، وتحالفت مع المستعمرين الأوروبيين بما يضمن لهم عدم محاسبتهم على ما قاموا به من جرائم بحق الشعوب المستعمَرة، وساهمت بشكل أساسي في نشأة الكيان الصهيوني المغتصب وأمَّنت له الدعم الكافي لاستمراره في الوجود وتوسعه وجرائمه بحق شعوب المنطقة... استناداً إلى كل هذا، مَن كان يتعاطى نشاطاً سياسياً ويدَّعي الإيمان والتدين، وبغض النظر عن أي دين انتمى، عليه أن يكون في موقع المعارضة للسياسة الخارجية الأمريكية وليس الموالاة لها.
     وفي حال موالاته لها، فإما أن يكون تدينه كذباً ونفاقاً، وإما أن يكون هكذا شخص من ضمن سَعي لإقامة تكتل طائفي ينمو ويقوى تحت مظلة الولايات المتحدة، أي تحت حمايتها ومساعدتها، على حساب ما هو حق وعدل، أي من خلال المشاركة أو السكوت عن جرائمها بحق باقي الشعوب. وفي هذه الحالة الأخيرة، مهما قام هذا الشخص من صلوات وأصوام وغيرها، فهي لن تُحسَب له صلاحاً، كون الصلاح لا يكون بنمو التكتلات الطائفية بشرياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً وتعظمها على حساب ما هو حق وعدل، بل أساساً بالدفاع عما هو حق وعدل.      
     أي إن المعارضة السورية التي تحارب النظامَ السوري الذي هو أحد أكثر الأنظمة في العالمين العربي والإسلامي معارضةً للسياسة الأمريكية، والتي تصدر عنها تصريحاتٌ تشير بوضوح إلى الرغبة في تغيير السياسة الخارجية السورية وإلى معاداة إيران وحزب الله، والتي تطلب وتتوسل المساعدة العسكرية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها... فالذين ينتمون إلى هذه المعارضة ويحيطون أنفسَهم بمظاهر التدين كمثل الادعاء بإقامة الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية وكثرة التكبير عند سماع أي إطلاق للنار ووضع عبارات الشهادتين على الجبهة والثياب والسلاح والرايات وإطلاق اللحى والصلوات والأصوام وغيرها... فهؤلاء يمكن وضعهم في خانتين إما أن تكون هذه المظاهر كذباً ونفاقاً، وإما أن يكونوا من ضمن سَعي لإقامة تكتلات طائفية في العالمين العربي والإسلامي، أي أنظمة حكم إسلامية أو برداء إسلامي، تنمو وتقوى تحت مظلة الولايات المتحدة، أي من خلال المشاركة أو السكوت عن جرائمها في هذين العالمين وفي غيرهما...
     الأمر الذي يجعل هذه المعارضةَ الإسلاموية، وكل الإسلامويين الداعمين لها من الخارج، أبعد الناس عن الصلاح في مقاييس الدين الإسلامي... هذا، ومن دون أن نتكلم عن موافقتهم أو سكوتهم عن الفتاوى الداعمة للمعارضة والتي تجيز قتل المدنيين الموالين للنظام وسبي النساء وجهاد النكاح وغيرها... هذه الفتاوى التي هي وصمة عار على جبين الحضارتين العربية والإسلامية؛ إضافة إلى كونها تحريض واضح ومعلَن على ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.              
     بل وأكثر من ذلك، يصح القول بأن أي مسلم في العالم لا يمكن له أن يكون مسلماً حقيقياً وفي نفس الوقت موالياً للسياسة الخارجية الأمريكية...
     ويصح القول أيضاً بأن أي مسيحي في العالم لا يمكن له أن يكون مسيحياً حقيقياً وفي نفس الوقت موالياً للسياسة الخارجية الأمريكية... أما عن المنطق الذي يذهب إلى أنه على المسيحي أن يتضامن مع الأوروبيين والأمريكيين كونهم أخوته في الدين، فهو منطق مرفوض كلياً في المفاهيم المسيحية التي تَعتبر أنه على المسيحي أن يدافع عن المظلومين بغض النظر عن أي دين انتموا، وأن يحارب الشر أيضاً بغض النظر عن أي جهة صدر...
     وكذلك الأمر مع أبناء أي دين في العالم من حيث الموقف من السياسة الخارجية الأمريكية؛ هذا في حال كان الدين الذي ينتمون إليه يأخذ صفة العالمية، أي يعمل لخير البشرية جمعاء وليس موضوعاً لخدمة شعب معيّن.
     وبالطبع يستثنى من هذا الكلام، مَن كان موالياً للسياسة الخارجية الأمريكية وكانت موالاته نابعة عن جهل بتاريخ وطبيعة هذه السياسة؛ لأن الخطيئة عندما تُرتَكب عن جهل لا تُحتسَب خطيئة بل خطأ.
     والأمر نفسه، إذا أردنا أن نبحث في الموضوع من غير وجهة النظر الدينية، أي إذا أردنا أن نبحث فيه من وجهة نظر القيم الإنسانية؛ فمن يدَّعي التمسك بهذه القيم عليه أن يكون في موقع المعارض للسياسة الخارجية الأمريكية للسبب نفسه، أي بالنظر إلى الجرائم والمآسي التي تسببت بها هذه السياسة بحق الكثير من الشعوب؛ وإلا يكون ادعاؤه بتمسكه بهذه القيم كذباً ونفاقاً.
     واعتماداً على ما تقدم، يصح القول إن مَن يحاربون إلى جانب النظام السوري في الحرب العالمية التي تجري على أرضه ومَن يقدِّمون له مختلف أشكال الدعم، وبغض النظر عن أي دين انتموا، هم مَن يُحسَب لهم هذا الموقف صلاحاً وهم مَن قد تُفتَح لهم أبواب الجنة (أي يُحسَب لهم هذا الأمر صلاحاً في دينهم وتُفتح لهم أبواب الجنة في دينهم)، هذا في حال كان موقفهم نابعاً عن نيَّة حسنة، أي أن تكون محاربتهم من منطلق الدفاع عما هو حق وعدل وأن يتّبعوا الأساليب المشروعة في هذه المحاربة. وأيضاً مَن يحاربون إلى جانب إيران وحزب الله ومَن يقدمون لهما مختلف أشكال الدعم في مواجهة التهديدات الإسرائيلية والأمريكية، وبغض النظر عن أي دين انتموا، أيضاً هم مَن يُحسَب لهم هذا الموقف صلاحاً ومَن قد تُفتَح لهم أبواب الجنة...
     وباختصار، فالحرب العالمية التي تجري في سوريا هي حرب مقدسة بكل ما للكلمة من معنى كونه سيترتب عليها مصير الشيطان الأكبر الذي في واشنطن؛ وكل شخص في هذا العالم، في حال كان وفياً لما عنده من قيم دينية أو إنسانية، المفترَض به أن يكون في هذه الحرب ضد هذا الشيطان الأكبر وأدواته.
     هكذا نكون قد أوضحنا الخطابَ التكفيري الذي يجب اتّباعه في المواجهة مع المعارضة السورية؛ وكما كنا قد ذكرنا في الحلقة الثانية، يجب أن يتزامن معه اعتبار أن ما يجري في سوريا هو حرب بين النظام والولايات المتحدة بذاتها التي المعارضة ما هي إلا إحدى أدواتها، وأن يتم الإعلان عن خطة واضحة للمواجهة مع هذه الدولة. وبشأن هذا الخطاب، ليس بالضرورة الالتزام بشكل حرفي بما هو وارد فيه، إذ يمكن الزيادة عليه أو الاختصار؛ وفي حال الاختصار يمكن مثلاً الاكتفاء بالقول: "ليست محاربة النظام السوري هي الطريق المؤدية إلى الجنة؛ بل إن مَن يحاربون الولايات المتحدة، الشيطان الأكبر، وبغض النظر عن أي دين انتموا، هم مَن يُحسَب لهم هذا الأمر صلاحاً ومَن قد تُفتَح لهم أبواب الجنة، أما الذين يتحالفون معها كمثل حال المعارضة السورية فطريقهم لا يمكن أن تكون إلا إلى جهنم..." 
     وكما كنا قد ذكرنا في الحلقة الأولى، فما سيترتب على القيام بهاتين الخطوتين المتزامنتين، هو أن القسم الأكبر من الداعمين للمعارضة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي سيتخلون عنها لصالح دعمهم للنظام، وكذلك الأمر مع الحاضنة الشعبية لهذه المعارضة في الداخل السوري... وسيزداد مختلف أشكال الدعم المقدَّم إلى النظام من الكثير من مناطق العالم؛ أي ما سيمكنه من حسم الأمور لصالحه وبسط سلطة الدولة حتى خلال أسابيع... كما سيزداد في الكثير من مناطق العالم مختلفُ المواقف المعارضة للسياسة الخارجية الولايات المتحدة؛ الأمر الذي سيشكِّل بداية النهاية للزعامة العالمية لهذه الدولة، من عزلة سياسية وانهيار اقتصادي وغيره... أي ما سيؤدي إلى تغيير الأمور في المستقبل المنظور لصالح القضية الفلسطينية، وأيضاً لصالح الدول العربية وباقي دول الجنوب من حيث الاستقرار الأمني فيها وما سيترتب عليه لاحقاً من تسريع النمو الاقتصادي والتطور والتحول نحو الديمقراطية.
     فعلى المقتنعين بهذا الأمر أن يبادروا إلى التنفيذ، على الأقل من خلال نشر الورقة التي أوردناها في الحلقة الثانية عن المواجهة مع الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت اتّباع هكذا خطاب تكفيري مضاد في المواجهة مع المعارضة السورية.

الحلقة الأولى كانت عن "القوة الحقيقية للمعارضة السورية":
الحلقة الثانية كانت عن "المواجهة مع المعارضة السورية بصفتها أداة للولايات المتحدة":
حول المآسي المترتبة على الزعامة العالمية للولايات المتحدة، من حيث التوترات الأمنية والفقر والتخلف في العالم العربي ومعظم دول الجنوب، والنتائج التي ستترتب على إنهاء هذه الزعامة، انظر "حول المساندة الإعلامية للنظام السوري وحزب الله (٩)": 
وأيضاً "الإستراتيجيا المقترَحة لإنهاء الزعامة العالمية للولايات المتحدة":
للتوسع أكثر في هذا الموضوع، وأيضاً للاطلاع على الدراسات والنظريات التي بموجبها تم توضيح كيف أن الزعامة العالمية للولايات المتحدة وتحالفها مع المستعمرين الأوروبيين وإسرائيل هي المسبب الأساسي لحالة قلة الاستقرار الأمني والفقر والتخلف في العالم العربي ومعظم دول الجنوب، وأنه لا يمكن لهذه المناطق أن تنعم بالاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور والديمقراطية إلا بإلحاق هزيمة كبرى بالولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية؛ انظر كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" الفصول من التاسع إلى الثاني عشر.
                          

عامر سمعان، باحث وكاتب
14/ 5/ 2013. وقد تم آخر تنقيح لهذه المقالة بتاريخ 6/ 10/ 2013.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق