يسود الرأي في مناطق مختلفة من العالم أن وصول
دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة سيشكِّل نقطة تحول في السياسة الخارجية
الأمريكية، بالنظر إلى طروحاته المثيرة للجدل التي كانت في فترة السباق لانتخابات
الرئاسة. كمثل: إعطاء الأولوية لمحاربة داعش في الشرق الأوسط، منع المسلمين من
دخول أمريكا ومراقبة مَن يوجدون منهم في الداخل، طرد الملايين من المهاجرين غير
الشرعيين، التشدد في منع دخول المهاجرين غير الشرعيين من أمريكا اللاتينية حتى من
خلال بناء جدار على الحدود، التقارب مع الرئيس بوتين، الاعتراف بالقدس عاصمة
لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وغيره...
سنحاول هنا
أن نلقي الضوء على أهم العوامل التي ساهمت في وصل ترامب للرئاسة، وفق مقاربة
أنتروبولوجية مجتمعية، وسنظهر كيف أنها مختلفة عن الطروحات الواردة أعلاه وأن
وصوله للرئاسة لا يعني أن الطريق أصبحت معبَّدة أمامه لتطبيق هذه الطروحات.
يوجد عاملان
أساسيان قد لعبا الدور الأهم في وصول ترامب للرئاسة.
- العامل الأول، هو أن ترامب رجل أعمال ناجح، وقد استثمر
هذه الأمر كصفة أساسية له في انتخابات الرئاسة.
في جميع
المجتمعات، الصغيرة والكبيرة، وفي أيِّ مكان في العالم، يوجد ثقة كبيرة برجل
الأعمال الناجح في أن يتولى الشأن السياسي، أي القيادة. حتى ولو كان هكذا شخص قليل
التعلّم، أو صاحب فضائح أخلاقية، يبقى له حظ كبير للنجاح في الانتخابات أكانت بلدية
أم نيابية أم رئاسية.
السبب في هذا أن أيَّ مجتمع، أكان صغيراً
كالقرية والبلدة أم كبيراً كالدولة، يسعى بشكل بديهي نحو القوة والتفوق على غيره
من المجتمعات. فيحتل العاملُ الاقتصادي مكانةً أساسية في هذا السَّعي. فالاقتصاد
القوي يمكن استثماره في النهوض في جميع النواحي التنموية والمعيشية والثقافية
والتعليمية والبحثية والعسكرية والسياسية وغيرها... وإحدى أفضل الطرق لتحقيق هذا
الأمر هي أن يتولى رجل الأعمال الناجح الشأن السياسي، من منطلق أنه كما قد نجح في
إدارة أعماله الخاصة وزيادة أمواله يصبح الاحتمالُ كبيراً أن ينجح في إدارة أعمال
مجتمعه وزيادة أمواله. وبالطبع، ليس المقصود هنا أن رجال الأعمال الناجح يمكنه
التفوق دوماً على جميع المرشحين في أية انتخابات، بل المقصود أن صفة رجل الأعمال
الناجح هي أحد العوامل الأساسية التي توصل إلى النجاح في أية انتخابات.
- العامل الثاني، هو أن ترامب كان في منافسة هيلاري
كلينتون، أي في منافسة امرأة.
أيضاً في
جميع المجتمعات، القديمة والحالية والصغيرة والكبيرة، وفي أيِّ مكان في العالم،
يوجد ثقة في أن يتولى رجلٌ الشأنَ السياسي أكثر من أن تتولاه امرأة.
العقلية الذكورية
لا تزال هي المهيمنة في جميع المجتمعات في العالم، حتى في أكثر المجتمعات التي
تدَّعي أنها متطورة، كالمجتمع الأمريكي، وأنها تعطي النساء كل حقوقهن. والدليل هو
واضح، إذا نرى أنه في كل المجتمعات لا يزال مَن يتولون القيادة أو الريادة في
المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والفنية والرياضية والدينية
وغيرها، هم بأغلبهم من الرجال... حتى في المجالات النسائية البحتة كالطبخ وتصميم
الأزياء النسائية وتصفيف الشعر النسائي، فالمتفوقون فيها هم بأغلبهم من الرجال.
مع التنبه
إلى أنه ليس المقصود هنا أن الرجال هم أكثر قدرة أو كفاءة من النساء، بل المقصود
هو وجود عقلية ذكورية (في التحتوعي الجماعي) في جميع المجتمعات تثق بقدرات وكفاءات
الرجل وبقيادته، في المجال السياسي وغيره، أكثر من المرأة. وأيضاً ليس المقصود أن
المرأة تخسر دوماً في منافسة الرجل في العمل السياسي في أيِّ مجتمع، بل المقصود أن
حظوظ الرجل في تولي الشأن السياسي من خلال الانتخابات في أيِّ مجتمع هي بشكل عام
أكثر من حظوظ المرأة.
واعتماداً
على ما تقدَّم، لا يمكن تجاهل أن هذين العاملين قد لعبا الدور الأساسي في وصل
ترامب للرئاسة، وليس طروحاته المثيرة للجدل في فترة الانتخابات.
بالطبع يوجد
في المجتمع الأمريكي، كما في غيره من المجتمعات الغربية، تخوفٌ من الإرهاب
الداعشي، وحتى تخوف من الإسلام بشكل عام، كما يوجد في المجتمع الأمريكي تذمر كبير
من المهاجرين غير الشرعيين. لكن مع توفر عاملي صفة رجل الأعمال الناجح وصفة المرشح
الرجل في مقابل المرأة عند ترامب، يصبح لهذين العاملين الدور الأساسي في نجاحه.
يعني لو افترضنا أن منافس ترامب في
الانتخابات كان رجلاً ولديه بدوره صفة رجل الأعمال الناجح، عندئذ يصح الجزم أن
نجاح ترامب في الرئاسة يعود أساساً إلى طروحاته المثيرة للجدل في فترة الانتخابات؛
وبأنه يوجد تحوّل كبير وجذري في المجتمع الأمريكي فيما يتعلق بالعلاقة مع جميع
المسلمين (المعتدلين والمتطرفين) ومع المهاجرين غير الشرعيين.
وكخلاصة، يصح
القول إنه لا يمكن لترامب أن يشطح في اتخاذ قرارات مناهضة لجميع المسلمين
وللمهاجرين غير الشرعيين من دون الاصطدام بمعارضة قوية من الداخل الأمريكي، على
الأقل على الصعيد الشعبي.
أما فيما
يتعلق بداعش وبالحرب العالمية التي تجري في سوريا، فأيُّ رئيس للولايات المتحدة،
أكان رجلاً أم امرأة، جمهورياً أم ديمقراطياً، أبيض أم أسمر، ومهما كان شكله
وفصله، فهو لن يستطيع الخروج من عباءة الصهيونية. ومصلحة الصهيونية، كما مصلحة
أمريكا وكل الدول الغربية والعربية والشرق أوسطية التي هي تحت مظلتها، هي في عدم انتهاء الحرب في سوريا وبسط سلطة الدولة على كافة أراضيها؛ لأن هذا الوضع سيؤدي إلى
تحول سوريا وحزب الله وإيران إلى قوة عظمى على الساحة الدولية. فتكون المصلحة
الصهيونية والأمريكية هي إما في استمرار الحرب السورية إلى ما لا نهاية، وإما في
تقسيم سوريا على أساس طائفي وإقامة دولة سنيّة فيها.
فمهما تحدث
ترامب وهوَّل عن أخطار داعش وصوَّره كأنه الشيطان الأكبر، ومهما قال إنه يتفق
ومعجب بالرئيس بوتين وبالرئيس الأسد، فلا يمكنه الذهاب في سوريا إلا إلى أحد هذين
الخيارين. ما يعني أن الحرب السورية لا تزال طويلة، والاحتمال كبير هو وصولها إلى
لبنان.
وما يعني
أنه على محور المقاومة وحليفته الأساسية روسيا اتِّباع إستراتيجيا مختلفة تماماً،
على الصعيدين المحلي والعالمي، عن تلك التي كانت متَّبعة منذ بداية الأحداث
السورية، في حال أرادوا الوصول إلى السلام والنصر في سوريا.
عامر سمعان، باحث وكاتب
25/
1/ 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق