أثناء القداس الإلهي في عيد ختانة الرب
والقديس باسيليوس في 1/ 1/ 2017، المعروف شعبياً وإعلامياً بعيد رأس السنة
الميلادية، في الكاتدرائية المريمية في دمشق، برئاسة البطريرك الأرثوذكسي يوحنا
العاشر يازجي؛ كان من بين الحضور مفتي الجمهورية العربية السورية أحمد بدر الدين
حسون إضافة إلى بضعة رجال دِين مسلمين آخرين.
فألقى،
المفتي حسون في هذه المناسبة كلمة مما جاء فيها: "في
يوم الميلاد سطعت البشارةُ وجعلت الناس يعيشون في سلام"، و"مساجدنا
وكنائسنا كانت بيت الرب لكل البشر"، و"سوريا التي شيطنوها في إعلامهم وأرادها
اللهُ نوراً في عطائه ومجده"؛ كما قد أشاد
بالرئيس الأسد وتحدث عن "نبي السلام يسوع"... يعني تحدث عن السيد المسيح
بما يتوافق مع التعاليم الإسلامية عنه على أنه أحد الأنبياء وليس بما يتوافق مع
التعاليم المسيحية الأرثوذكسية عنه على أنه الإله المتجسد.
وبالرغم من أن المفتي حسون معروف عنه حرصه على الوحدة الوطنية ومحبته واحترامه للمسيحيين
ولكل مكونات الشعب السوري، إلا أنه من المنطقي أن لا يصدر عنه رأيٌ دِيني عن السيد
المسيح يتعارض مع معتقده الإسلامي... أي من الطبيعي أن ما حصل في تلك المناسبة قد
شكَّل تعارضاً فادحاً مع التعاليم المسيحية الأرثوذكسية، لا سيما أنه قد تم أثناء
مناسبة دينية بحتة وداخل الكنيسة.
نأتي الآن
إلى جوهر المشكلة:
المفترَض أن يقتصر حضور الخِدَم الكنسية
الأرثوذكسية وخاصة القداس الإلهي على المؤمنين الأرثوذكسيين، وأن لا يحضرها أبناءُ
الديانات الأخرى، كالمسلمين واليهود والهندوس والبوذيين وغيرهم، وكذلك الذين
ينتمون إلى الهرطقات المسيحية والملحدين.
والمفترَض،
بشكل عام، أن لا يحضر الصلوات الجماعية التي تقام في المعابد، عند أيِّ مذهب دِيني،
إلا أبناء هذا المذهب أنفسهم؛ لأن حضورها يَفترِض على الأقل الإيمان والاقتناع
بالتعاليم الدينية الخاصة بهذا المذهب. فعندما يسمح أبناءُ أيِّ مذهب دِيني
للآخرين أن يحضروا الصلوات في معابدهم، ومن دون أن يكون لديهم الإيمان والاقتناع
بتعاليم دِينهم، فهم بذلك يعطون رسالة خاطئة عن هذه التعاليم ويظهرونها أنها مجرد
فلكلور أو فن أو شكليات أو مناسبات اجتماعية لا تقدِّم أو تؤخِّر بخصوص علاقة
الإنسان بإلهه.
بالتالي،
يتضح لنا أن أكبر تشويه وإساءة للمسيحية يحصل من قبل المسيحيين أنفسهم، الأرثوذكس
والكاثوليك والبروتستانت، في مناطق عديدة من العالم عندما يسمحون لأبناء باقي
الديانات بحضور الخِدَم الكنسية من دون أي رقيب أو حسيب؛ وكأن هذه الخدم ليست سوى
فلكلور أو حفلات أو استعراضات فنية أو مناسبات اجتماعية.
وفيما يتعلق
خاصةً بالمسيحية الأرثوذكسية، تكتسب الخِدَمُ الكنسية فيها أهميةً استثنائية كونها
تتضمن نَيل المؤمنين النعمة الإلهية غير المخلوقة من خلال المشاركة بالأسرار
الكنسية. يعني المفترَض أن يكون المذهب الأرثوذكسي هو الأكثر تشدداً في العالم على
حصر حضور الخِدَم الكنسية بأبناء هذا المذهب أنفسهم.
فإذا أردنا
السَير في النهضة الدينية الصحيحة، لا بد من صدور قرار صريح عن المجمع المقدس
الأرثوذكسي يحصر حضور الخِدَم الكنسية (خاصة القداس الإلهي) بالمؤمنين
الأرثوذكسيين.
إلى أن يأتي
يومٌ ما في المستقبل يصدر فيه هكذا قرار، وأن يصار إلى تطبيقه من خلال حملة
إعلامية فاعلة لتوعية القواعد الشعبية الأرثوذكسية بأهميته؛ التمنّي على الأساقفة
والكهنة الأرثوذكسيين الأجلاء الالتزام بما يلي:
1 - عدم تقصُّد الزيادة في ذلك الخطأ المتوارث منذ أمد
بعيد والذي يسمح لأبناء باقي الديانات، والهرطقات المسيحية، بحضور الخِدَم الكنسية
الأرثوذكسية؛ وذلك من خلال الامتناع عن توجيه دعوات رسمية إلى شخصيات سياسية أو
دينية منهم، أو إلى قواعدهم الشعبية، لحضور هذه الخِدَم في الأعياد الرئيسية أو
غيرها من المناسبات الدينية.
2 - في حال حصل وحضر شخصياتٌ سياسية أو دينية من مسلمين،
أو غيرهم من أبناء باقي الديانات أو من الهرطقات المسيحية، الخِدَمَ الكنسية
الأرثوذكسية، وسواء بدعوة أم من دون دعوة؛ فالمفترَض عدم دعوة أيٍّ منهم، مهما علا
شأنه سواء أكان رئيس جمهورية أم أميراً أم ملكاً أم سلطاناً أم مفتي الجمهورية أو
غيره، لإلقاء كلمة خلال الخدمة الكنسية. لأن هذه الشخصية، ومهما كانت مُحبِّة أو مُقدِّرة
للمسيحيين الأرثوذكسيين، فمن الطبيعي أن لا يصدر عنها كلامٌ يتعارض مع تعاليم دِينها
حين تطرقها إلى المسيحية الأرثوذكسية.
3 - في حال حصل هذا الأمر لأيِّ سبب من الأسباب، أي قيام
شخصية سياسية أو دينية أو اجتماعية، من غير المسيحيين أو من المذاهب التي تُعتبَر
هرطقات مسيحية، بإلقاء كلمة خلال إحدى الخِدَم الكنسية الأرثوذكسية وتم تطرق فيها
إلى موضوع دِيني ما بشكل يتعارض مع التعليم الأرثوذكسي عنه (كمثل التحدث عن "النبي
يسوع")؛ عندها المفترَض بمن يترأس هذه الخدمة، البطريرك أو الأسقف أو المتقدم
في الكهنة، أن يلقي كلمة مباشرة بعد الانتهاء من كلمة تلك الشخصية يوضح فيها التعليم
الأرثوذكسي حول هذا الموضوع؛ وأن يكون كلامه كردّ صريح وواضح حرصاً على عدم حصول
أي التباس. يعني كمثل أن يقول: "قد تطرق صاحب السيادة (أو الفخامة أو الجلالة
أو السماحة أو الفضيلة أو غيره) إلى الموضوع الدِيني الفلاني، ويهمنا هنا، بكل
محبة واحترام، أن نوضح التعليم الأرثوذكسي حول هذا الموضوع والذي هو كذا
وكذا...".
حول كلمة المفتي حسون في قداس رأس السنة تجدها على:
عامر سمعان، باحث وكاتب
19/
1/ 2017
مقال جيد. ولكن احب ان اذكر ان المجامع الارثوذكسية السبع اشارت الى موضوع مشاركة غير الارثوذكس بالصلوات الكنسية ومنعتهم. وحتى منعت على الارثوذكس بان ينضموا او يتواجدوا في صلوات مع اخرين. وكل من يخرق هذه القوانين ابسلته - فصلته- الكنيسة.
ردحذفما يحصل اليوم هو تهاون وهرطقة لم يتم ادانتها بعد. الكثير وضعوا انفسهم في مكانه اعلى من الاباء القديسين وتهاونو بذلك.
معك حق يا عزيزي ..... لكن مع الإشارة إلى وجود قوانين في كنيستنا الانطاكية ، تتيح للكاثوليك وغير الخلقدونيين بحضور الخدم الكنسية وأخذ القدسات في حالات معينة
حذف