في خطاب
السيد حسن نصر الله أمام الطلاب الجامعيين في التعبئة التربوية في حزب الله في 23/
12/ 2016 تطرق إلى مسألة التعاطي الإعلامي مع الإرهاب، وشدد على أهمية عدم استعمال
عبارات كمثل: "الإرهاب الإسلامي" أو "الإسلام المتطرف" أو
"الجماعات الإسلامية الإرهابية أو المتطرفة"،
كونها تلصقُ الإرهابَ بدِين الإسلام وتشوهه. ودعا إلى استبدالها بعبارات كمثل:
"الجماعات الإرهابية" أو "الجماعات التكفيرية المتطرفة"، أي العبارات
التي تنزِّه الإسلام عن الإرهاب الذي يصدر عن بعض المسلمين. كما دعا إلى عدم
استخدام العبارات التي تلصق الإرهاب بالديانتين المسيحية واليهودية حين التطرق إلى
الأعمال الإرهابية التي تصدر عن بعض اتباعهما.
ملاحظتنا
حول هذا الأمر هي مختلفة.
الصحيح هو الاستمرار
في استخدام عبارات كمثل: "الإرهاب الإسلامي" أو "الإسلام المتطرف"
أو "الجماعات الإسلامية الإرهابية أو المتطرفة"، لكن في نفس الوقت أن
يتم وضع هذا الإرهاب الدِيني في نطاقه الواقعي والحقيقي أي أن يوضع في نفس الخانة
مع الإرهاب الدِيني المسيحي والإرهاب الدِيني اليهودي.
- عن الإرهاب الدِيني المسيحي:
المقصود بهذا
الإرهاب هو المذاهب والحركات في المسيحية الصهيونية، التي تعتبر أن قيام دولة
إسرائيل وتقديم مختلف أشكال الدعم لها هو تمهيد للمجيء الثاني للمسيح حيث سيحكم
العالمَ كملك أرضي من أورشليم لمدة ألف عام قبل القيامة العامة.
الخطوط
العامة في هذا المعتقَد هي أنه بعد إقامة الدولة الإسرائيلية وعودة اليهود إليها
من الشتات، ستتم إعادة بناء هيكل سليمان على الأغلب على أنقاض المسجد الأقصى، ثم
ستتعرض إسرائيل لهجوم من قِبَل جيوش ضخمة معادية لها من مسلمين وغيرهم بقيادة
ديكتاتور هو من أسوأ الذين عرفهم التاريخ، وستكون ضيقة كبيرة على اليهود. ثم
سيتحول 144 ألف يهودي إلى المسيحية. وتكون قمةُ تلك الحروب في معركة نووية كبرى
(هَرمَجَدُّون) يُقتَل فيها عشرات الملايين من اليهود وغيرهم، لكن المسيحيين
القديسين المخلَّصين سيحميهم المسيح ويرفعهم إلى السماء ليشاهدوا هذه المذبحة
النووية بأعينهم. ثم يعودون معه إلى الأرض ليحكمها كمَلك أرضي من أورشليم لمدة ألف
عام من السلام والعدل والمحبة. ثم بعد ذلك ستجتمع الجيوش المعادية للمسيح مرة
ثانية لمحاصرة أورشليم، وهذه المرة أيضاً سيُهزَمون. ولتكون بعد ذلك القيامة.
ومن ضمن
الصهاينة المسيحيين هناك فئة (أقل في العدد) تذهب إلى أنه بعد قيام إسرائيل سيكون
هناك ألف عام من السلام والعدل والمحبة بين البشر بفعل تغيير كبير في الأخلاق. ثم
يكون هناك فترة من الشرور الكبيرة في العالم، ثم يأتي المسيح بمجد، أي تكون
القيامة. هذه الفئة تُعرَف "بتيار ما بعد الألفية"؛ أما الذين
يعتقدون بمجيء المسيح في بداية الألف العام السعيدة، كما هو وارد أعلاه، فيُعرَفون
"بتيار ما قبل الألفية".
وبناءً على
هذا المعتقَد بشِقَّيه، ما قبل وما بعد الألفية، يصبح الالتزام بقيام إسرائيل، أي
الالتزام بالمساهمة في نشوء هذه الدولة وتأمين الدعم المادي والعسكري والسياسي
والإعلامي لاستمرارها، التزاماً دينياً وأخلاقياً... ومن ضمن ما يؤمِن به هؤلاء هو
أن الله قد بارك الولايات المتحدة وجعلها أغنى دولة في العالم لأنها تساعد إسرائيل
!
هؤلاء
الصهاينة المسيحيون هم فريق من البروتستانت ومن مذاهب أخرى انشقَّت عن
البروتستانتية خلال القرن العشرين والقرون الماضية، ويوجدون في الولايات المتحدة
وبريطانيا وفي معظم مناطق الانتشار للبروتستانت ولهذه المذاهب في العالم. وهم في
الداخل الأمريكي على درجة كبيرة من القوة الإعلامية والسياسية، وأعدادهم بعشرات
الملايين. الأمر الذي يوضِّح سبب هيمنتهم على السياسة الأمريكية الخارجية. أي
الأمر الذي يوضَّح السببَ الأساسي للدعم الأمريكي الكبير لإسرائيل، وأحد الأسباب
الأساسية لبقاء التوترات الأمنية والحروب مشتعلة في الشرق الأوسط.
معتقَدُ الصهاينة المسيحيين، أي الصهيونية المسيحية، مبنيٌّ أساساً على ما
جاء في التوراة وسفر الرؤيا في الإنجيل. أما الفريق الآخر من البروتستانت، كما
الكاثوليك والأرثوذكس، أي معظم المسيحيين في العالم، فليس عندهم إطلاقاً هذا
المعتقَد؛ ويقدِّمون تفسيرات للنصوص الواردة في هذين الكتابين (والمتعلقة خاصة
بالوعد الإلهي لليهود بفلسطين وعودتهم إليها وإعادة بناء الهيكل وأل 144 ألف يهودي
ووجودهم على جبل صهيون والحروب في هذه المنطقة وهَرمَجَدُّون ومحاصرة الجيوش
لأورشليم والألف عام...) مختلفة عن تلك التي يقدِّمها هؤلاء الصهاينة المسيحيون.
- عن الإرهاب الدِيني اليهودي:
المقصود بهذا هم الصهاينة اليهود الأصوليون، الذين يدعمون
قيام دولة إسرائيل وفق معتقداتهم الدينية؛ والتي تذهب إلى أن قيام هذه الدولة هو
تحقيق لإرادة الله وللوعد الإلهي لهم بها وفق ما جاء في التوراة، وأنها تمهيد
لإعادة بناء هيكل سليمان، ولمجيء المسيح الخاص بهم (كونهم لا يؤمنون بالمسيح الذي
هو عند المسيحيين ولا بالإنجيل).
مع التنبه إلى أنه ضمن الشعب اليهودي يوجد الفئات التالية:
أ - الصهاينة اليهود الأصوليون.
ب - الصهاينة اليهود العلمانيون أو
القوميون، الذين يدعمون قيام هذه الدولة لاعتبارات غير دينية، كمثل القول بوجود حق
تاريخي لهم بأرض فلسطين.ج
ج - اليهود غير الصهاينة، أي المعارضون
للصهيونية، وهم الذين يعارضون وجود هذه الدولة ويعتبرونها كياناً مغتصباً.
وكخلاصة:
الديمقراطية
في المجال الدِيني، تعني حق الإنسان في أن يعبد ما يشاء، وفي نفس الوقت، أن يحترم
حريات غيره في أن يعبدوا ما يشاؤون، وأن لا يستخدم دينَه في الاعتداء على حياة الآخرين
أو غيرها من حقوقهم، ثم يبرره بالقول: إن الإله الذي يعبده طلب منه أو سمح له
بذلك.
أما الإرهاب
في المجال الدِيني، فهو عندما يعتدي الإنسانُ على حياة غيره أو حرياتهم الدينية أو
غيرها من حقوقهم، ثم يبرره بالقول: إن الإله الذي يعبده طلب منه أو سمح له بذلك.
ما يعني أنه
عندما يحاول قسمٌ من المسلمين فرضَ الدِين بالقوة أو إقامة الحكم الإسلامي بالقوة
أو الاعتداء على المدنيين وما شابه، بحجة أن الله طلب منهم ذلك أو سمح لهم به؛ كل
هذا يُسمى إرهاباً دينياً. وعندما يعمل الصهاينة المسيحيون على قيام الكيان
الصهيوني المغتصب في أرض فلسطين (التي هي حق لأبنائها من الفلسطينيين)، ويغطون على
جرائمه ويقدمون له كل أشكال الدعم، بحجة أن الله طلب منهم ذلك؛ فهذا يُسمى أيضاً
إرهاباً دينياً. وعندما يعمل قسم من اليهود على إقامة هذا الكيان المغتصب والتغطية
على جرائمه وتقديم كل أشكال الدعم له، بحجة أن الله طلب منهم ذلك؛ فهذا يُسمى
أيضاً إرهاباً دينياً... وعندما يحاول قسم من الهندوس أو البوذيين أو الشينتويين
أو اتباع أيِّ دِين آخر الاعتداءَ على حياة الآخرين أو غيره من حقوقهم، بحجة أن الإله
الذي يعبدونه طلب منهم ذلك أو سمح لهم به؛ فهذا يُسمى أيضاً إرهاباً دينياً...
- عن أهمية هذا الموضوع في الأحداث السورية وأزمة الشرق
الأوسط:
إن سوريا
وحلفاءها، وبالرغم من أنهم يربحون عسكرياً في الأحداث السورية، لكنهم كانوا ولا
يزالون في موقع الخاسر إعلامياً، وغير قادرين على التأثير على الرأي العام العالمي
في تغيير موقفه من هذه الأحداث. ولو عرفوا كيف يربحون هذه الحرب إعلامياً لما كانت
قد وصلت الآن إلى ما هي عليه.
فيكون
المطلوب من سوريا وحلفائها هو إستراتيجيا إعلامية جديدة كلياً على المستويين
المحلي والعالمي. الخطوة الأولى في هذه الإستراتيجيا هي في وضع الإرهاب الدِيني في
نطاقه الحقيقي، أي وضع الإرهاب الدِيني الإسلامي في نفس الخانة مع الإرهاب الدِيني
المسيحي والإرهاب الدِيني اليهودي، كما أوضحنا أعلاه. بهذا، يتم نقل الحرب السورية
إلى داخل الولايات المتحدة وإسرائيل نفسيها، أي نقلها إعلامياً، ما سيؤدي إلى تغيير
في الرأي العام العالمي في نظرته إلى الولايات المتحدة وإسرائيل لتصبحان دولتين
حاضنتين وراعيتين للإرهاب الدِيني المتطرف "الداعشي"، في وجهيه المسيحي
واليهودي. الأمر الذي سيكون له تداعياته الملحوظة والمهمة ليس فقط على الأحداث
السورية بل أيضاً على أزمة الشرق الأوسط وحتى على مستقبل الزعامة العالمية
لأمريكا.
عامر سمعان، باحث وكاتب
31/
1/ 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق