ما يتضمنه كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" دراسات معمقة وغير مسبوقة في السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا؛ من بينها: أربع نظريات جديدة في الأنتروبولوجيا المجتمعية، وخطة لحلّ الأزمة في لبنان، وإستراتيجيا تعتمد وسائل المحاربة الإعلامية والسياسية والاقتصادية لهزيمة الولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية، والتي سيكون من نتائجها الاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور في العالم العربي ومعظم دول الجنوب.

الخميس، 19 يونيو 2014

النصر الداعشي - الأمريكي

 
     ما جرى في العراق في 10/ 6، من تقدم مفاجئ وسريع لداعش نحو بغداد واحتلال الموصل وتكريت، وربط غربي العراق بشرقي سوريا من بغداد إلى حلب، وانهيار مفاجئ لعشرات الآلاف من القوات العراقية، المجهزين بأفضل الأسلحة، أمام بضعة آلاف من مقاتلي داعش ومَن معها؛ كل هذا لا يمكن القول عنه إنه مجرد تقدم لقوات أصولية وبالتحالف مع ثورة شعبية سنية وما تبقى من نظام البعث. المسألة هي أكبر من ذلك بكثير. من الواضح أن دولاً كبرى داخلة في اللعبة، عبر تقديم كافة التسهيلات لداعش ومَن معها وعقد صفقات مع مسؤولين كبار عراقيين لتسهيل هذا الاجتياح وإعطاء الأوامر لفرق الجيش في الموصل بالاستسلام أم التراجع.
     لمعرفة من هي هذه الدول الكبرى، القاعدة هي بسيطة: المستفيد الأول من النتائج يكون المتهَم الأول. ولا يحتاج الأمر إلى كثير من التفكير لنرى أن النتائج التي ترتبت، أو قد تترتب، على ما قد حصل هي التالية:
1 - تقطيع ما يُعرَف "بالهلال الشيعي" الممتد من إيران إلى العراق إلى سوريا ولبنان، والحاضن لمحور المقاومة.
2 - التغذية القصوى للخلافات والتوترات الأمنية بين السنة والشيعة في كل المنطقة.
3 - توريط إيران بتدخل عسكري داخل العراق دفاعاً عن المقدسات الشيعية، ما سيزيد من العداء والعزلة لها في العالم السني وسيفتح المجال لممارسة ضغوطات عالمية عليها.
4 - إمداد قوات داعش داخل سوريا بدعم مادي وعسكري كبير من العراق.
5 - إعطاء المعارضة السورية الأصولية، بكافة أطيافها، دعماً معنوياً كبيراً يعوِّض كل انتكاستها بدءًا من القُصَير ووصولاً إلى حمص والانتخابات السورية؛ أي ما سيشكل تحفيزاً كبيراً لها في عملياتها العسكرية وجرائمها.
6 - إعطاء هكذا دعم معنوي كبير إلى الرؤوس الحامية والخلايا الأصولية النائمة في لبنان للقيام بتوترات أمنية واعتداءات تستهدف حزب الله والجيش والتجمعات السكانية للشيعة.
7 - إعطاء هكذا دعم معنوي كبير إلى الإخوان المسلمين في مصر للقيام بتوترات أمنية واعتداءات تستهدف النظام والمسيحيين.      
     وبناء عليه، يكون: العراق وسوريا ذاهبين إلى توترات أمنية كبيرة وطويلة ولا نهائية واحتمال تقسيمهما قد أصبح وارداً أكثر من أي وقت مضى، والنظام السوري قد خسر ما ربحه سياسياً في الانتخابات وغيرها وانسداد الأفق أمام أي حلّ في سوريا سواء أكان عسكرياً أم غيره، واحتمال عودة التوترات الأمنية إلى لبنان واستنزاف حزب الله في الداخل، وأن محور المقاومة قد أصبح ذاهباً في طريق لا نهائية من التورط في نزاعات مذهبية داخلية أي عدم تمكنه من التحول إلى قوة كبيرة كما كان متوقعاً له بعد انتهاء الأحداث السورية، وغيره...
     وبالنظر إلى كل هذا تكون الولايات المتحدة هي المستفيد الأول والمتهَم الأول. وبالطبع ليس بالضرورة أن يكون مسؤولون فيها قد تدخلوا مباشرة في تنفيذ هذه اللعبة، بل يكفي أن يتولى هذا الموضوع مسؤولون في دول حليفة لها في المنطقة سواء أكانت عربية أم غيرها.
     بالتالي، سيكون هناك خياران أمام الولايات المتحدة، الأول هو عدم التدخل العسكري، الثاني هو التدخل العسكري ضد داعش في العراق كمثل من خلال القصف الجوي.
     في حال عدم تدخلها ستبقى هي المستفيد الأول بالنظر إلى ما هو وارد أعلاه.
     أما في حال تدخلها فستزداد هذه الاستفادة، كون هذا الأمر سيشكل هزيمةً سياسية كبيرة لمحور المقاومة، بدءًا من إيران إلى النظام السوري إلى حزب الله وكل حلفائهم، لأن هذا التدخل سيقلل كثيراً مما عندهم من صفة المقاومة والممانعة وسيظهرهم كحلفاء لها، أي للولايات المتحدة، ومَن معها. ما سيؤدي إلى: انخفاض في أعداد السوريين الموالين للنظام وكذلك في أعداد الموالين لحزب الله، في هذه المنطقة وخارجها؛ وإلى ازدياد الانقسام داخل إيران بين المعارضين والموالين للسياسات الغربية؛ وإلى انخفاض في أعداد الموالين لمحور المقاومة في كل أنحاء العالم. وكل هذا سيشكل انحداراً ملحوظاً في قوة النظام السوري التي ترتكز أساساً على الالتفاف الشعبي حوله بصفته النظام العربي المقاوم والممانع الأول.
     في المقابل، ستتغير صورة داعش لتصبح على أنها هي المقاوم والممانع الأول بوجه إسرائيل وأمريكا وستقوى شوكتها وسيزداد مؤيدوها من قبل كل الفئات والأطياف الأصولية السنية على امتداد العالم الإسلامي. بل أن هذه الفئات والأطياف نفسها سوف تكون في ازدياد. أي إن الإسلام الأصولي السني الذي أصبح يطمح بعد التدخل العسكري الغربي في ليبيا، إلى إقامة أنظمة حكم إسلامية أو برداء إسلامي تكون تحت مظلة الولايات المتحدة، سوف ينقلب على هذه الدولة بعد تدخلها العسكري ضد داعش مستفيداً من تقلص صفة المقاومة والممانعة عن سوريا وحلفائها، وليحاول أن يأخذ هذه الصفة لنفسه وليجذب إليه الكثير من المعارضين للسياسة الأمريكية...
     ويمكن القول إنه كلما كان التدخل العسكري الأمريكي كبيراً كانت هذه التغييرات بدورها كبيرة.  
     بكلام أكثر دقة. في حال حصول تدخل عسكري أمريكي ضد داعش في العراق، فلا يمكن لأحد الجزم كيف سيكون شكل وجه المنطقة الجديد. لكن استناداً على الظروف السوسيولوجية لنشأة الإسلام السياسي الأصولي المتأمرك، فالمرجح أن هذا التدخل سيجعل من داعش ومَن معها ينقلبون على الولايات المتحدة وليحصلوا على صفة المقاوم والممانع الأول، وسيبقون متواجدين بقوة في العراق وسوريا وغيرهما، وستبقى التوترات الأمنية قائمة في هذين البلدين، وقد تمتد ليس فقط إلى لبنان بل حتى إلى الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة... وسيكون النظام السوري وحزب الله وحلفائهما من أكثر المتضررين في هذه الأجواء.   
     في النهاية، ما قد تحقق من نصر داعشي - أمريكي في العراق هو أحد الأدلة على ما كنت قد ذكرته في مقالات كثيرة، حول أن المعارضة السورية المسلحة ما هي إلى بمثابة الذَنَب للولايات المتحدة، وأنه طالما يتم تحييد هذه الدولة، من قبل محور المقاومة، عن الأحداث السورية؛ فالأمور ستبقى ذاهبة في سوريا إما إلى مسلسل طويل من التوترات الأمنية وإما إلى سقوط النظام. فما جرى في العراق هو، باختصار، ليس سوى مناورة جديدة من قبل الولايات المتحدة لاستعادة زمام المبادرة في سوريا بعد الهزيمة المدوية التي قد مُنيَت بها في الانتخابات الرئاسية السورية.
     أيضاً ما كنت قد ذكرته في هذه المقالات الكثيرة هو أن الحل الوحيد العملي والمنطقي للأحداث السورية هو الحل العسكري، لكن بشرط أن يترافق مع توجيه الضربات إلى رأس الأفعى، أي مع العمل بخطة عامة، إستراتيجيا، تعتمد وسائل المحاربة الإعلامية والسياسية والاقتصادية للولايات المتحدة. الأمر الذي سيؤدي ليس فقط إلى إنهاء الأحداث السورية وبسط سيادة الدولة في وقت قصير، بل أيضاً إلى إلحاق هزيمة كبرى بالولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية في المستقبل المنظور.
     حول هذه الإستراتيجيا انظر المقالات في المدونة: www.amersemaan.com
 
 
  
عامر سمعان ، باحث وكاتب
19/ 6/ 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق