ما يتضمنه كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" دراسات معمقة وغير مسبوقة في السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا؛ من بينها: أربع نظريات جديدة في الأنتروبولوجيا المجتمعية، وخطة لحلّ الأزمة في لبنان، وإستراتيجيا تعتمد وسائل المحاربة الإعلامية والسياسية والاقتصادية لهزيمة الولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية، والتي سيكون من نتائجها الاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور في العالم العربي ومعظم دول الجنوب.

الجمعة، 13 يونيو 2014

الخطأ عند العرب في التعامل مع اليهود

 
1 - اليهود في جميع أنحاء العالم هم من ضمن فئتين أساسيتين.
     الأولى، هم اليهود الصهاينة الذين يؤيدون المشروع الصهيوني في هذه المنطقة، الذي يتضمن إقامة الدولة الإسرائيلية وتوسعها، ويقدمون له مختلف أشكال الدعم. وهم يتوزعون بين اليهود الصهاينة العلمانيين، أو القوميين، الذين يعتقدون بوجود حق تاريخي لهم بأرض فلسطين، والأصوليين الذي يعتقدون بوجود حق إلهي لهم بهذه الأرض.
     الفئة الثانية، هم اليهود غير الصهاينة، أي المعارضين للصهيونية، الذين يعارضون المشروع الصهيوني في هذه المنطقة ويحاربونه بالوسائل المتوفرة لديهم، ويعتبرون الدولة الإسرائيلية كياناً مغتصباً. وهم يتوزعون بين العلمانيين الذين يعارضون الصهيونية لدواعٍ إنسانية أو سياسية أو غيرها؛ والأصوليين الذين يعتقدون بأن الله منع على اليهود إقامة دولة خاصة بهم بسبب خطاياهم (أو غير ذلك من المعتقدات الدينية)، أي يفسرون النصوص الموجودة في كتبهم الدينية، كالتوراة وغيره، في هذا الاتجاه.  
     من بين الشخصيات اليهودية المعارضة للصهيونية والذين كان عندهم نشاط إعلامي أو سياسي مهم وبارز عالمياً في هذا المجال نذكر: أبراهام السرفاتي (مغربي، مهندس وسياسي)، يول تيتيلبوم (مجري، حاخام)، أرنست ماندل (بلجيكي، سياسي وكاتب ماركسي)، ألمر برغر (أمريكي، حاخام وكاتب)، إيلان هاليفي (فلسطيني، صحفي وكاتب وسياسي)، جاكوب كوهن (مغربي، كاتب)، دانيال بن سعيد (فرنسي، فيلسوف)، شحاتة هارون (مصري، يساري)، شيري ولف (أمريكية، اشتراكية وصحفية ومؤلفة)، كريستوفر هيتشنز (إنجليزي وأمريكي، كاتب وصحفي)، نعيم جلعادي (أمريكي، كاتب)، نورمان فينكلشتاين (أمريكي، أكاديمي)، نعوم تشومسكي (أمريكي، فيلسوف ولساني ومؤرخ وناقد وناشط سياسي)... واللائحة تطول (عن ويكيبيديا).
     وعلى صعيد المنظمات، فالمنظمة اليهودية المعارضة للصهيونية الأكثر شهرة وتنظيماً هي "ناطوري كارتا"، وهي من ضمن التوجه الأصولي.
     أما على صعيد القواعد الشعبية فليس هناك من إحصاءات دقيقة لأعداد اليهود غير الصهاينة لكن التقديرات تشير إلى أنه من ضمن مجمل عدد اليهود في العالم، والذي هو 13,000,000 موجودون في إسرائيل والولايات المتحدة وغيرهما من الدول، يوجد حوالي 30% منهم أي 4,000,000 معارضين للصهيونية بين علمانيين وأصوليين.
     أي إنه في هذا الزمن الذي يتسابق فيه الملايين من العرب والمسلمين للسلام مع إسرائيل والتطبيع معها وإقامة أفضل العلاقات معها، بل ولكي يكونوا عملاء وأدوات لها، لا يزال هناك قسم مهم من اليهود (على صعيد الشخصيات البارزة والمنظمات والقواعد الشعبية) يرفض الاعتراف بشرعية هذه الدولة ويحاربها بالوسائل المتوفرة لديه؛ بل حتى أن هناك فئة من هؤلاء يرفض أبناؤها حتى مجرد لمس العملة الإسرائيلية ويعتبرون أن هذا خطيئة.
       
2 - الخطأ في تعامل، قسم كبير من، العرب مع اليهود هو في عدم التمييز بين اليهود الصهاينة واليهود المعادين للصهيونية، فيضعون الجميعَ في سلة واحدة؛ ويُمارَس هذا الخطأ على المستويات التالية:
أ ) القواعد الشعبية، حيث نجد غالباً في الأحاديث الشعبية إطلاق تسمية "اليهود" على الصهاينة والإسرائيليين، فيقال: "احتل اليهود أرض فلسطين، ونريد تحرير فلسطين من اليهود، واليهود أعداؤنا، واللعنة على اليهود، والموت لليهود، وهؤلاء عملاء اليهود، وهؤلاء يهود الداخل، إلخ..."؛ في حين أن الصحيح هو أن يقال: "احتل الصهاينة أرض فلسطين، ونريد تحرير فلسطين من الصهاينة، والصهاينة أعداؤنا، وإسرائيل عدوتنا، والموت لإسرائيل، وما إلى ذلك...". وأصبحت إحدى أقسى الشتائم أو الإهانات الدارجة في العالم العربي هي "أنت يهودي".
ب ) كتابات وتصريحات إعلاميين وسياسيين ومثقفين التي تستخدم بدورها أغلب الأحيان كلمة يهود للدلالة على الصهاينة أو الإسرائيليين... ومما يأتي في هذا الإطار هو كتابات تحاول إظهار الدين اليهودي على أنه عبارة عن خرافات، وذلك في محاولة لإلغاء فكرة الحق الإلهي لليهود في أرض فلسطين استناداً على ما جاء في بعض نصوص الديني اليهودي.
ج ) مواقف بعض الأنظمة العربية التي تغض النظر عن تجاوزات واعتداءات طالت مواطنيها من اليهود وأملاكهم ودور العبادة لهم، بغض النظر إن كانوا صهاينة أم لا.
     هذا الموقف الذي يصدر من قبل معظم العرب تجاه اليهود والذي يضع الفئتين الصهاينة وغير الصهاينة في سلة واحدة، هو:
- أولاً، خطأ إنساني كونه يلحق الظلم بقسم ملحوظ من اليهود الذين هم غير صهاينة.
- ثانياً، خطأ إستراتيجي فاضح لكونه:
أ ) يُظهِر العربَ كناكري المعروف وقصيري النظر لا يقدرون مَن يتعاطفون مع قضاياهم (بالنظر إلى الخدمات الكبيرة التي قدَّمها أعلامٌ من اليهود غير الصهاينة للقضايا العربية)، ما يجعل الكثيرَ من الشخصيات أو الفئات حول العالم تحجِم عن التضامن مع قضاياهم.
 ب ) يُظهِر معاداةً عمياء وغير مبرَّرة من قبل العرب نحو جميع اليهود أي بمن فيهم القسم الحليف له، ما يخدمُ ويعززُ أحدَ أهم التبريرات لوجود الدولة الإسرائيلية المقدَّم من قبل الصهاينة، والقائل بوجود ظلم فاضح وغير مبرَّر لحق بالشعب اليهودي عبر تاريخه من قبل الكثير من الشعوب والحق له بوطن قومي لحمايته.
ج ) لو اتَّبع العربُ نهجَ التمييز بين اليهود الصهاينة وغير الصهاينة وعرِفوا كيف يوصلون هذا الأمر إعلامياً إلى جميع أنحاء العالم، أي لو عرفوا كيف يقولون للعالَم: "نحن لا نعادي الإسرائيليين انطلاقاً من معاداة السامية أي الكره لليهود عامة بل نعادي فقط قسم من اليهود الذين هم صهاينة الذين اغتصبوا هذه الأرض وارتكبوا الجرائم بحقنا"؛ لكان هذا قد شكَّل انتكاسة بالغة الأهمية للتبرير الوارد أعلاه عن وجود الدولة الإسرائيلية، أي لكان قد شكَّل هزيمة معتبَرة للإعلام والسياسة الصهيونية.  
 
3 - إن تصحيح الخطأ الوارد أعلاه يكون من خلال ما يلي:
أ ) أن لا يستخدم الإعلاميون والسياسيون والمثقفون العرب والمسؤولون في الأحزاب والجمعيات في العالم العربي كلمة اليهود للدلالة على الصهاينة أو الإسرائيليين؛ ومَن كان منهم قد ارتكب هكذا خطأ سابقاً، في تصريحاته أو كتاباته، عليه أن يعترف بخطئه ويعلن عن التزامه بعدم العودة إليه. كذلك، أن يقوم هؤلاء بتنبيه عامة الناس، خاصة عبر التلفزيونات، بضرورة الالتزام بهذا الأمر، أي عدم استخدام كلمة اليهود للدلالة إلى الصهاينة أو الإسرائيليين، خاصة عندما يتحدثون أمام الوسائل الإعلامية أو يكتبون عبر مواقع التواصل الاجتماعي.  
     من المهم في هذا الإطار الخطوة المطلوب من الحزب السوري القومي الاجتماعي القيام بها، هذا الحزب الذي قام بإنجازات مهمة في مناهضة الصهيونية وحالياً هو أحد أهم الحلفاء لحزب الله والنظام السوري. فالخطأ الأهم الذي كان قد ارتكبه مؤسس وزعيم هذا الحزب، أنطون سعادة، هو استخدامه لكلمة اليهود للدلالة على الصهاينة. وحالياً لا يزال المنتمون إلى هذا الحزب يصرّون بدورهم على هذا الاستخدام سواء في نقل عبارات كان سعادة قد صرّح بها أو كتبها أم في عباراتهم الخاصة عند تطرقهم إلى هذا المجال. المفترَض بالمسؤولين في هذا الحزب (ولما فيه مصلحته ونمو قوته وأعداد المنتمين إليه) أن يصدر عنهم بيانٌ صريح يعترف بالخطأ في استخدام كلمة اليهود للدلالة على الصهاينة ويعلن عن الالتزام بعدم العودة إليه.
ب - حول الكتب والمقالات التي تحاول إظهار الدين اليهودي على أنه عبارة عن خرافات، فالأفضل أن تتوقف وأن تُسحَب من الأسواق كونها تشكّل إساءةً إلى اليهود غير الصهاينة الذين لا يفسرون النصوص الدينية اليهودية بما يبرر قيام الدولة الإسرائيلية.
     هكذا نوع من الكتابات التي تهاجم الدين اليهودي يصح وجودها في العالم العربي عندما يأتي وقت يصبح فيه متاح لليهود العرب غير الصهاينة أن يردوا بالمثل، أي أن يؤلفوا الكتبَ والمقالات التي تحاول إظهار الديانتين الإسلامية والمسيحية على أنهما عبارة عن خرافات؛ وذلك في أجواء من الديمقراطية المتقدمة ومن ضمن حق الرد وحرية الفكر والرأي والمعتقد؛ وبالطبع هكذا أجواء من المستبعَد أن تتحقق في العالم العربي في المستقبل المنظور.
ج - في الدول العربية التي لا تقيم علاقاتٍ مع إسرائيل، المطلوب أن يصار احتضان رسمي وشعبي للمواطنين اليهود غير الصهاينة، أي الذين صدر عنهم رفضٌ تام وواضح للصهيونية، أي التعاون التام والودي معهم في النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وفتح المجال أمامهم في الوظائف والمناصب العامة وإتاحة كافة الحرية الدينية لهم بما فيها بناء معابدهم وصيانة مقابرهم والتعويض عليهم عن ممتلكاتهم التي تم التعدي عليها. أما عن المواطنين اليهود الصهاينة فيتم التعامل معهم كمثل أي مواطن آخر، مسلم أو مسيحي، يَثبُت تعاونه أو تأييده للصهاينة.
     في الدول العربية التي تقيم علاقاتٍ مع إسرائيل، المطلوب من الأفراد والجمعيات المناهضين للصهيونية أن يتعاملوا مع مواطنيهم اليهود غير الصهاينة في احتضان لهم، أي تعاون تام وودي معهم، كما هو وارد أعلاه. أما بخصوص مواطنيهم من اليهود الصهاينة فالمطلوب التعامل معهم كمثل التعامل مع باقي مواطنيهم من المسلمين والمسيحيين المتعاونين أو المؤيدين للصهاينة.      
د - أن يصار إلى وضع تشريع يعاقِب كلَّ مَن يستخدم كلمة اليهود للدلالة على الصهاينة أو الإسرائيليين أو يصدر عنه ما يُعتبَر مهيناً، أي تمييزاً عنصرياً، بحق مجمل الشعب اليهودي؛ سواء أكان هذا في كتاباته أو تصريحاته عبر الوسائل الإعلامية.
هـ - القيام بكل هذه الخطوات يجب أن يترافق معه حملات إعلامية وسياسية في كل أنحاء العالم توضِّح هذا التعامل الأخوي من قبل العرب نحو اليهود غير الصهاينة، وأن يكون هذا في سياق إظهار أن العداوة لإسرائيل هي فقط عداوة نحو قسم من اليهود الذين هم الصهاينة والذي قد اعتدوا على حقوق العرب والفلسطينيين في هذه الأرض وارتكبوا الجرائم بحقهم... الأمر الذي من شأنه أن يشكّل هزيمةً معتبَرة للمشروع الصهيوني ولكل داعميه، من يهود وغيرهم.  
 
4 - في النهاية لا بد من التطرق إلى خطأ فادح آخر كان ولا يزال العرب يرتكبونه فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
     إسرائيل في واقع الأمر هي ليست العدو الأساسي للعالم العربي، كما درج العربُ على التعامل معها منذ وجودها. فاليهود الصهاينة، القوميون منهم والأصوليون، لم يكن بمقدورهم أصلاً أن يوجدوا هذه الدولة وأن يؤمِّنوا الدعمَ المناسب لاستمرارها وتوسعها. الولايات المتحدة هي مَن أوجدت هذه الدولة، بالتعاون مع بريطانيا، وهي مَن أمَّنت الدعم المناسب لاستمرارها وتوسعها.
     أي إن الولايات المتحدة هي رأس الأفعى، أما إسرائيل فهي ليست سوى ذَنَبها. ومن الناحية الإستراتيجية تصبح هذه الأخيرة بمثابة الجزء منها. أي إن دفاع الأمريكيين عن إسرائيل هو تماماً كمثل دفاعهم عن أية ولاية أميركية، إن لم يكن أكثر.
     السبب الأساسي لهذا الموقف الأمريكي نحو إسرائيل يعود أولاً إلى السياسة العدائية لإضعاف العالم العربي والطمع بخيراته؛ وثانياً، وهو الأهم، إلى موقف إيماني - ديني عند قسم مهم من الشعب الأمريكي يُعرَف بالمسيحيين الصهاينة الذين تُقدَّر أعداهم بعشرات الملايين (إن لم يكن أكثر) وعندهم معتقَد أصولي - متخلف يَعتبِر أن قيام دولة إسرائيل، أي تجميع اليهود في أرض فلسطين، هو تحقيق لإرادة الله وتمهيد للمجيء الثاني للمسيح قبل أن تتحقق القيامة العامة.
     المسيحيون الصهاينة هم فريق من البروتستانت؛ أما القسم الآخر من البروتستانت، كما الكاثوليك والأرثوذكس، أي معظم المسيحيين في العالم، فليس عندهم إطلاقاً هذا المعتقَد.
     هؤلاء المسيحيون الصهاينة هم على قوة كبيرة، إعلامية وسياسية واقتصادية، داخل الولايات المتحدة وهم الذين يسيّرون سياستها في هذه المنطقة.    
     ولما كانت إستراتيجية توجيه الضربات إلى ذنَب الأفعى وترك رأسها طليقاً هي خاطئة جداً، فيكون تحييد الولايات المتحدة عن الصراع العربي الإسرائيلي إستراتيجيا خاطئة لن توصل مطلقاً في المستقبل إلى تحقيق النصر على إسرائيل وإلى السلام في هذه المنطقة.
     الخيار الوحيد أمام العرب للوصول إلى النصر هو في العمل في خطة عامة، إستراتيجيا، تعتمد الوسائل الإعلامية والسياسية والاقتصادية في محاربة الولايات المتحدة والتي من شأنها أن توصل في المستقبل المنظور إلى إلحاق هزيمة كبرى بها (وبإسرائيل وبكل الدول الحليفة لهما) وإنهاء زعامتها العالمية؛ وهذا الأمر ليس بالمستحيل، كون الأمريكيين ليسوا آلهة لكيلا يستطيع أحد التغلب عليهم.
     حول هذه الإستراتيجيا، والتي من شأنها أيضاً تحقيق السلام في سوريا وإلحاق هزيمة سريعة بالمعارضة السورية المسلحة وبحلفائها، كداعش في العراق والأخوان في مصر وغيرهم، انظر المدونة www.amersemaan.com
حول أعداد اليهود غير الصهاينة في العالم انظر:
  
عامر سمعان ، باحث وكاتب
13/ 6/ 2014


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق