أ - في شهر آب الماضي قامت
المعارضةُ السورية المسلحة وحلفاؤها في الخارج، من أمريكيين ومَن معهم، باتهام
النظام السوري باستخدام السلاح
الكيميائي في الغوطة قرب دمشق في 21/ 8 ووقوع حوالي 1400 قتيل، ولوّحت الولاياتُ
المتحدة بتوجيه ضربة عسكرية ضد هذا النظام تحت حجة منعه مستقبلاً من استخدام هذا
السلاح. لكن روسيا تداركت الوضع واقترحت في 9/ 9 وضع السلاح الكيميائي السوري تحت
الرقابة الدولية، فسارع النظامُ السوري بالقبول بهذا الاقتراح تحت حجة حقن الدماء.
الرئيس الأمريكي قال عن الاقتراح إنه قد يكون تطوراً إيجابياً، ووعد بالتعامل معه
بجدية، وحذّر النظامَ السوري من الالتفاف عليه، واعتبر أن موافقته عليه هو نتيجة
تهديد الإدارة الأمريكية بتوجيه الضربات له...
وما لبث أن قَدَّمت سوريا طلباً للانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة
الكيميائية في 14/ 9، وأجرى وزيرا خارجية روسيا والولايات المتحدة محادثات عن
برنامج لنزع الكيميائي السوري ليُقدَّم لاحقاً إلى الأمم المتحدة.
الرئيس الأسد اشترط لنزع هذا السلاح أن تغيِّر الولاياتُ المتحدة من
سياستها العدائية تجاه بلاده وأن تمتنع عن تقديم السلاح للتنظيمات الإرهابية داخل
سوريا.
حلفاء النظام السوري، خاصة مَن هم ضمن محور المقاومة، اعتبروا هذا التطور
الأخير انتصاراً مهماً كونه أبعد عن سوريا الاعتداء العسكري من قبل الولايات
المتحدة وألحق هزيمة سياسية كبيرة بهذه الدولة وأعاد لروسيا دورها المحوري. واعتبروا
أن قرار أوباما بالضربة العسكرية كان متهوراً وغير مدروس ما لبث أن أدرك خطأه بعد
حين، بالنظر إلى أن صواريخ سوريا وحزب الله بإمكانها أن تطال كل إسرائيل إضافة إلى
قواعد أمريكية عسكرية عدة في المنطقة وأن الإيرانيين بإمكانهم أن يغلقوا مضيق هرمز
وأن روسيا من المحتمل أن تقدِّم دعماً عسكرياً كبيراً لسوريا؛ فكان الاقتراح
الروسي بمثابة حبل الإنقاذ لأوباما بعد أن أطلق تهديداته ثم إدراكه لخطئه ومحاولته
بعد ذلك إيصال المسألة إلى الكونغرس للتصويت عليها. وهناك مَن اعتبر أنه في كل
الأحوال لم يمكن بإمكان الكونغرس الموافقة على هذه الضربة بالنظر إلى هذه الأسباب.
واعتبروا أيضاً أن النظام السوري سيتمكن في المستقبل القريب من سحق
المعارضة المسلحة وبسط سيادة الدولة لا سيما مع توقف الدعم الأمريكي لهذه
المعارضة؛ لأن القرار بنزع الكيميائي قد أنقذ الرئيس الأمريكي من قرار متهور في
توجيه الضربة كما ذكرنا، ولأنه من مصلحة إسرائيل التخلص من هذا السلاح السوري،
ولأن تجميع هذا السلاح وإتلافه يحتاج إلى أشهر طويلة وإلى استقرار أمني بما يضمن
حرية وسلامة المفتشين والخبراء في التنقل داخل الأراضي السورية؛ أي إن الأمريكيين
وحلفاءهم سيتعاونون في وقف إمداد المعارضة بالسلاح لضمان نجاح تنفيذ نزع
الكيميائي. واعتبروا أيضاً أن هذا الاستقرار الأمني المستقبلي سيمكِّن سوريا
سريعاً من أن تعيد بناء جيشها وتطور قوتها الصاروخية ما سيعوّض عليها خسارة
الكيميائي. وكان مما زاد في تفاؤلهم هو اتصال الرئيس الأمريكي بالرئيس الإيراني
ومحاولة الإدارة الأمريكية للتقرب من إيران.
وفي 27/ 9 أصدر مجلس الأمن القرار 2118 الذي ينصّ على نزع الكيميائي
السوري. وبعد أيام ابتدأ خبراء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية عملهم لنزع هذا
السلاح من سوريا؛ ثم بعده بأيام أشاد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، بكلام معسول،
بتعاون النظام السوري في هذا الأمر وبضرورة الحل السلمي في سوريا؛ بعد أن كان
كلامه قبل أسابيع يقطر سماً عند حديثه عن هذا النظام وتوجيه الضربة العسكرية
إليه.
ب - لكن في واقع الأمر ما قد جرى هو ليس انتصاراً لسوريا وباقي
محور المقاومة، بل هزيمةً أو انتكاسةً أو خطأً إستراتيجياً كبيراً أو قصرَ نظر أو
خطوةً غير مدروسة، كل هذه التسميات تصح في وصف ما حصل. ومن السذاجة الكبيرة
التفاؤل بتعاون أمريكي - روسي لإنهاء الأحداث في سوريا والاطمئنان إلى كلام معسول
من مسؤولين أمريكيين.
لأن
الموافقة على نزع الكيميائي ستُفسَّر، على الأكثر، على أنها اعتراف غير مباشر من
قبل النظام باستخدام هذا السلاح؛ أي إن أعداد الذين سيكون عندهم القابلية لتفسير
هذه الخطوة بهذا الشكل، خاصة منهم مَن كانوا مترددين أو مشككين، وفي كل أنحاء
العالم، ستكون أكبر مما كانت قبل هذه الموافقة؛ كذلك، فإن أعداد الذين سيكونون
راضِين أو مطالِبين بالقيام بخطوات رادعة أو عقابية بحق النظام رداً على استخدام
الكيميائي، وفي كل أنحاء العالم، ستكون أكبر مما كانت قبل هذه الموافقة.
بينما لو بَقِي النظامُ على موقفه السابق بأن المعارضة هي مَن استخدم
الكيميائي لإلصاق التهمة به واستجلاب التدخل العسكري الغربي، لما كانت أعداد هؤلاء
المقتنعين باستخدامه لهذا السلاح والراضِين والمطالِبين بالقيام بخطوات رادعة أو
عقابية بحقه ستكون أكبر مما كانت قبل هذه الموافقة.
لنتوسع أكثر في الشرح:
في الحرب الإعلامية والنفسية،
وسواء أكانت بين أفراد أم تنظيمات أم دول، الهدف الأساسي منها هو إضعاف معنويات
الخصم وزيادة المؤيدين؛ فعندما يقول لي الخصمُ: "أنت سيء أو مجرم"،
فالردّ المناسب عليه يكون: "أنا لست سيئاً أو مجرماً بل أنت هو السيئ أو
المجرم"؛ فهذا الرد من شأنه أن يضعف معنويات الخصم ويزيد المؤيدين لي. أما
إذا كان ردّي: "أنا لست سيئاً أو مجرماً وعلى استعداد للخضوع للمساءلة أو
المحاكمة أو الرقابة لإثبات هذا الأمر"؛ فهذا الردّ هو ضعيف ومن شأنه أن يقوي
معنويات الخصم ويقلل المؤيدين لي.
هذه القاعدة هي من البديهيات في الحرب الإعلامية والنفسية، ولا يحتاج المرء
لأن يكون محللاً سياسياً أو خبيراً إستراتيجياً أو حائزاً على شهادات جامعية عليا
ليدركها، بل ما يحتاج إليه في الواقع ليدركها ويعمل بها هو ليس أكثر من القليل من
الموهبة في العمل السياسي.
بالعودة إلى الحرب الدائرة في سوريا، فهي أولاً وأساساً حرب إعلامية
ونفسية، العامل العسكري فيها هو عامل ثانوي. ومنذ أول يوم فيها، أي ما أن ابتدأت
التظاهرات، حتى ابتدأت هذه الحرب الإعلامية والنفسية من خلال المبالغات والتهويل
والكذب ونشر الشائعات وتلفيق الأخبار وتزوير الصور وأفلام الفيديو وغيره... وقد
كانت ولا تزال حرباً كونية بكل ما للكلمة من معنى، فالآلة الإعلامية للأمريكيين
وحلفائهم، في كل أنحاء العالم تقريباً، وصولاً إلى المعارضة السورية، كانت في
مواجهة الآلة الإعلامية للنظام السوري ومَن هم إلى جانبه... ومؤخراً عندما اتهَمت
المعارضةُ المسلحة وحلفاؤها في الخارج النظامَ بمجزرة الكيميائي في الغوطة؛ أي
عندما قالوا لهذا النظام: "أنت سيء ومجرم لأنك استخدمت الكيميائي"، جاء
الردُّ أول الأمر مناسباً من قبل النظام ليقول لهم: "أنا لست السيئ أو المجرم
بل أنتم لأنكم استخدمتم الكيميائي لإلصاق التهمة بي واستجلاب التدخل
الخارجي"... لكن هذا الردّ المناسب لم يلبث للأسف أن تغيَّر بعد بضعة أيام،
إثر الاقتراح الروسي، ليصبح: "أنا لست السيئ أو المجرم ولكي أثبِت هذا الأمر
سأضع سلاحي الكيميائي تحت الرقابة الدولية"... أي يكون النظام السوري وكل
محور المقاومة قد خسروا بشكل كبير الحربَ الإعلامية والنفسية من خلال هذا
الموقف...
المرجَّح أنه في الفترة المقبلة ستقوم المعارضةُ السورية المسلحة وحلفاؤها
في الخارج، وصولاً إلى الأوروبيين والأمريكيين، باتهام النظام السوري بالكذب
والمراوغة وكسب الوقت فيما يتعلق بالكيميائي، وسيقولون إنه أخفى كميات كبيرة منه
في الصحراء أو في القصور الرئاسية أو نقلها إلى حلفائه في لبنان والعراق، وإنه
هناك شاحنات محملة بهذا السلاح تتنقل من مكان إلى آخر لكيلا يضبطها المفتشون
الدوليون وإن هؤلاء يقصرون في مهامهم... وما إلى ذلك من هذه المعزوفة التي سمعناها
سابقاً قبل احتلال العراق. وهم بالفعل قد ابتدأوا بها بعد ساعات من إعلان النظام
عن موافقته على الاقتراح الروسي.
في هذه الأجواء، فإن أعداد الذين سيكونون مقتنعين بهذه المزاعم ستكون في
ازدياد. كذلك ستساعد هذه المزاعم بدورها في ازدياد أعداد المقتنعين باستخدام
النظام للكيميائي في الغوطة والمطالِبين والراضِين عن اتخاذ خطوات رادعة وعقابية
بحقه...
أيضاً في هذه الأجواء، من المحتمل جداً أن تقوم المعارضة أو أحد حلفائها في
الخارج باستخدام الكيميائي مجدداً؛ في هذه الحال حتى وإن كانت الأضرار أقل مما كانت
في الغوطة إلا أن نتائجها ستكون أكبر وأخطر؛ أي إن أعداد الذين سيكون مقتنعين
باستخدام النظام لهذا السلاح مجدداً والمطالِبين والراضِين عن اتخاذ خطوات رادعة
وعقابية بحقه ستكون أكبر مما كانت قبل هذا الاستخدام الأخير...
وكنتيجة فإن احتمالات حصول الضربة الأمريكية لسوريا ستكون بدورها أكبر بكثير
مما كانت قبل إعلان النظام عن موافقته على نزع الكيميائي.
نأتي الآن إلى الرأي الذي يقول إن الضربة الأمريكية لسوريا لن تكون واردة
إطلاقاً وفي كل الأحوال، بالنظر إلى الأخطار التي ستطال إسرائيل والقواعد
الأمريكية في المنطقة وإلى إمكانية إقفال ممر النفط في الخليج. هذا الرأي هو غير
صحيح والذين يقولونه لديهم جهل كبير بالواقع الديني - السياسي داخل المجتمع
الأمريكي وتأثيره على السياسة الخارجية. إذ يوجد عشرات الملايين من الأمريكيين،
يُعرَفون بالصهاينة المسيحيين، عندهم المعتقَد أن قيام دولة إسرائيل هو تمهيد
للمجيء الثاني للمسيح حيث سيحكم العالمَ كملك أرضي من أورشليم لمدة ألف عام قبل أن
تتحقق القيامة وأن إشعال الحروب في هذه المنطقة هو تمهيد لهذا المجيء حتى ولو أدى
ذلك إلى الملايين من القتلى أو وقوع حرب عالمية؛ كما يعتقدون أنهم بمساهمتهم في
هذه الأمور سينالون ثواب ربهم في هذه الدنيا وفي الآخرة. وهؤلاء هم على جانب كبير
من القوة السياسية والاقتصادية والإعلامية داخل الولايات المتحدة، وقد كان الرئيس
السابق رونالد ريغن منهم، ويقال إنهم كانوا وراء اتخاذ الرئيس بوش الابن القرار
باحتلال العراق...
وبالطبع، فإن معتقَد الصهيونية المسيحية هو أحد أشكال التخلف الفكري؛
فالشعب الأمريكي وبالرغم مما عنده من تطور تقني إلا أنه متخلف فكرياً، وهذا
المعتقَد هو أحد مظاهر التخلف الفكري عنده؛ ولنا عودة إلى هذا الموضوع في آخر هذه
المقالة.
واعتماداً على ما تقدم، هناك احتمال كبير أن يكون لهؤلاء الصهاينة
المسيحيين تأثير كبير على الإدارة الأمريكية أو على أعضاء الكونغرس لحملهم على
توجيه الضربة إلى سوريا حتى مع معرفتهم المسبقة أن ذلك سيؤدي إلى حرب شاملة في
المنطقة وإلى دمار كبير داخل إسرائيل وخارجها؛ وبالطبع سيكونون المستفيدين قبل
غيرهم من أي استخدام للسلاح الكيميائي في سوريا وما يستتبعه من اتهام النظام به،
وذلك لكي يعطوا التبريرات لهذه الضربة في إعلامهم.
أي بالطبع هم لن يقولوا في إعلامهم إنهم سيعملون على إشعال الحروب في هذه
المنطقة بهدف التعجيل في مجيء المسيح، كونه من البديهي أن يقلِّب هذا القولُ
الرأيَ العام الأمريكي والعالمي ضدهم... لكن قد يكونون أكثر فئة في العالم: تقول
إن النظام السوري هو من استخدام الكيميائي أو تحث غيرها على هذا القول، وتزود
المعارضةَ بالكيميائي وتحثها على استخدامه ضد المدنيين في مناطقها بهدف توجيه
الاتهام إلى هذا النظام، وترسل عملاءها ليستخدموا هذا السلاح في هذه المناطق.
في الجهة الأخرى، وفي حال عدم حصول الضربة العسكرية، ما سيكون بإمكان
الأمريكيين وحلفائهم القيام به هو أفعل وأقوى من هذه الضربة، وهو مدّ المعارضة
السورية بالأسلحة المتطورة وغيرها من المساعدات ما سيمكنها ليس فقط من الصمود بل
أيضاً احتلال مناطق أخرى... وبالطبع فإن أعداد المطالِبين والراضِين عن تقديم هذه
المساعدات كخطوات رادعة وعقابية بحق النظام السوري، وفي كل أنحاء العالم، ستكون
بدورها أكبر مما كانت قبل البدء بتلك المزاعم المحتمَلة حول كذب ومراوغة هذا
النظام بخصوص نزع الكيميائي أو قبل الاستخدام الثاني المحتمَل للكيميائي؛ والتي
بدورها، أي هذه الأعداد، ستكون أكبر مما كانت قبل إعلان النظام عن موافقته على نزع
هذا السلاح.
نأتي
الآن إلى الرأي الذي يقول إن الولايات المتحدة ستتعاون لنزع الكيميائي لضمان أمن
إسرائيل من هذا السلاح، حتى وإن على حساب منع المساعدات العسكرية عن المعارضة
وتمكين النظام من سحقها وبسط سيادة الدولة. هذا الأمر هو مستبعَد جداً، لأنه، وبغض
النظر عن مسألة توجيه الضربة العسكرية بتأثير من الصهيونية المسيحية، يبقى هناك
خياران أمام الولايات المتحدة وإسرائيل؛ الأول، هو نزع الكيميائي السوري مع بقاء
الأسد والاستقرار الأمني في سوريا في المستقبل القريب أي ما يمكِّن الجيش السوري
وحزب الله من بناء قدراتهم مجدداً وخاصة منها الصاروخية مع ما قد وصلهم مؤخراً من
أسلحة متطورة من روسيا وإيران، ومع ما يعنيه هذا من تعاظم قوة محور المقاومة،
وإهداء نصر سياسي كبير لروسيا يعيدها كقطب آخر على الساحة الدولية منذ تفكك
الاتحاد السوفياتي؛ الخيار الثاني، هو بقاء الكيميائي السوري وبقاء مسلسل الحروب
والمذابح والتهجير والتدمير قائماً في سوريا إلى أجل غير مسمى مع تشويه كبير على
المستوى العالمي لصورة النظام السوري وحزب الله كمرتكبي جرائم حرب من خلال
الكيميائي، مع ما يعنيه هذا من إضعاف لمحور المقاومة، وإمكانية وصول التوترات
الأمنية إلى لبنان، وحرمان روسيا من ذلك النصر السياسي كبير وبقائها دون مستوى
القطب الآخر. وبالطبع، أمام هكذا خيارين، فالأمريكيون والإسرائيليون سيفضلون
الخيار الثاني.
وحول الرأي الذي يقول إن إسرائيل ستتخوف من وقوع الكيميائي في أيدي تنظيمات
متطرفة؛ فهذه الأخيرة ليست على درجة غباء أن تستخدمه ضد إسرائيل، لأنه هذه سيكون
بإمكانها الرد بما هو كيميائي وحتى أكثر مما هو كيميائي.
وكخلاصة، فإن الاقتراح الروسي بنزع الكيميائي السوري وموافقة النظام السوري
وباقي محور المقاومة عليه، كان خطأً إستراتيجياً كبيراً من قبل كل هؤلاء؛ كونه
سيؤدي، وفي كل أنحاء العالم، إلى ازدياد أعداد المقتنعين باستخدام هذا النظام لهذا
السلاح والراضِين والمطالِبين بالقيام بخطوات رادعة أو عقابية بحقه، وإلى ازدياد
إمكانية حصول اعتداء عسكري أمريكي على سوريا، أو تحت المظلة الأمريكية، وسواء أكان تحت الفصل السابع
أم من دونه، وإلى ازدياد إمكانية تقديم مختلف المساعدات
من قبل الولايات المتحدة وحلفائها للمعارضة السورية...
أما حول محاولة الإدارة الأمريكية التقرّب من إيران فهذا ليس دليلاً على
أنها لن تتجه إلى الخيار الثاني الوارد أعلاه؛ فالمرجَّح أن هذه المحاولة هي تمويه
للاتهامات التي ستوجَّه لاحقاً إلى النظام السوري بالكذب والمراوغة بشأن نزع
الكيميائي. أي إن الإدارة الأمريكية عندما تمد اليد إلى إيران وفي نفس الوقت تتهم
هذا النظام بالكذب والمراوغة، فإن هذه الاتهامات ستكون أفعل وأقوى من عندما تقوم
بها في أجواء استمرار المقاطعة لإيران.
للتوسع في الشرح... عندما أقول: "هذا صديقي لكنني أختلف معه في مسألة
تخص طرفاً ثالثاً صديقاً له"؛ فمن البديهي أن هذا القول هو أفعل وأقوى بكثير
من عندما أقول: "هذا عدوي وأختلف معه في مسألة تخص طرفاً ثالثاً صديقاً
له".
أي لما كانت إيران حريصة بالفعل على سوريا وعلى محور المقاومة، فالمفترَض
بها في هذه المرحلة، أي طالما هناك توترات أمنية في سوريا، أن ترفض أية محاولات
للتقرب نحوها من قبل الإدارة الأمريكية، حتى ولو كانت هذه المحاولات ليست أكثر من
استعادة لتحف مهربة أو اتصالات هاتفية من قبل الرئيس الأمريكي... أي إن تجاوب
إيران مع هذه المحاولات هو بدوره خطأ إستراتيجي كبير.
وحول الكلام المعسول للوزير كيري، أو أي كلام معسول من أي مسؤول أمريكي آخر
سيصدر في هذا المنحى، فالمرجَّح أن هذا بدوره تمويه للاتهامات التي ستوجَّه لاحقاً
إلى النظام السوري بالكذب والمراوغة بشأن نزع الكيميائي؛ لأنه من خلال هذا الكلام
المعسول ستضع الإدارة الأمريكية نفسها في موضع المراقب الموضوعي، ما يجعل هذه
الاتهامات عند صدورها مستقبلاً أفعل وأقوى...
ج - إذاً ما هو الحل ؟
قلنا أعلاه إنه في الحرب الإعلامية والسياسية أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم،
فيكون الحل المناسب، لإنهاء الأزمة في سوريا وفي نفس الوقت لإراحة العالم بأسره من
شرور الولايات المتحدة، هو في خطوتين أساسيتين ومتزامنتين. الأولى، هي في أن
تتراجع سوريا عن طلبها للانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية وأن تعلن رفضها
للقرار 2118 وأن من حقها امتلاك السلاح الكيميائي وغيره من أسلحة الدمار الشامل
(النووي والبيولوجي وغيره) طالما الولايات المتحدة وإسرائيل تمتلكان هذه النوع من
الأسلحة؛ أما عن كيفية حمل النظام السوري على اتخاذ هكذا خطوة فهذه فسنأتي عليه
أدناه. الخطوة الثانية، هي في اعتماد خطة عامة، أي إستراتيجيا، تعتمد الوسائل
الإعلامية والسياسية والاقتصادية في محاربة الولايات المتحدة وتؤدي في المستقبل
المنظور إلى إلحاق هزيمة كبرى بها وإنهاء زعامتها العالمية. هذه الخطوة الثانية هي
من منطلق أن المعارضة السورية المسلحة وكل حلفائها في المنطقة ما هم إلا ذنباً
للأفعى التي رأسها في واشنطن وأنه من الخطأ الإستراتيجي توجيه الضربات إلى ذنب
الأفعى وترك رأسها طليقاً؛ وكذلك هو الحال مع إسرائيل التي ما هي إلا ذنباً لهذه
الأفعى وأن العرب كانوا ولا يزالون يتَّبعون إستراتيجيا خاطئة في تحييد الولايات
المتحدة عن الصراع العربي الإسرائيلي.
هذه الخطة، كنتُ قد انتهيتُ من صياغتها ووضعتها في
كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة"،
والذي تم نشره في أيلول 2012؛ وهي موضوعة بناءً على ما قمتُ به من دراسات معمَّقة
وغير مسبوقة في علوم السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا، وتعمل على
تحويل نقاط القوة في الزعامة العالمية للولايات المتحدة إلى نقاط ضعف، بما يؤدي
إلى حثّ وتشجيع الفئات الشعبية والتنظيمات السياسية المعارضة لها في العالم العربي
وخارجه على التحرك لمطالبة وللضغط على حكامها لاتخاذ مواقف معارضة لها وداعمة
لمحور المقاومة. وحيث نتائجها المتوقعة ستكون إنهاء الحرب في سوريا وتمكين النظام
من بسط سيادة الدولة حتى خلال أسابيع، والاستقرار الأمني في لبنان والعراق وهزيمة
الأخوان المسلمين في مصر وغيرهم من الفئات المتأمركة في باقي العالم العربي؛
وأيضاً تقليص القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة بما يؤدي إلى
هزيمتها وإنهاء زعامتها العالمية في المستقبل المنظور مع ما يترتب على ذلك من
هزيمة لإسرائيل وكل الأطراف التي هي تحت المظلة الأمريكية. وفي حال كان ثمة
اعتداء عسكري مباشر أمريكي أو تحت المظلة الأمريكية على سوريا، أو في فترة التحضير
له أو بعد الانتهاء منه، فإن العمل بهذه الخطة من شأنه الوصول في وقت قصير إلى
تكبيل القدرة الأمريكية على القيام بهكذا اعتداء.
أيضاً
مما كنتُ قد أوضحته في هذا الكتاب، ووفق دراسات علمية غير مسبوقة، هو أن الزعامة العالمية
للولايات المتحدة وتحالفها مع المستعمرين الأوروبيين وإسرائيل هي المسبب الأساسي
لحالة قلة الاستقرار الأمني والفقر والتخلف في العالم العربي ومعظم دول الجنوب،
وأنه لا يمكن لهذه المناطق أن تنعم بالاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور
والديمقراطية إلا بإلحاق هزيمة كبرى بالولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية.
هذا
الكتاب كان قد تم عرضه في المكتبات اللبنانية في جميع الأراضي اللبنانية منذ كانون
الأول 2012؛ إلا أنه لم يتوفر نشرُه خارج الأراضي اللبنانية كوني لم أوفق بعد بمن
يتعهد هذا النشر. ومنذ كانون الثاني 2013 كانت هذه الخطة معروضة على مواقعي على
الإنترنت وعلى عشرات المواقع على هذه الشبكة في لبنان وسوريا وغيرهما...
سنعرض الآن مختصراً عن
هذه الخطة كما وردت في هذا الكتاب وفي هذه المواقع الألكترونية، أي قبل موافقة
النظام السوري مؤخراً على نزع الكيميائي، ثم سنظهر كيفية إدخال هذه المسألة من
ضمنها. وبعد ذلك سنتطرق إلى كيفية التنفيذ لهذه الخطة وفاعليتها والنتائج المتوقعة
عليها.
تقوم هذه
الخطة على تحرك الفئات الشعبية والتنظيمات السياسية المعارضة للولايات المتحدة في
مختلف مناطق العالم لمطالبة أنظمة الحكم في بلدانها وللضغط عليها بالوسائل
الديمقراطية (والتي منها التظاهرات والإضرابات) لإقرار مواقف مناهضة لهذه الدولة
عبر عدة مراحل. في المرحلة الأولى يكون هناك مطالبات لإقرار ما يلي:
1 - رفض التعاون مع المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري في
لبنان، من منطلق أن الولايات المتحدة هي المستفيد الأول
من هذه الجريمة وأن إدارة الرئيس جورج بوش هي المتهَم الأول بها، وأنه ليس هناك
أية مصداقية لهذه المحكمة، وأنها أداة لخدمة المصالح الأمريكية في المنطقة خاصة في
لبنان وسوريا. كذلك، تقديم كل دعم ممكن إلى لبنان في مواجهة أية ضغوطات تتعلق بهذه
المسألة.
2 - تقديم كل دعم ممكن إلى النظام السوري في مواجهة
المعارضة المسلحة وفي مواجهة أية ضغوطات دولية تتعلق بالأحداث السورية أو بالمحكمة
الدولية الخاصة بلبنان (أي مع ما يعنيه هذا من تقديم كل دعم ممكن له، عسكري أو
اقتصادي أو سياسي أو إعلامي، في مواجهة أي اعتداء عسكري أمريكي، أو تحت المظلة
الأمريكية، يكون تحت حجة حماية المدنيين أو وقف استخدام السلاح الكيميائي)؛ من منطلق أن هذه الضغوطات هي من ضمن مسلسل مستمر على سوريا
منذ احتلال العراق في العام 2003 تهدف إلى جعلها في المحور الأمريكي، وأن
المسؤولية الأساسية للتوترات الأمنية في سوريا تعود إلى المعارَضة وحلفائها في
الخارج، من أمريكيين ومَن معهم، وأن هؤلاء هم المستفيدون أكثر من غيرهم والمتهَمون
قبل غيرهم بما جرى من جرائم بحق المدنيين السوريين ومن استخدام للسلاح الكيميائي.
3 - اعتبار التدخل العسكري الغربي الذي حصل في ليبيا تحت حجة حماية
المدنيين والحظر الجوي اعتداءاً عليها، يهدف إلى
الهيمنة عليها وسرقة خيراتها وجعل التحركات الشعبية المعارِضة التي تحصل في العالم
العربي تحت مظلة الولايات المتحدة وزيادة نفوذها فيه؛ ومطالبة الدول التي اشتركت
في هذا التدخل العسكري والتي قدَّمت الدعم المادي والسياسي له بدفع التعويضات
لليبيين. وأيضاً إيجاد ضمانات سياسية وأمنية للقاعدة الشعبية الموالية للقذافي،
وعدم إجراء أية محاكمة لأي مسؤول في نظام القذافي في الداخل إلا في ظل هذه
الضمانات، وعدم تقديم أي منهم إلى المحكمة الجنائية الدولية.
4 - تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع الولايات المتحدة، ووقف
أيِّ تعاون عسكري معها، أي وقف أيِّ تدريب للعسكريين فيها وشراء الأسلحة منها
والمناورات المشترَكة معها والانسحاب من أية أحلاف عسكرية معها وإزالة أية قواعد عسكرية
لها في البلد المعني (أي مع ما يعنيه هذا من عدم الاشتراك معها في أيِّ عمل عسكري
داخل سوريا أم خارجها).
5 - عدم التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في أية قضية والانسحاب من عضويتها، من منطلق عدم مصداقيتها
وأنها أصبحت إحدى مؤسسات العدالة الدولية الموضوعة في خدمة السياسة الأمريكية.
هذه هي المطالب في المرحلة
الأولى. بعد أن تكون هذه المرحلة قد أدت إلى النتائج المرجوة منها، أي كمثل أن
يكون هناك عددٌ كافٍ من أنظمة الحكم في مختلف أنحاء العالم قد أقرت هذه المطالب؛
يكون في المرحلة الثانية وغيرها أشكالٌ أخرى من المحاربة السياسية أو الاقتصادية
للولايات المتحدة تُقرر في حينها؛ كمثل إلزامها بدفع التعويضات عن احتلال العراق
وما شابه. وصولاً إلى المطالبات لإلزامها بالاعتراف بكل
جرائمها بحق الشعوب الأخرى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
على أن يكون في المراحل المتقدمة
من هذه الخطة ضرورة للانسحاب من الأمم المتحدة وتأسيس منظمة عالمية جديدة تُعنى
بالسلام العالمي والتعاون بين الشعوب. من منطلق فشل هذه
المنظمة في المحافظة على السلام العالمي بسبب حق العضوية الدائمة والنقض في مجلس
الأمن المعطى للخمس الدول وخاصة بسبب هيمنة الولايات المتحدة في كثير من الأحيان
على هذا المجلس.
أخيراً وحول
الدولة الإسرائيلية، ولما كانت من الناحية الإستراتيجية بمثابة الجزء من الولايات
المتحدة، ففي المراحل المتقدمة من هذه الخطة، وبعد أن تكون القوة الأمريكية قد
بدأت في التراجع سيكون بالإمكان فرض حل عادل للدولة الفلسطينية يقوم على اعتبار
إسرائيل كياناً مغتصباً وغير شرعي. كون الإسرائيليين
سيكونون مضطرين مع بدء تراجع القوة الأمريكية لتقديم التنازلات لكي يجنبوا بلادَهم
الحصار الخانق والعزلة الدولية ولكي يقبل العربُ بالسلام معهم. فبموجب هذا
الحل تكون مساحة الدولة الفلسطينية أكبر من تلك التي للدولة الإسرائيلية بما
يمكِّن من استيعاب المهجرين الفلسطينيين فيها، وإلزام إسرائيل بدفع تعويضات
للفلسطينيين والعرب وتجريدها من أسلحة الدمار الشامل ومحاكمة مجرمي الحرب
الإسرائيليين، وإشراك كل من بريطانيا والولايات المتحدة
بالمسؤولية المعنوية والمادية للوجود غير الشرعي لهذه الدولة وللجرائم التي
ارتكبتها بحق شعوب المنطقة، وغيره...
كذلك
سيكون هناك ضرورة لرعاية ودعم قيام اتحاد بين الدول العربية يقوم أساساً على
البرلمان العربي المشترَك، بالنظر إلى أهمية هذه الخطوة في إنهاء حقبة المشروع
الصهيوني في المنطقة، وفي العملية التنموية في العالم العربي.
انتهت هذه
الخطة. وقد أوردناها هنا، كما قلنا، كما كانت قبل حدوث التطور الأخير المتعلق
بإعلان النظام السوري عن موافقته على نزع الكيميائي. لكن مع حدوث هذا الأمر، فيكون
لا بد من إضافات عليها لكي تبقى على ما هي من فاعلية في إنهاء الأحداث السورية
وإلحاق الهزيمة المرتجاة بالولايات المتحدة.
فيصبح فيما يتعلق بالوضع السوري، وإلى جانب
تقديم كل دعم ممكن إلى النظام السوري في مواجهة المعارضة المسلحة وفي مواجهة أية
ضغوطات دولية تتعلق بالمحكمة الدولية في لبنان وبالأحداث السورية، أن يصار إلى
الدفاع عن حقه في امتلاك السلاح الكيميائي وغيره من أسلحة الدمار الشامل طالما هذا
النوع من الأسلحة موجود عند الولايات المتحدة وإسرائيل؛ أي أن يصار إلى الدفاع عن
حقه، عبر تقديم كل دعم ممكن له، في امتلاك هذه الأسلحة والانسحاب من معاهدة حظر
الأسلحة الكيميائية ورفض قرار مجلس الأمن رقم 2118 وكل القرارات ذات الصلة.
أي يكون
المطلوب من أي شخص أو تنظيم سياسي في أي بلد في العالم، غير سوريا، أن يطالب نظامَ
الحكم في بلده ويضغط عليه بالوسائل الديمقراطية لإقرار كل هذه المطالب المتعلقة
بالوضع السوري، بدءاً من الدفاع عن حقه في امتلاك أسلحة الدمار الشامل إلى غيرها
كما هو وارد أعلاه؛ وأيضاً لإقرار باقي المطالب المتعلقة بلبنان وليبيا والولايات
المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية بحسب ما هو وارد أعلاه في المرحلة الأولى من
هذه الخطة. ويكون المطلوب من أي مواطن أو تنظيم سياسي في سوريا أن يطالب النظامَ
في بلده ويضغط عليه بالوسائل الديمقراطية لكي يَسحب طلبَ الانتساب إلى معاهدة حظر
الأسلحة الكيميائية ويرفض القرار 2118 ويعلن عن حقه في امتلاك السلاح الكيميائي
وغيره من أسلحة الدمار الشامل طالما هذا النوع من الأسلحة موجود عند الولايات
المتحدة وإسرائيل؛ وأيضاً أن يقرّ باقي تلك المطالب المتعلقة بالأوضاع في لبنان
وليبيا وغيرها...
إضافة إلى
مسألة الكيميائي السوري، ولما كانت الولايات المتحدة قد هددت بشكل مفضوح بالتدخل
العسكري في سوريا، فيصبح غير كافٍ الاكتفاء بتخفيض التمثيل الدبلوماسي وبقطع أيّ
تعاون عسكري معها. الأمر الإضافي هنا، هو ضرورة قطع أي علاقات دبلوماسية معها في
حال قامت بالاعتداء العسكري على سوريا... فيكون هذا الأمر بدوره من ضمن المطالبات
في المرحلة الأولى لمختلف أنظمة الحكم لإقرارها.
د –
1 - حول طريقة التنفيذ لهذه الخطة، بالطبع الأفضل أن يتم
عرضها عبر الوسائل الإعلامية، وخاصة منها التلفزيونات الفضائية، ثم أن يُطلب من أي
شخص أو تنظيم سياسي في أي مكان في العالم، يكون راغباً في مناصرة سوريا في الحرب
العالمية التي تجري على أرضها وفي إلحاق هزيمة كبرى بالولايات المتحدة وإنهاء
زعامتها العالمية، أن يقوم بمطالبة نظام الحكم في بلده والضغط عليه بالوسائل
الديمقراطية، والتي منها التظاهرات والإضرابات، لإقرار المطالب الواردة في المرحلة
الأولى منها. وفي حال لم تكن ظروفه الشخصية تسمح له القيام بهكذا تحرك سياسي
فالمطلوب منه أن يقوم على الأقل بنشر ملخص عن هذه الخطة عبر أية وسائل إعلامية
متوفرة لديه...
والمقصود
بإقرار المطالب هو ليس فقط الموافقة عليها من قبل أنظمة الحكم بل أيضاً أن يتم
تعليل هذه الموافقة بالأسباب الواردة أعلاه؛ أي كمثل أن يتم تعليل رفض التعاون مع
المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري بأسباب كون الولايات المتحدة هي المستفيد
الأول والمتهَم الأول بهذه الجريمة وغياب مصداقية هذه المحكمة لكونها أداة لخدمة
المصالح الأمريكية، وما إلى ذلك كما هو وارد أعلاه...
وبالطبع،
أثناء عرض هذه الخطة أو شرحها من الضروري الإشارة إلى النتائج المترتبة على هزيمة
الولايات المتحدة من حيث الاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور والديمقراطية
في العالم العربي ومعظم دول الجنوب؛ كما من المهم عرض بعض الشروحات عن الأسباب
الموجبة للمطالب الواردة فيها، كمثل لماذا الولايات المتحدة هي المستفيد الأول
والمتهَم الأول باغتيال الحريري ؟ ولماذا المعارضة السورية المسلحة مع حلفائها في
الخارج هم المسؤولون الأساسيون عما يجرى في سوريا من أحداث أمنية والمتهَمون قبل
غيرهم عما جرى فيها من جرائم بحق المدنيين ؟ وغيره... حول هذه الشروحات والنتائج
المترتبة على هزيمة الولايات المتحدة انظر الروابط في آخر هذه المقالة.
2 - حول طبيعة المطالب الواردة في المرحلة الأولى فيها،
وعن السبب في اعتماد هذه المطالب وليس غيرها، فهذا يعود، كما ذكرنا أعلاه، إلى أن
هذه الخطة تعمل على تحويل نقاط القوة في الزعامة العالمية
للولايات المتحدة إلى نقاط ضعف؛ وهذا الأمر يحتاج إلى شرح مطوَّل لا يتسع له المجال هنا، ومَن يود التوسع فيه فبإمكانه العودة إلى كتابي المشار إليه
أعلاه في الفصل الثاني عشر.
3 - حول النتائج المتوقعة على هذه المرحلة الأولى، فبمجرد
أن يتم العمل بها، أي بمجرد أن يكون هناك تحركات شعبية ملحوظة تطالب أنظمة الحكم
في بلدانها لإقرار المطالب الواردة فيها حتى يشكِّل هذا الأمرُ تكبيلاً لأي عمل
عسكري أمريكي، أو غيره تحت المظلة الأمريكية، ضد سوريا، سواء قبل البدء به أم
أثناءه أم بعده. إضافة، ستؤدي هذه الأجواء إلى انهيار معنوي كبير عند المعارضة
السورية المسلحة وحلفائها في الخارج ما سيمكن النظام من بسط سيادة الدولة حتى خلال
أسابيع. كل هذا سيتحقق حتى قبل وصول هذه المرحلة الأولى إلى التطبيق، أي إلى وجود
أنظمة حكم تكون مقرَّةً للمطالب الواردة فيها والتي مما تتضمنه، كما ذكرنا، تقديم
كل دعم ممكن إلى النظام السوري ووقف أي تعاون عسكري مع الولايات المتحدة... وكما
ذكرنا أعلاه، سيكون هناك تغيرات في لبنان والعراق ومصر نحو الاستقرار الأمني
وهزيمة الفئات المتأمركة فيها وفي باقي العالم العربي... وعندما يصبح هناك عدد
ملحوظ من أنظمة الحكم مقرَّة لهذه المطالب التي في المرحلة الأولى فهذا سيشكل
بداية تقليص القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة وبداية
هزيمتها وإنهاء زعامتها العالمية في المستقبل المنظور مع كل ما قد يترتب على ذلك
من نتائج...
4- بما أن التدخل العسكري الأمريكي كان ولا يزال محتملاً
للأسباب التي أوردناها أعلاه، فبالطبع يبقى من الضروري المحافظة على الجهوزية
العسكرية عند سوريا وباقي محور المقاومة لمواجهة هكذا اعتداء.
هـ - بعد العرض الوارد
أعلاه، سيتم طرح السؤالين التاليين:
- الأول، ما الذي يضمن أنه بعد عرض الخطة الواردة أعلاه
عبر الفضائيات وغيرها من وسائل الإعلام أن القواعد الشعبية والتنظيمات السياسية،
في العالم العربي وخارجه، الموالية لمحور المقاومة ستتحرك لتطالب أنظمة الحكم في
بلدانها وتضغط عليها لتقرّ المطالب الواردة فيها، لا سيما أن معظم هذه الأنظمة هي
موالية للولايات المتحدة ؟
- الثاني، طالما أنه لدى الولايات المتحدة وحلفائها
وسائل إعلامية أكثر وأضخم من تلك التي عند محور المقاومة، فما الذي يضمن أن لا
تقوم هذه الوسائل بإجهاض الخطة المقترَحة أو عرقلتها ؟
الجواب عن
السؤال الأول هو التالي:
يوجد الكثير من
الفئات الشعبية، بمئات ملايين وربما أكثر من ذلك، داخل العالم العربي وفي الكثير
من مناطق العالم، معادية للولايات المتحدة؛ إلا أنها لا تتحرك لمطالبة أنظمة
الحكام في بلدانها وللضغط عليه لاتخاذ مواقف معارضة لهذه الدولة وداعمة لسوريا وحزب
الله وإيران وباقي محور المقاومة للأسباب التالية: حالة الإحباط نتيجة لكثرة
انتصارات وازدياد قوة الولايات المتحدة, وتحول معظم أنظمة الحكم داخل العالم
العربي وخارجه إلى الموالاة لها، وهيمنتها على مؤسسات الشرعية الدولية، وعدم وجود
خطة واضحة ومقنِعة للتحرك ضدها، وعدم وضوح الموقف الرسمي منها في دول محور
المقاومة فأحياناً تكون هذه الدولة الحليفَ أو الحَكَمَ أو دولة محايدة وأحياناً
أخرى تكون العدو...
لكن بما أن الخطة
الواردة أعلاه تمتاز بأنها:
- تحدِّد الموقفَ من الولايات المتحدة على أنها هي العدو، وأن إسرائيل
ما هي إلا جزء صغير من هذا العدو.
- تواجه هذه الدولةَ، أي الولايات المتحدة، من خلال خطة واضحة
ومقنِعة تعمل على تحويل نقاط القوة في زعامتها العالمية إلى نقاط ضعف بما يؤدي إلى
التحفيز للتحرك ضدها.
- تحدِّد مطالبَ واحدة لمعارضتها ليتم إقرارها في جميع البلدان بما
يساعد بدوره في التحفيز للتحرك ضدها. أي لو كان العكس، أي لو ترك للقاعدة الشعبية
في أيّ بلد الحريةَ لأن تطالب نظامَ الحكم بما ترتئي لإقراره، لكان الإحباط سيدخل
إلى كل منها. مثلاً، قبل احتلال العراق كان هناك تحركات شعبية في الكثير من الدول
ضد هذا الاحتلال، لكن لم يكن لديها برنامج موحَّد لمحاربة الولايات المتحدة، فكان
هذا النقص، أي غياب الخطة الواضحة للمواجهة، أحد الأسباب الأساسية في عدم ضخامة
التظاهرات المعارِضة ضدها وعدم فعاليتها.
- تتيح التحرك الفردي للعمل بها؛ فكما قلنا أعلاه، بأن الفرد الذي لا تسمح له ظروفه الشخصية القيامَ بتحرك سياسي لمطالبة نظام
الحكم والضغط عليه فالمطلوب منه أن يقوم على الأقل بنشر ملخص عن هذه الخطة عبر أية
وسائل إعلامية متوفرة لديه... وهذه مسألة بالغة الأهمية من شأنها تحفيز الكثيرين
على التحرك، خاصة منهم مَن يعيشون في أنظمة قمعية موالية للولايات المتحدة.
بالنظر إلى كل هذه
الأسباب من المرجَّح أن عرض هذه الخطة بالشكل الجيد عبر الفضائيات وغيرها من وسائل
الإعلام سيحفِّز الكثيرين من الموالين لمحور المقاومة في كل أنحاء العالم على
التحرك بموجبها، ولتزداد أعداد هؤلاء مع الوقت.
ومن المهم الإشارة إلى
أن هذه الخطة بكافة تفاصيلها هي موضوعة بناءً على ما قمتُ به من دراسات معمَّقة
وغير مسبوقة في علوم السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا، والتي من
ضمنها خمس نظريات جديدة في السوسيولوجيا (الأنتروبولوجيا المجتمعية) كنتُ قد
توصلتُ إلى صياغتها؛ وكل ذلك قد أوردته في كتابي المشار إليه أعلاه... حول هذا
الموضوع انظر المقالة "التقييم العلمي للكتاب بوصفه دراسة غير مسبوقة في
الأنتروبولوجيا المجتمعية":
حول السؤال الثاني عن إمكانية إجهاض هذه الخطة
أو عرقلتها من خلال كثرة وكبر وسائل الإعلام الأمريكية؛ الجواب هو أنه يجب التمييز
بين ثلاثة عوامل: أول هو نوعية الوسائل الإعلامية، الثاني هو كثرتها وحجمها،
الثالث هو الخطط الإعلامية.
حول نوعية الوسائل الإعلامية، فالأنواع المتوفرة عند الأمريكيين وحلفائهم،
والتي هي الفضائيات والتلفزيونات المحلية والوسائل المسموعة والمقروءة
والألكترونية، فهي نفسها متوفرة عند محور المقاومة وحلفائه؛ تماماً كما هي متوفرة
في معظم أنحاء العالم.
وحول عامل الكثرة والحجم لهذه الوسائل، فهو
سيكون حاسماً لو تم تغييب العامل الثالث؛ لكن عند وجود الخطط الإعلامية الواضحة
والمقنِعة والمدروسة فيصبح لهذا العامل الثالث الأولوية.
لتوضيح المسألة أكثر. إذا افترضنا أن دولتين تتواجهان عسكرياً وأن لدى كلتيهما
سلاح جو، فلا يصح القول إن الدولة التي عندها طائرات أكثر هي التي ستنتصر، بل
الصحيح القول إن التي عندها سلاح جو متطور أكثر هي التي ستنتصر.
بالتالي، وبالرغم من أن لدى الأمريكيين وحلفائهم وسائل إعلامية أكثر وأضخم
من تلك التي عند محور المقاومة وحلفائه، لكن لما كانت الخطة الواردة أعلاه هي
متطورة أكثر بكثير من تلك التي عند الأمريكيين وحلفائهم كونها موضوعة بناء على
دراسات معمَّقة وغير مسبوقة، تصبح كثرةُ وضخامةُ تلك الوسائل غير فاعلة في إجهاض
أو عرقلة هذه الخطة.
و
– أخيراً للتوسع فيما
ورد في هذه المقالة:
للتوسع في
الخطة الواردة أعلاه انظر المقالات:
"الإستراتيجيا المقترَحة لإنهاء الزعامة العالمية للولايات
المتحدة":
"النظام السوري والخيار الوحيد أمامه للنصر (الملخّص)":
"الولايات المتحدة من حيث التخلف الفكري فيها":
مع التنبيه إلى أن هذه
الثلاث مقالات قد تمت كتابتها قبل بدء الحديث عن نزع الكيميائي والاعتداء العسكري الأمريكي
المحتمَل على سوريا، أي إنها لا تتضمن إشارة إلى هذا الموضوع وما يترتب عليه من
ضرورة رفض التخلي عن الكيميائي وقطع العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا في حال حصل
الاعتداء، كما ذكرنا أعلاه. لكن تبقى هذه المقالات مهمة جداً للتوسع فيما يتعلق بمضمون
هذه الخطة والأسباب الموجبة له والنتائج المتوقعة عليها.
للتوسع في أهمية هذه
الخطة فيما يتعلق بالوضع السوري، ولإظهار كيفية مواجهة الخطاب الديني الأصولي
المتطرف عند المعارضة السورية، انظر المقالة أعلاه "النظام السوري والخيار
الوحيد أمامه للنصر (الملخّص)".
للتوسع في موضوع
الصهيونية المسيحية ولإظهار كيف أن الولايات المتحدة، كدولة وشعب وحضارة، يصح
وصفها بالتخلف الفكري وقلة ديمقراطية ورعاية الإرهاب، ولتبيان كيفية استخدام هذا
الأمر في الخطة أعلاه لمحاربة هذه الدولة والتسريع في انهيارها وهزيمتها؛ انظر المقالة
أعلاه "الولايات المتحدة من حيث التخلف الفكري فيها".
حول أن المعارضة السورية
المسلحة وحلفاءها في الخارج، من أمريكيين ومَن معهم، هم مَن يتحملون المسؤولية
الأساسية عما يجري في سوريا من أحداث أمنية، وهم المستفيدون قبل غيرهم مما جرى من
جرائم بحق المدنيين والمتهَمون بها قبل غيرهم، ومن ضمنها استخدام السلاح الكيميائي؛
انظر المقالتين:
"حول المساندة الإعلامية للنظام السوري وحزب الله (5)":
و"حول المساندة الإعلامية للنظام السوري وحزب الله (6)":
حول أنه من نتائج
هزيمة الولايات المتحدة هو النمو والتطور في العالم العربي ومعظم دول الجنوب،
انظر المقالتين:
"حول المساندة الإعلامية للنظام السوري
وحزب الله (9)":
والمقالة أعلاه "الإستراتيجيا المقترَحة لإنهاء الزعامة
العالمية للولايات المتحدة".
حول اغتيال الحريري والمحكمة الدولية الخاصة بهذه الجريمة والوضع في ليبيا
والمحكمة الجنائية الدولية، انظر أيضاً هذه المقالة أعلاه.
حول الصراع العربي الإسرائيلي وترتيبات الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية،
انظر أيضاً هذه المقالة أعلاه، إضافة إلى المقالة أعلاه "الولايات المتحدة من
حيث التخلف الفكري فيها".
للتوسع أكثر في كل ما هو وارد أعلاه، وأيضاً
للاطلاع على الدراسات والنظريات التي بموجبها تم توضيح كيف أن الزعامة
العالمية للولايات المتحدة وتحالفها مع المستعمرين الأوروبيين وإسرائيل هي المسبب
الأساسي لحالة قلة الاستقرار الأمني والفقر والتخلف في العالم العربي ومعظم دول
الجنوب، وأنه لا يمكن لهذه المناطق أن تنعم بالاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي
والتطور والديمقراطية إلا بإلحاق هزيمة كبرى بالولايات المتحدة وإنهاء زعامتها
العالمية؛ انظر كتابي الوارد أعلاه "حول الأزمة
اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" الفصول من التاسع إلى
الثاني عشر.
حول الملخَّص للخطة المقترَحة لهزيمة
الولايات المتحدة بعد الإضافات عليها المتعلقة بتطورات الكيميائي السوري انظر
المقالة "نحو الانتصار في سوريا وهزيمة أمريكا":
عامر سمعان ، باحث وكاتب
25/ 9/ 2013، تم آخر تنقيح لهذه المقالة في 21/ 2/ 2014.