ما يتضمنه كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" دراسات معمقة وغير مسبوقة في السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا؛ من بينها: أربع نظريات جديدة في الأنتروبولوجيا المجتمعية، وخطة لحلّ الأزمة في لبنان، وإستراتيجيا تعتمد وسائل المحاربة الإعلامية والسياسية والاقتصادية لهزيمة الولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية، والتي سيكون من نتائجها الاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور في العالم العربي ومعظم دول الجنوب.

الخميس، 17 أكتوبر 2013

نحو الانتصار في سوريا وهزيمة أمريكا



 المقالة قيد التنقيح ، بالنظر إلى المستجدات السياسية والأمنية في الشرق الأوسط

شهوة البطن وشهوة الجنس


     يُحكى أن رجلاً كان ماشياً في الغابة، فشاهده فيلٌ وهاجمه، فهرب الرجلُ منه إلى أن وقع في بئر. وفيما هو يسقط فيه تمسك بغصن كان نابتاً في حائطه. فنظر إلى الأسفل فشاهد في قعر البئر حوتاً فاغراً فمه منتظراً إياه ليسقط ليبتلعه، فنظر إلى أعلى فوجد أن الفيل لا يزال ينتظره ليهاجمه ما أن يصعد. فأراد أن يسند رجله على حائط البئر فشاهد ثعباناً متربصاً ليعضه ما أن يسند رجله على الحائط. وما لبث أن شاهد جرذين يقرضان الغصنَ الذي يتمسك به... وفيما هو في هذه الورطة شاهد قرصَ عسل بالقرب منه فمد يده وأخذ يأكل من العسل؛ ولم يزل يأكل منه إلى أن تمكن الجرذان من قرض الغصن فوقع أسفل البئر وابتلعه الحوت.
(بتصرف عن قصص "كليلة ودمنة")
     هذا هو حال الإنسان منذ أيام مَن كتبوا "كليلة ودمنة" وحتى قبلهم وإلى الآن وسيظل هذا هو حاله حتى انقضاء الدهر... وهو أنه يرى الموت أمامه ولا يهتم إلا لشهوة بطنه.
     أيُ إنسان مهما بلغ من سلطة أو شهرة أو غنى أو مركز أو علم فسيظل أسيراً لشهوتي البطن والجنس إلى أن تدمرانه. ولا يمكنه التغلب عليهما إلا من خلال المواظبة على تدين القائم على إيمان راسخ. "وكل مَن يجاهد يضبط نفسَه في كل شيء" (1 كورنثوس 9: 25).
     في التحليل الرمزي لهذه القصة: الغابة حيث كان الإنسان ماشياً هي رمز لقصر النظر أو عمى البصيرة الذي يجعل الإنسانَ غير قادر على التمييز بين خيره وشره، كونه في الغابة لا يستطيع الإنسان أن يرى أكثر من مسافة محدودة... مهاجمة الفيل للإنسان هي رمز للمشاكل أو المتاعب التي يجلبها الإنسانُ لنفسه بسبب قصر نظره وعدم قدرته على الاستخدام الجيد للخيرات المتوفرة له، كون الفيل قد يستخدم بشكل كبير لما فيه خير الإنسان أو قد يسبب له الأذى... الحوت هو رمز للموت (قصة النبي يونان في جوف الحوت) ووجوده في قعر البئر هو رمز لموت الهاوية أو الجحيم والذي هو عكس موت المخلصين أو الجنة... الغصن هو رمز للغذاء والبقاء على قيد الحياة أي إنه رمز لوجود الإنسان في الجسد في هذه الحياة التي تتيح له التوبة والتغيير والخلاص... الجرذان هما رمز لبشاعة الخطيئة التي تودي بالإنسان إلى التهلكة أي إنهما رمز للنتائج المدمرة للخطيئة التي إذا ما استسلم لها الإنسان أو لم ينتبه لوجودها تقطع له فرصة الانتفاع من وجوده في هذه الحياة للتوبة والخلاص... الثعبان هو رمز للشيطان الذي يعمل لمنع الإنسان من أن يضع قدمه على طريق الخلاص أي الذي يساهم في النتائج المدمرة للخطيئة... وأخيراً قرص العسل هو رمز لشهوتي البطن والجنس أي رمز للذة الخطيئة التي تجعل من الإنسان غير متنبه للنتائج المدمرة للخطيئة... بالتالي، يكون هروب هذا الإنسان من أمام الفيل هو رمز لضعفه وخوفه من مواجهة المشاكل والمتاعب، كونه من نتائج الانغماس في الخطايا هو الضعف والخوف لأنه كلما كان الإنسان مؤمناً ومتديناً قلّ ضعفه وخوفه. "المؤمن لا يخاف إلا من الخطيئة" على حد قول أحد آباء الكنيسة الأرثوذكسية.
     المسيحية الأرثوذكسية هي أكثر مذهب ديني في التاريخ يشدد على لجم شهوتي البطن والجنس، ليس من منطلق احتقار الجسد بل تقديس الجسد. وذلك اعتماداً على عقائد وتعاليم: التجسد، واتحاد الطبيعتين الإلهية والبشرية في شخص المسيح، والنعمة الإلهية غير المخلوقة المعطاة للإنسان والتي تتيح له أن يتقدس أي يتأله بجسده وروحه بها، وتكريم رفات القديسين، وتكريم الأيقونات، وقيامة الأجساد في اليوم الأخير...
     أيضاً الأرثوذكسية هي أكثر مذهب ديني أو فكري في التاريخ: يُظهِر رفعة قيمة الإنسان، ويؤمِّن له السعادة، ويتيح له التغلب على مخاوفه وضعفاته وخطاياه، ويفتَح المجالَ أمامه للتغيير نحو الشخصية الفاعلة والبنَّاءة والإيجابية، ويتوافق مع طبيعة نفسيته من حيث تغييرها إلى الأفضل، ويتيح له التغيير الإيجابي في هذا العالم من خلال أفكاره ومبادراته ومشاريعه، ويَدعو إلى العمل بموجب مبادئ الحرية والأخوة والمساواة أي مبادئ حقوق الإنسان وإلى العمل أيضاً بموجب الأخلاق البيئية، وغيره... لكن من الشروط الأساسية المطلوبة من المؤمن للدخول في كل ذلك هو لجم شهوتي البطن والجنس والتواضع والمحبة والتدين الملتزم...
     المقصود بلجم شهوة الجنس هو العفة في حياة الرهبنة وأن لا يطمع مَن هم في الحياة العلمانية بأكثر مما حُلِّل لهم.     
     ولما كان يوجد في الأرثوذكسية هكذا تشديد على لجم شهوة الجنس فمن الطبيعي أن يكون ما نجده في مجتمعاتنا من عادة الدخول إلى الكنائس بلباس غير محتشم هي متعارضة بشدة مع العقائد والتعاليم الأرثوذكسية... والمفترَض بالكهنة أن يكونوا أكثر تشدداً في محاربة هذه العادة؛ ومن الأفضل أن يتم إيجاد الصيغ المناسبة التي تتيح مساعدة الكاهن في محاربتها، كمثل أن يكون لديه معاونون من شمامسة أو غيرهم ليساعدوه أثناء أدائه الخدم الكنسية في مراقبة الداخلين إلى الكنيسة.
     أيضاً، الأرثوذكسية تشدد كثيراً على أهمية حياة الرهبنة كإحدى الأطر التي تؤمِّن الضمانة الأكبر للجم شهوتي البطن والجنس. إضافة لما كانت حياة الرهبنة من خلال ما فيها من قانون الطاعة تؤمِّن أيضاً الضمانة الأكبر لتطويع وتقزيم محبة الذات المتأصلة في الإنسان (أي ما يُعرَف في علم النفس بالرغبة اللاواعية للتفوق وتوكيد الذات أي ما قال عنه آباء الكنيسة برغبة الإنسان بعد السقوط في أن يتأله بقواه الذاتية)، أي الضمانة الأكبر لمحاربة الكبرياء والوصول إلى التواضع الحقيقي؛ تصبح حياة الرهبنة إحدى الأطر التي تؤمِّن الضمانة الأكبر لخلاص الإنسان، أي إحدى أقصر الطرق للوصول إلى القداسة.
     إضافة، فإن الرهبان والراهبات هم بمثابة الشهداء الأحياء، أو الأيقونات الحية، أو المنارة في هذا العالم التي تحث وتشجع المؤمنين العلمانيين على الجهاد في لجم شهوتي البطن والجنس وفي محاربة الكبرياء وفي زيادة فروض التدين، لكي يصلوا بدورهم إلى القداسة في حياتهم العلمانية.  
     فتكون حياة الرهبنة هي بمثابة المقياس للنهضة الدينية في الأرثوذكسية؛ فكلما كان هناك نهضة دينية في أية كنيسة أرثوذكسية كانت حياة الرهبنة فيها نامية وناشطة.
     فالمفترَض بالأرثوذكسيين الغيارى على النهضة الدينية أن يشجعوا على حياة الرهبنة ويحموها ويوفروا لها كل مستلزمات النمو والنشاط.
     والمفترَض أيضاً بالأرثوذكسيين في الكنيسة الأنطاكية الغيارى بدورهم على النهضة الدينية، بدءًا ممن هم في المجمع المقدس إلى الكهنة والشمامسة والعاملين والمتطوعين في المؤسسات والجمعيات الدينية وصولاً إلى المؤمنين العاديين، أن يسيروا في هذا النهج فيما يتعلق بالتشجيع على حياة الرهبنة وحمايتها وتوفير لها كل مستلزمات النمو والنشاط... وأن تكون من ضمن أولوياتهم في هذا الوقت هي الرهبنة النامية والناشطة في دير سيدة حماطورة التي أصبحت تضم أكثر من خمسة عشر راهباً تحت رئاسة الأرشمندريت بندلايمون فرح الذي هو أحد المنارات الروحية في الكنيسة الأنطاكية، وأن يعملوا بأقصى سرعة على حلّ قضيته التي أدت إلى توقيفه عن الخدمة الكهنوتية، ومحاسبة كل المذنبين في هذا الموضوع؛ لكي يعود هذا الدير للقيام بدوره الديني - النهضوي على صعيد الكرسي الأنطاكي.  

انظر أيضاً "التضليل في تقارير LBCI عن الأرشمندريت بندلايمون":

http://www.amersemaan.com/2013/12/lbci.html

  

عامر سمعان ، باحث وكاتب
17/ 10/ 2013. تم آخر تنقيح لهذه المقالة في 27/ 12/ 2013.

الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

شهداء المسيح


     يقال إنه إثر دخول جبهة النصرة وزبانيتها إلى بلدة معلولا السورية في شهر أيلول الماضي حاولوا إجبار بعض الشبان تحت تهديد السلاح على إشهار إسلامهم، إلا أن ثلاثة من هؤلاء رفضوا وقالوا إنهم لن يتخلوا عن إيمانهم وإنهم يفضلون أن يموتوا على دين المسيح، فقاموا بقتلهم على الفور.
     في حال صح هذا الخبر يكون هؤلاء الشبان شهداء للمسيح. ففي الديانة المسيحية كل مَن يُقتَل لأنه رفض التخلي عن إيمانه المسيحي يُعتبَر من الشهداء القديسين ويكون موقعه في السماء إلى جانب الرب يسوع المسيح.
    فالمطلوب من المسيحي المجاهرة الدائمة بإيمانه حتى ولو أدى ذلك إلى فقدانه حياته أو حريته أو مصدر رزقه أو منصبه أو شهادته الجامعية أو صداقاته أو غيرها... أو حتى ولو أدى ذلك إلى مقتل أفراد عائلته أمام عينيه. "فكل مَن يعترف بي قدام الناس اعترف أنا أيضاً به قدام أبي الذي في السموات. ولكن من ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضاً قدام أبي الذي في السموات"... "من أحب أباً أو أماً أكثر مني فلا يستحقني. ومن أحب ابناً أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني. ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني. ومن وجد حياته يضيعها. ومن أضاع حياته من أجلي يجدها" (متى 10: 32، 39). "مَن استحى بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ فإن ابن الإنسان يستحي به متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين" (مرقس 8: 38).
     والعكس صحيح، أي إن المسيحي الذي يَعتنق ديانة أخرى أو يحاول إخفاء مسيحيته والتظاهر أنه من دين آخر أو أنه ملحد أو أن يَعتبِر أن كل الديانات هي صحيحة (وفق منطق "كل الطرق تؤدي إلى الطاحون")، بهدف النجاة بحياته أو حياة أفراد عائلته أو الحصول على أي مكسب دنيوي آخر، وفي حال توفي وهو على هذا الوضع، أي من دون توبة صادقة، فمصيره لن يكون إلى جانب المسيح بل في المقلب الآخر، أي في جهنم.
     لذلك، وفي حال صح ذلك الخبر حول شهداء معلولا، نتمنى أن تقوم الكنيسة بدراسة سريعة لهذا الوضع لكي يصار إلى إعلان قداستهم في أسرع وقت. كما نتمنى أن يكونوا قدوة لباقي المسيحيين في العالم العربي للثبات على إيمانهم...


عامر سمعان ، باحث وكاتب
16/ 10/ 2013

الشطارة اللبنانية


  في لبنان التحايل على القانون والنصب والاحتيال والغش... كل هذا يسمى شطارة.
     أيضاً في لبنان هناك أشكال أخرى من الشطارة، كمثل: الهجرة غير الشرعية، والفساد السياسي عندما يحاول السياسي أن يبيّض وجهَه مع المواطنين بغض النظر إن كانوا على حق أم على باطل، والفساد الإعلامي عندما يحاول الإعلامي أن يقوم بدوره بهذا الأمر...
     من الأمور التي ينشغل بها اللبنانيون في هذه الأيام هي غرق عبّارة كانت تنقل عشرات من اللبنانيين من المهاجرين غير الشرعيين من أندونيسيا إلى أستراليا، ما أدى إلى مقتل على الأقل 34 منهم.
     الناجون وأهالي القتلى اعتبروا أنفسهم مظلومين ووضع معظمُهم الحقَ على الدولة... الكثير من السياسيين والإعلاميين تضامنوا بدورهم معهم ووضعوا الحق على الدولة وعلى الوضع السياسي العام في البلاد وعلى الظروف الصعبة التي تدفع بالمواطنين إلى الهجرة وتعريض أنفسهم للخطر...
     الحقيقة التي يجب أن تقال هي أن ما قام به الذين حاولوا الهجرة، ومع كل الاحترام لأرواح المتوفين منهم، هو مخالفة للقوانين في أندونيسيا، وبعدها في أستراليا في حال كانوا قد تمكنوا من الوصول إليها، وإساءة للعلاقات بين لبنان وهاتين الدولتين وتشويه لسمعة لبنان، وأن السياسيين والإعلاميين الذي يحاولون إظهار التضامن معهم ما هم إلا عيِّنة من الفساد السياسي والإعلامي الذي يبتلي به لبنان.
     اللجوء غير الشرعي من بلد إلى آخر، له ما يبرره في حال وجود خطر مباشر يهدد حياة الإنسان، كمثل حالة الحرب أو المجاعة أو الأوبئة أو الكوارث الطبيعية، وعندما لا يكون بإمكانه اللجوء إلى أماكن آمنة في بلده أو الحصول على المساعدة من فئات ما فيه... في هكذا ظروف لا يبقى أمام الإنسان إلا اللجوء غير الشرعي إلى بلد آخر، وحيث الاعتبارات الإنسانية تحتم على سلطات وأبناء ذلك البلد تقديم المساعدة، على الأقل إلى أن يزول ذلك الخطر الموجود في البلد الأم.
     بالعودة إلى الذين حاولوا الهجرة غير الشرعية من شمال لبنان إلى أستراليا : فليس هناك من حالة حرب عامة في البلاد تهدد بشكل مباشر حياتهم، وليس هناك من مجاعة عامة في البلاد، وأي منهم هو ليس على درجة من الفقر تجعله مهدداً بالموت جوعاً بدليل أنه قد دفع ما بين تسعة إلى عشرة آلاف دولار لتأمين هذه الهجرة(بحسب ما تداولته الوسائل الإعلامية)، كما ليس هناك من أوبئة أو كوارث طبيعية أو غيرها من الأخطار التي قد تهدد حياتهم وحياة غيرهم من اللبنانيين...
     وإذ كان بعضهم قد اضطر إلى الاستدانة أو بيع قطعة أرض لتأمين العشرة آلاف دولار إلا أنه كان بإمكانهم استثمار هذا المبلغ في مشاريع عدة في مناطقهم أو في غيرها... وهناك عشرات الآلاف من اللبنانيين الذين تبقى أوضاعهم أكثر بؤساً منهم وليس عندهم أصلاً أية قطعة أرض ليبيعوها أو أي أحد ليدينهم أي مبلغ ليحسنوا به أحوالهم.  
     وبعد ... لماذا كل هذه الهمروجة ؟
     وهل إلى هذه الدرجة وصل الانحطاط الأخلاقي والفساد السياسي والإعلامي في لبنان ؟
     وهل أصبح السياسيون والإعلاميون في لبنان عاجزين حتى عن أن يسموا الأمور بأسمائها ويقولوا هذا حق وهذا باطل ؟
     وأين هم رجال الدين الذين يعظوننا كل جمعة وكل أحد في المساجد والكنائس ويحدثوننا عن الخير والحق والابتعاد عن الشر، لماذا هم صامتون ولا يقولون إن ما جرى هو هجرة غير شرعية ومخالفة للقوانين في اندونيسيا وأستراليا وإساءة لعلاقات لبنان مع هاتين الدولتين وتشويه لسمعة لبنان ؟
     على الأقل لا يزال يوجد في هذا البلد بعض الوجوه الخيّرة، كمثل الإعلامي طوني خليفة الذي تجرأ منذ أيام من على شاشة تلفزيون "الجديد" ليسير عكس التيار ويسمّي الأمور بأسمائها ويندد بكل هذه الهمروجة.




عامر سمعان ، باحث وكاتب
16/ 10/ 2013. تم آخر تنقيح لهذه المقالة في 1/ 11/ 2013.