ما يتضمنه كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" دراسات معمقة وغير مسبوقة في السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا؛ من بينها: أربع نظريات جديدة في الأنتروبولوجيا المجتمعية، وخطة لحلّ الأزمة في لبنان، وإستراتيجيا تعتمد وسائل المحاربة الإعلامية والسياسية والاقتصادية لهزيمة الولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية، والتي سيكون من نتائجها الاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور في العالم العربي ومعظم دول الجنوب.

الاثنين، 9 ديسمبر 2013

التضليل في تقارير LBCI عن الأرشمندريت بندلايمون

 
بعد القرار الصادر عن مطرانية جبل لبنان للروم الأرثوذكسي القاضي بمنع الأرشمندريت بندلايمون فرح رئيس دير سيدة حماطورة من أداء الخدمة الكهنوتية وإلزامه الإقامة في هذا الدير وإقفاله أمام الزوار تحت حجة قيامه "بارتكابات مخالِفة بشكل صارخ للقوانين الكنسية والتراث الرهباني" وتجاهله للمجلس التأديبي المكلف النظر بقضيته، وبعد توجّه العديد من محبي هذا الكاهن في 30/ 11/ 2013 إلى المقر البطريرك في البلمند للاحتجاج على هذا القرار؛ صدر تقريرٌ عن المحطة التلفزيونية LBCI مما ورد فيه: "الجدير بالذكر أن قضية الأرشمندريت بندلايمون تأتي بعد أشهر على كشف قضية الأب منصور لبكي، فهل بدأ عهد الإصلاح الكنسي ؟"؛ ومما ورد في تقرير آخر صدر عن هذه المحطة:" أما مضامين الردود في قضية الأب بندلايمون فتختصر بالتالي مؤامرة خطيرة على الكنيسة الأرثوذكسية من دون ذكر هوية المتآمرين".
الرد على هذه العبارات هو التالي:
 
- أولاً، حول التلميح عن أن ما حصل هو من ضمن حركة إصلاح في الكنيسة.
أ - يوجد فساد في الكثير من نواحي الكنيسة الأنطاكية الأرثوذكسية، يُلاحَظ في قسم ملحوظ من رجال الدين ومن العلمانيين الذين يعملون أو يخدمون في مؤسساتها الرعوية والتربوية والطبية وغيرها أو في الجمعيات الأرثوذكسية. فهؤلاء يتغطون بالرداء الديني خدمةً لمصالحهم الشخصية كتأمين لقمة العيش أو تحصيل الثروات والوصول إلى المناصب أو الوجاهة المحلية؛ ويصح وصفهم بأصحاب التيار الزمني، أي الذين الأولوية عندهم هي خدمة مصالحهم في هذا الزمن.
     بالطبع هذا الشكل من الفساد يوجد عند أية طائفة في أية ديانة وفي أي مكان وزمان؛ لكنه عند الطائفة الأرثوذكسية في لبنان وسوريا هو أكثر مما هو عند باقي الطوائف المسيحية والإسلامية في هذين البلدين. السبب في هذا هو أن هذه الطائفة تعيش حالة قلة تديّن أكثر مما هو الحال عند باقي هذه الطوائف. المقصود بقلة التديّن، أو الفتور الديني، هو قلة الاهتمام بالشأن الديني كمثل قلة توجّه المؤمنين لأداء الصلوات في الكنائس وقلة الالتزام بالصلوات الفردية في المنازل وقلة المنتسبين إلى الكهنوت والرهبنة وقلة التبرع لبناء الكنائس وللأوقاف وغيره. ووجود هذه الحالة من قلة التديّن في الأوساط الشعبية تعني أن المهتمين بالنهضة الدينية في هذه الأوساط هم أقلية وأن قدرتهم هي ضعيفة على محاسبة رجال الدين والذين يتولون المؤسسات التابعة للطائفة، فيزداد بالتالي وجود الفاسدين أو أصحاب التيار الزمني ضمن هؤلاء. والعكس صحيح، أي عند وجود حالة النهضة الدينية في الأوساط الشعبية فهي تعني أن المهتمين بهذه النهضة في هذه الأوساط هم أكثرية وأن قدرتهم هي قوية على محاسبة رجال الدين والذين يتولون المؤسسات التابعة للطائفة، فيقل بالتالي وجود الفاسدين أو أصحاب التيار الزمني ضمن هؤلاء. وهذه القاعدة تصح على أية طائفة في أية ديانة في أي مكان وزمان.
      حول أصحاب التيار الزمني في الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية، فمن ضمن ما صدر عنهم خلال النصف الثاني من القرن العشرين وصولاً إلى السنوات الأخيرة، هو التالي:
1 ) الكثير من القرارات التي تتعارض مع الإدارة الصحيحة للكنيسة في المجال الكهنوتي والعمل الرعوي والوقفي والمالي والتربوي وغيره.
2 )  كتابات وتصريحات ومواقف تعبِّر عن قلّة الخلافات بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية، أو تظهِر هذه الخلافات وكأنها مجرد خلافات سطحية أو خلافات سياسية تعود إلى الماضي البعيد لا تؤثِّر على الحياة المسيحية... في حين أنه، في واقع الأمر، لا يوجد شركة بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية والخلافات بينهما هي كبيرة وعميقة على مستويات العقائد والتعاليم والليتورجيا.
3 ) كتابات وتصريحات ومواقف تحاول أن تُظهِر أن الديانتين المسيحية والإسلامية كأنهما وجهين لعملة واحدة وأن ما يجمع بينهما أكثر مما يفرِّق. كمثل القول: إن محمد هو كأحد الأنبياء، وإن القرآن لم ينكر ألوهية المسيح، وإن عيسى المذكور في القرآن هو ليس المسيح، وإن الآيات القرآنية التي اعترفت بألوهية المسيح قد تم حذفها، وإن هناك آيات يمكن تفسيرها بشكل باطني ما يُظهِر ألوهية المسيح، وما إلى ذلك... في حين أن المسيحية الأرثوذكسية، في واقع الأمر، لا تعترف لا من قريب ولا من بعيد لا بنبوة محمد ولا بإنزال القرآن، وتعتبِر أن ما يفرِّق بين المسيحية والإسلام (كديانتين) هو أكثر مما يجمع، وفي نفس الوقت هي تدعو إلى احترام حقوق المسلمين وغيرهم من أبناء أية ديانة والتعاطف مع قضاياهم المحقة (كمثل القضية الفلسطينية) وتدعو إلى عدم التعالي عليهم أو الانعزال عنهم أو محاولة تهميشهم، وتعتبِر أن المحافظة على الوحدة الوطنية والتعايش بين الطوائف وتقبّل الآخر واحترامه والتعاطف معه في أي بلد لا تتم من خلال التلاعب بالعقائد والتعاليم الدينية التي تمت المحافظة عليها خلال الألفين سنة الماضية وتم تقديم الكثير من الشهداء والتضحيات في سبيل المحافظة عليها.         
 4 ) كتابات وتصريحات تذهب إلى أنه لا يوجد فرق بين الزواج الديني والزواج المدني... في حين أن المسيحية الأرثوذكسية هي أكثر مذهب ديني في التاريخ يشدد على قدسية الزواج (بالنظر إلى التعليم حول الحصول على النعمة الإلهية غير المخلوقة في سر الزواج كما في غيره من الأسرار الكنسية).
 5 ) تصريحات ومواقف تظهِر عدم احترام حياة الرهبنة أو قلّة الجدوى منها في سياق سَعي الإنسان لخلاص نفسه... في حين أن المسيحية الأرثوذكسية تشدد كثيراً على حياة الرهبنة وعلى أهميتها ليس فقط في خلاص أنفس مَن يسيرون في هذا الطريق بل أيضاً في حثّ وتشجيع باقي المؤمنين على زيادة التديّن والجهاد في حياتهم العلمانية للوصول إلى الخلاص.     
     هذه الحالة من قلَّة التديّن أو الفتور الديني في الكنيسة المسيحية الأرثوذكسية الأنطاكية، والتي من نتائجها ظهور أصحاب التيار الزمني داخلها، كما أظهرنا أعلاه، هي، بالطبع، لم تكن موجودة فقط خلال القرن العشرين بل أيضاً كانت موجودة منذ مئات السنين بسبب ظروف عدة لا يتسع المجال لها هنا. إلا أنه في النصف الثاني من القرن العشرين ابتدأت نهضة دينية خجولة داخل هذه الكنيسة لم تلبث أن أصبحت ملحوظة خلال التسعينات؛ لكنها لا تزال صغيرة جداً مقارنة بالنهضة الدينية الموجودة عند الموارنة وعند الطوائف الإسلامية.
ب - عند التحدث عن هذه النهضة في الكنيسة الأرثوذكسية، فإن الأرشمندريت بندلايمون فرح هو أحد أبرز الوجوه في هذه النهضة وهو أحد المنارات الروحية في الكنيسة الأنطاكية ويصح فيه القول الإنجيلي "من ثمارهم تعرفونهم". فقد نمت تحت رعايته في دير حماطورة رهبنة ناشطة تجاوزت خمسة عشر راهباً (وهو رقم كبير مقارنة بأوضاع الطائفة الأرثوذكسية)، ويقصد الديرَ الآلافُ من المؤمنين من لبنان وخارجه لتلقي الإرشاد والاعتراف والأبوة الروحية هذا دون التحدث عمن يقصدونه للصلاة، وقد تم الكشف عن رفات قديسين شهداء في الدير أثناء فترة رئاسته، وقام، أي الأب بندلايمون، بتعميد العشرات من المسلمين في الدير الذين اهتدوا إلى المسيحية (لم أتمكن من معرفة الرقم بالتحديد)، ويمكن الملاحظة بسهولة أن المؤمنين الذين يتواجدون في محاضراته في الرعايا أكبر من الذين يتواجدون في محاضرات غيره من الكهنة ما يدل على مكانته المميزة عندهم... هذا دون التحدث عن النشاطات التربوية الدينية التي تتم في الدير من إصدار مطبوعات وأقراص مدمجة، وعن استصلاح الأراضي الزراعية والمشاريع العمرانية وغيره...
ج - لما كان الأب بندلايمون هو أحد أبرز وجوه النهضة في الكنيسة، فمن الطبيعي أن يكون أحد أهم المرشحين لخلافة المطران جورج خضر على أبرشية جبل لبنان.
     منصب المطران في لبنان، وما شابهه من مناصب القيادات الروحية في الطوائف المسيحية والإسلامية، يأخذ أهمية اجتماعية وسياسية أكثر من الأهمية التي يأخذها هذا المنصب في معظم بلدان العالم، بسبب نظام الطائفية السياسية في لبنان ووجود هذا البلد في منطقة متوترة من العالم. أي إن المطران في لبنان يكاد يكون أهم من نائب أو وزير. لهذا السبب، وأيضاً بالنظر إلى الأوضاع السيئة للطائفة الأرثوذكسية التي ذكرناها أعلاه، فإن الكثير من الأطراف السياسية داخل لبنان وخارجه درجت خلال القرن العشرين، وحتى قبله، على التدخل في محاولات التأثير على انتخاب المطارنة والبطاركة الأرثوذكس.
د - بالنظر إلى ما تقدم يصبح هناك ترجيح أن جهة ما، من ضمن مَن وصفناهم بأصحاب التيار الزمني أو غيرهم، قد زوَّرت الأدلة التي بُنيَت عليها التهم الموجّهة إلى الأب بندلايمون والقرار الصادر بحقه عن المطرانية، بهدف استبعاده عن أن يصبح مطراناً، وتكون الدوافع المحتمَلة لذلك هي التالية:
 1 ) إيصال مطران يكون من ضمن أصحاب التيار الزمني فيغطي على فسادهم أو يشارك فيه فيما يتعلق بمصالحهم الشخصية كمثل الأمور المالية والوصول إلى المناصب وما شابه.
2 ) إيصال مطران يكون من ضمن أصحاب هذا التيار أو متجاوباً معهم فيما يتعلق بالاختلافات بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية أو بالاختلافات بين المسيحية والإسلام أو بموضوع الزواج المدني أو بموضوع الرهبنة... فيعمل على أن "يطريها" أو "يلفلفها" في هذه المواضيع.
3 ) إيصال مطران يكون من ضمن توجُّه سياسي معيّن فيما يتعلق بالأوضاع في لبنان وسوريا، أو ضعيفاً إلى درجة يمكن وضعه في هذا التوجّه؛ بالنظر إلى أهمية الدور السياسي الذي من الممكن أن تلعبه مطرانية جبل لبنان اعتماداً على موقعها وامتدادها الجغرافي.
هـ - هناك مسألة أخرى مهمة وهي أن الأراضي التابعة لأوقاف دير حماطورة هي من أجمل المناظر الطبيعية في لبنان، إن لم نقل أجملها. ما يعني أن مشاريع سكنية فخمة أو سياحية فيها ستكون مربحة جداً.
     من حيث المبدأ لا شيء يمنع من تقام هكذا مشاريع مربحة على أراضي الأوقاف، حتى بالاشتراك مع رجال أعمال من خارج الطائفة، طالما أن هذه الأراضي ستبقى ملكيتها من ضمن الأوقاف، أي إنها لن تباع. لكن مع وجود رهبنة متنامية وناشطة ومع وجود دير له نشاطه الديني - النهضوي على صعيد الكرسي الأنطاكي، يصبح من الصعب الجمع بين تلك المشاريع من جهة وبين هذه الرهبنة وهذا النشاط للدير في نفس المكان. بالتالي، مَن كان همُّهم النهضة الدينية ستكون الأولوية عندهم لبقاء هذه الرهبنة وهذا النشاط للدير وأن تقام تلك المشاريع في أماكن أخرى من الأوقاف، ومَن كان همُّهم الأرباح المادية والوجاهة و"التنفيعات"، أي أصحاب التيار الزمني، ستكون الأولوية عندهم هي هذه المشاريع.
     وبناءً عليه يوجد احتمال أن يكون الهدف من التهم الموجَّهة إلى الأب بندلايمون هو إبعاده مع رهبانيته عن هذه المنطقة تمهيداً للطريق أمام هكذا مشاريع.
     لا بد من الإشارة هنا إلى أن بعض محبي الأب بندلايمون يعملون على الترويج لفكرة أن الهدف من التهم الموجَّهة إليه هو إبعاده بهدف بيع قسم من أراضي أوقاف حماطورة. هذه الفكرة، ومع الاحترام للذين يعملون على ترويجها، هي غير واقعية وغير منطقية، والسبب بسيط وهو أن أي بيع لأراضي الأوقاف يحتاج إلى الموافقة الشخصية للبطريرك بحسب القوانين في الكرسي الأنطاكي؛ والبطريرك الحالي، معروف عنه، لدى القريب والبعيد، غيرته وقداسته وهمُّه النهضوي، أي إنه أبعد الناس عن التفريط بأراضي الأوقاف أو بحياة الرهبنة في أي دير.
و - باختصار، في ظل قوة أصحاب التيار الزمني في الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية، فإن أي قرار يصدر بحق أي رجل دين من الذين عندهم نشاط نهضوي ملحوظ، وسواء أصدر هذا القرار عن مرجعية دينية أم عن مؤسسة ضمن الطائفة أم عن جمعية دينية، يكون تلقائياً موضع شك في مصداقيته.
    مع التنبيه، إلى أنه في حال صدور هكذا قرار عن مرجعية، أي مطران أو بطريرك، فليس بالضرورة أن تكون هذه المرجعية هي من ضمن التيار الزمني، بل من المحتمل أن تكون الدائرة المحيطة بها هي الفاسدة وتستغل ضعف أو عجز أو مرض أو شيخوخة المطران أو البطريرك لحمله على إصدار هكذا قرار. وهناك عدة سوابق في هذا الإطار في الكنيسة الأرثوذكسية (انظر مثلاً الطريقة التي تم بها عزل القديس نكتاريوس عن منصبه).
     وفي حال كان رجل الدين، الصادر بحقه هكذا قرار، هو من أهم المرشحين لكي يصبح مطراناً أو كانت إزاحته ستفتح المجال أمام مشاريع اقتصادية ضخمة ومربحة، فإن الشك بمصداقيته سيكون أكبر بكثير.
 
- ثانياً، حول وضع قضيتي الأب بندلايمون والأب لبكي في نفس خانة الإصلاح الكنسي.
     أولاً، وكما أصبح معروفاً، فإن الأب لبكي (ومع كل الاحترام له) قد صدر حكمٌ بحقه من محكمة استئناف، بينما الأب بندلايمون لم يصدر بعد بحقه حتى حكم بدائي.
     لكن المسألة هي أبعد من ذلك؛ فالأب بندلايمون ينتمي إلى الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية التي هي واحدة من ضمن عدة كنائس أرثوذكسية في العالم، تُعرَف جميعها بالكنيسة الأرثوذكسية؛ بينما الأب لبكي ينتمي إلى الكنيسة المارونية التي هي من ضمن الكنيسة الكاثوليكية. وكما ذكرنا أعلاه، أنه لا يوجد شركة بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية ويوجد خلافات كبيرة وعميقة بينهما على مستويات العقائد والتعاليم والليتورجيا.
     إضافة، ولما كانت الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية تعيش حالة فتور ديني ممتدة منذ مئات السنين؛ فإن الكنيسة المارونية هي على العكس من ذلك، أي إنها تعيش حالة نهضة دينية ممتدة منذ مئات السنين، الأمر الذي يعود أساساً (من الناحية السوسيولوجية) إلى وجود عامل الربط بين الدين والقومية عند الموارنة. فكان يوجد عند الموارنة، ومنذ مئات السنين، كثرة توجّه المؤمنين لأداء الصلوات في الكنائس، كثرة المنتسبين إلى الكهنوت والرهبنة، كثرة التبرع للكنائس والأوقاف ("مال الروم للبطون ومال الموارنة للخوارنة")، دور ديني وسياسي وقيادي للبطريرك، غطاء ديني لتحركات سياسية استقلالية، وغيره...
     المقصود مما تقدم أنه هناك اختلافات كثيرة ومتنوعة وعميقة بين الكنيسة الأنطاكية الأرثوذكسية والكنيسة المارونية. فهما ليستا كنيسة واحدة لكي يصح وضع قضيتي الأب بندلايمون والأب لبكي في نفس خانة الإصلاح الكنسي. كما أنه لا يوجد بين هاتين الكنيستين حالة غزل متبادل وتنسيق وتعاون لكي يتبع أيَّ قرار إصلاحي من هنا قرارٌ إصلاحي من هناك، ويصح بالتالي وضع هاتين القضيتين في نفس هذه الخانة. كما لا يوجد بين هاتين الكنيستين حالة هيمنة وتبعية لكي تكون إحداهما مضطرة لأن تتبَع الأخرى في قراراتها الإصلاحية، ويصح أيضاً وضع هاتين القضيتين في نفس هذه الخانة.
 
- ثالثاً، حول السخرية في تقرير LBCI عن فكرة وجود مؤامرة تستهدف الكنيسة الأرثوذكسية أو الأب بندلايمون.
      إن أي شخص في العالم لديه الحد الأدنى من الاطلاع على تاريخ المسيحية، لن يغفل عنه كيف كان الكثير من القديسين فيها ومن رجال الدين الذين يخدمون الكنيسة بإخلاص، ومنذ نشأة المسيحية، يتعرضون لمؤامرات، إما من قبل المسيحيين أنفسهم أو من قبل غيرهم.
     إن السخرية من فكرة وجود المؤامرة في قضية الأب بندلايمون، لو كانت قد صدرت عن شخص لا يعرف شيئاً عن تاريخ المسيحية أو يعيش في بلد لا يوجد فيه مسيحيون، فلا يكون هذا بالأمر العجيب الغريب. لكن عندما تصدر هذه السخرية من مؤسسة كمثل LBCI والتي توجد في بلد لديه تاريخ مسيحي ممتد منذ نشأة المسيحية، فهذا الأمر هو بالعجيب الغريب.
 
- رابعاً، الخلاصة. 
أ - إن ما ورد في تقارير LBCI عن الأب بندلايمون من المستبعَد أن يكون قد تم عن عدم انتباه أو جهل أو قلة تفكير. المرجَّح أنه هناك تضليل إعلامي مقصود من قبل هذه المؤسسة لجعل الرأي العام، داخل لبنان وخارجه، يصل إلى إدانة الأب بندلايمون في التهم الموجَّهة إليه بغض النظر عن أية محاكمة قد تُجرى.
     ما نقصده بالتضليل الإعلامي هو التركيز على نقاط قليلة وصغيرة وغير مهمة أو غير محورية في المسألة المعنية وتكبيرها وإظهارها على أنها هي المهمة والمحورية، وفي نفس الوقت تجاهل نقاط كثيرة وكبيرة ومهمة أو محورية؛ وذلك بهدف تضليل الرأي العام وجرّه إلى اتجاه معيّن فيما يتعلق بالمسألة المعنية.
     هدف LBCI من هذا التضليل الإعلامي قد يكون اجتذاب أكبر عدد من المشاهدين من خلال الإثارة الإعلامية أو السبق الصحفي القائمَين على هذا التضليل؛ أي ما يصح وصفه بقلة أخلاق مهنية؛ أو قد يكون لديها أهداف أخرى. 
ب - في المفاهيم العالمية المعاصرة، أي منذ النصف الثاني من القرن العشرين ولغاية الآن، فإن أبشع تهمة قد توجَّه إلى أي رجل هي الشذوذ الجنسي نحو الرجال وخاصة عندما تتعلق بالتحرش بقاصر. وهي التهمة الأهم الموجَّهة إلى الأب بندلايمون بحسب ما ورد في أحد تقارير LBCI. وعندما يكون الذي توجَّه له هذه التهمة هو رجل دين ورئيس دير للرهبان فإن هذه التهمة تصبح أكثر ما يمكن من البشاعة.
     رجال الدين والرهبنة الأرثوذكس الذين في لبنان وسوريا، وكما هو معروف، هم من ضمن كنيسة واحدة وإدارة واحدة، والتي هي الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية.
     عندما تقوم LBCI بإثارة موضوع الأب بندلايمون والتضليل الإعلامي فيه لحمل الرأي العام داخل لبنان وخارجه على إدانته بالتهمة التي هي الأكثر بشاعة في المفاهيم العالمية المعاصرة، وعندما تقوم بالنفخ في هذه الضجة، فمما سينتج عنها هو تشويه لسمعة مجمل رجال الدين والرهبنة الأرثوذكس في لبنان وسوريا؛ وبالتالي فإن الاهتمام سيقل بمصير المطرانين المختطفَين والراهبات المختطفات في سوريا أو بأية جرائم أخرى قد تطال رجال الدين أو الرهبنة الأرثوذكس في هذا البلد. وبكلمة أدق، فإن أي تنديد بهذه الجرائم ستقل فاعليته في ظلّ هكذا ضجة.
ج - أخيراً، بناءً على كل ما تقدَّم المفترَض بالمؤسسات الإعلامية التي تريد تناول موضوع الأب بندلايمون أن تتناوله بموضوعية ومنهجية صحيحة وأخذ ما ورد في هذه المقالة بعين الاعتبار. 
 
 
عامر سمعان ، باحث وكاتب
9/ 12/ 2013
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق