ما يتضمنه كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" دراسات معمقة وغير مسبوقة في السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا؛ من بينها: أربع نظريات جديدة في الأنتروبولوجيا المجتمعية، وخطة لحلّ الأزمة في لبنان، وإستراتيجيا تعتمد وسائل المحاربة الإعلامية والسياسية والاقتصادية لهزيمة الولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية، والتي سيكون من نتائجها الاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور في العالم العربي ومعظم دول الجنوب.

الثلاثاء، 11 أغسطس 2015

النووي الإيراني، خلفيته ونتائجه


      ما سنوضحه هنا هو عن حقيقة المصلحة الأمريكية في التوصل إلى الاتفاق على النووي الإيراني، وكيف أن نتائجه ستكون إما جعل إيران تحت المظلة الأمريكية وإما الحرب الأهلية فيها، إضافة إلى تزايد كبير في الضغوطات العسكرية على حلفائها في المنطقة... كما سنوضح أن أحد أفضل الخيارات المتاحة أمام إيران هي في اتِّباع سياسة تحدِّي المجتمع الدولي والمجاهرة بامتلاك السلاح النووي.

1 - الحجج المقدَّمة لتبرير قبول الولايات المتحدة التفاوض مع إيران حول النووي.
     ملخَّص الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين إيران والست الدول في 14/ 7/ 2015 في فينا، هو تقليص برنامج إيران النووي إلى الحدّ الذي سيكون من الصعب عليها إنتاج السلاح النووي على الأقل في العشر السنوات القادمة، والعمل بالإجراءات المشدَّدة والكفيلة بسهولة وسرعة كشفها لدى محاولتها ذلك؛ مقابل الإلغاء التدريجي للعقوبات الاقتصادية عليها المتعلقة ببرنامجها النووي من قبل مجلس الأمن والولايات المتحدة والدول الأوروبية.
     قبل هذا الحدث وفور التوقيع على إطار هذا الاتفاق في شهر نيسان في لوزان، حتى هلَّل الكثيرون له من مناصري إيران، في داخلها وخارجها، معتبرينه نصراً تاريخياً لها سيحقق لها نهوضاً اقتصادياً كبيراً ويجعلها دولةً فاعلةً إقليمياً ودولياً، أو اعترافاً بها بكونها هكذا دولة قوية...     
     سنقوم أولاً بعرض الحجج التي قدَّمها هؤلاء لتبرير قبول الولايات المتحدة التفاوض مع إيران حول برنامجها النووي، ودَحض كل منها؛ ثم سنظهر الخطأ في هذا التفاؤل وفي تصوير هذا الاتفاق على أنه نصر تاريخي لإيران؛ ثم سنتطرق إلى باقي المواضيع.         
- الحجة الأولى، هي أن إيران قد أصبحت دولةً قويةً وغنيةً وفاعلةً إلى الحدّ الذي لم تعد فيه الولاياتُ المتحدةُ قادرةً على تجاهل وجودها وعدم التعاون معها مما دفعها إلى التفاوض معها، وبالتعاون مع باقي الدول، للتوصل إلى الاتفاق النووي.
الردّ: هذا المنطق يصحُّ فقط في حال كانت إيران قد أصبحت قويةً وفاعلةً كمثل روسيا أو الصين، أو في حال أصبح الاقتصادُ الإيراني قادراً على منافسة الاقتصاد الأمريكي؛ في هكذا حالات يصح القول إن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على تجاهل إيران. لكن طالما هي لا تزال قادرة على فرض العقوبات الاقتصادية عليها وخنقها اقتصادياً ومحاصرتها سياسياً وعسكرياً في الشرق الأوسط، فتكون هذه الحجةُ مفتقدةً تماماً للمنطق.
- الحجة الثانية، هي أن الولايات المتحدة تريد أن تتعاون مع إيران، كما مع باقي حلفائها التقليديين في المنطقة، لحلّ المشاكل السياسية والأمنية في الشرق الأوسط وإحلال السلام فيه، لذلك قررت التوصل معها إلى الاتفاق النووي.
الردّ: مصلحة الولايات المتحدة، ومصلحة حلفائها الأساسيين من الدول الأوروبية الاستعمارية وإسرائيل، هي ليست في حصول السلام في الشرق الأوسط حتى مع الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها. لأنه في هذا الوضع فستشهد الدولُ العربيةُ نمواً اقتصادياً وتطوراً سريعَين سيجعلان من العالم العربي قوةً فاعلة وقوية على المستوى العالمي، وبالنتيجة، ستتجرأ هذه الدولُ على المطالبة بمحاسبة الولايات المتحدة والدول الاستعمارية الأوروبية على كل ما ارتكبته من أخطاء وجرائم في هذه المنطقة (كمثل احتلال العراق في 2003 وغيره)؛ كما ستتجرأ على محاصرة إسرائيل وعزلها وخنقها اقتصادياً والمطالبة بمحاسبتها على معظم أخطائها وجرائمها...
     من جهة أخرى، يكون الصحيح هو القول إن مصلحة الولايات المتحدة وحليفاتها من الدول الأوروبية الاستعمارية وإسرائيل هي في استمرار التقاتل بين الدول العربية ببعضها، وبينها وبين إيران، وبين السُنة والشيعة، وبين الأنظمة الحاكمة والتنظيمات المتطرفة الإسلامية؛ بهدف إضعاف هذه الأنظمة والهيمنة عليها وتنشيط الصناعة العسكرية الأمريكية، والإبقاء على الفكرة التي تروِّج لإسرائيل كجزيرة آمنة وديمقراطية في هذه المنطقة...
     يعني من السذاجة القول إن الولايات المتحدة تريد التعاون مع إيران لحلّ المشاكل في الشرق الأوسط والوصول إلى السلام ولهذا السبب هي قد رضيَت بالتوصل إلى الاتفاق على النووي.
- الحجة الثالثة، هي أن الولايات المتحدة تريد أن تتعاون مع إيران لحلّ قسم من المشاكل السياسية والأمنية في الشرق الأوسط أي حيث بإمكان إيران أن تكون فاعلة ومؤثرة، ولذلك قررت التوصل معها إلى الاتفاق النووي.
الردّ: هذه الحجة هي صحيحة لكن منقوصة. إذا افترضنا أن الولايات المتحدة تريدُ التعاونَ مع إيران لحلّ مشكلة ما في بلد معيَّن في المنطقة؛ فوفق أية مصلحة ستعمل على حلِّها ؟ أي هل ستعمل على حلِّها وفق مصلحتها أم وفق المصلحة الإيرانية أم وفق مصلحة هذا البلد أم وفق ما هو حق وعدل أم ماذا ؟ الجواب، هو أنها بالطبع ستعمل على حلِّها وفق مصلحتها.
     وهذا يعني أنها، أي الولايات المتحدة، من بعد الاتفاق النووي مع إيران وفي حال أصبحت هذه الأخيرة تحت مظلتها أو حليفة لها... عندها فقط يصح القول إنها ستتعاون معها لحلّ قسم من المشاكل السياسية والأمنية في الشرق الأوسط. أما كيف من الممكن أن تصبح تحت مظلتها أو حليفة لها فسنوضح هذا الأمر لاحقاً.
- الحجة الرابعة، هي أن تنظيم داعش قد أصبح يشكل خطراً حقيقياً على المصالح الأمريكية والغربية في الشرق الأوسط أو على إسرائيل، ولهذا فالولايات المتحدة قررت التوصلَ مع إيران إلى اتفاق حول برنامجها النووي لكي تتعاون معها في القضاء على داعش.    
الردّ: حالياً، تنظيم داعش لا يزال بعيداً على أن يشكل هكذا خطر على هذه المصالح. وإذا افترضنا أن هذا قد حصل مستقبلاً فتكون المصلحة الأمريكية ليست في التطبيع مع إيران والتحالف معها لمحاربة داعش، لأن هذا من شأنه أن يعزز ادعاءات داعش وغيره من التنظيمات السُنية المتطرفة بأن الشيعة هم من أعداء السُنة الأساسيين إلى جانب الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، أي من شأنه أن يقوِّي وينمِّي القاعدةَ الشعبية لداعش ولهذه التنظيمات على امتداد العالم الإسلامي السُني، أي أن يقوِّي وينمِّي هذه التنظيمات...
     فتكون مصلحة الولايات المتحدة فيما يتعلق في محاربة داعش هي في التعاون مع تركيا والدول الخليجية وغيرها العربية والإسلامية الداعمة لهذه التنظيمات، أو في الضغط على هذه الدول، لكي توقف أي دعم مقدَّم من قبلها، أو من قبل رعاياها، إليها وتوقف أية وسائل إعلامية على الانترنت أو غيره وتصادر الكتب والمنشورات الداعمة لها وتمنع أية فتاوى تصبّ في مصلحتها وتوقف الشيوخ الداعمين لها وتُصدِر التشريعات المناسبة في هذا الإطار وما شابه...
     بالطبع، هذه ليست الطريقة الأفضل لمحاربة داعش، فهذه التنظيمات الأصولية التكفيرية ستبقى وتقوى وتنمو طالما الولايات المتحدة باقية كقوة عظمى في العالم، كونها تستمد شرعية وجودها من تقديم نفسها كمدافعة عن المسلمين في وجه السياسات الغربية العدائية... ونحن هنا نبيِّن فقط الطريقة الأصح لتحجيم داعش وأخواتها بما يتناسب مع مصلحة الولايات المتحدة هذا في حال كانت هذه الدولة لديها رغبة صادقة في محاربة هذه التنظيمات... أما أن تتم محاربة داعش وأخواتها من خلال تحالف أمريكي - إيراني فهذا يدل إما على غباء إستراتيجي كبير أو نفاق كبير.  
- الحجة الخامسة، هي أن اهتمام الولايات المتحدة الأول لم يعد في الشرق الأوسط بل في منطقة شرق آسيا وهي تريد الخروج تدريجياً من الشرق الأوسط والتفرغ للاهتمام بتلك المنطقة، ولهذا هي تريد التوصل للاتفاق النووي مع إيران من ضمن ترتيباتها للخروج من هذه المنطقة.           
الردّ:
      أولاً، مكانة إسرائيل عند الولايات المتحدة هي استثنائية وفائقة الأهمية، وهذا يعود أساساً إلى معتقَد دِيني (المسيحية الصهيونية) موجود عند عشرات الملايين من الشعب الأمريكي الذين يعتقدون أن وجود إسرائيل هو تمهيد للمجيء الثاني للمسيح، حيث سيحكم العالمَ كملك أرضي من أورشليم لمدة ألف عام قبل أن تتحقق القيامة، وأن تقديم كافة أشكال الدعم لها هو واجب ديني، وأن الله قد كافأ الولاياتَ المتحدةَ بجعلها أغنى دولة في العالم لأنها تساعد إسرائيل؛ وهذا وفق تفسيرهم الخاص لما جاء في التوراة وفي سفر الرؤيا في الإنجيل... فيكون التحالف التاريخي بين الولايات المتحدة وإسرائيل هو إلى أبعد ما تكون الحدود. ويصح القول إن إسرائيل هي دولة مستقلة من الناحية السياسية لكنها من الناحية الإستراتيجية هي بمثابة ولاية من الولايات الأمريكية وأن دفاع الأمريكيين عنها لا يقل عن دفاعهم عن أية ولاية أمريكية أخرى. وهذا السبب هو كافٍ لوحده لجعل الولايات المتحدة، طالما هي موجودة في هذا العالم، واضعةً كل قوتها في هذه المنطقة.
     ثانياً، بالنظر إلى التورط العميق والكبير للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والانقسام الكبير في هذه المنطقة بين الموالين والمعادين لها، فلا أحد في هذه المنطقة بإمكانه أن يَتقبَّل انسحابها منها بهدوء وببساطة. وقد يترتب على ذلك معاداة كبيرة لها أو سياسات انتقامية وما شابه حتى من قبل الفريق الموالي لها.
     ثالثاً، بالنظر إلى اعتبارات النفط في هذه المنطقة والاستثمارات العربية الكبيرة في الداخل الأمريكي، أيضاً لا يصح القول إن الولايات المتحدة تريد الانسحاب بهدوء وببساطة من هذه المنطقة.
- الحجة السادسة، هي أنه من الأفضل لإيران ولكل هذه المنطقة، أن يتم التوصل إلى اتفاق على برنامجها النووي، وإلا البديل سيكون الحرب بينها وبين الولايات المتحدة وإسرائيل.
الردّ: تهديدات الإسرائيليين أو الأمريكيين بشن الحرب على إيران، أو قصف مفاعلاتها النووية، تحت حجة منعها من امتلاك السلاح النووي هي تهديدات فارغة وليست سوى حرباً إعلامية لتبرير الضغوطات عليها ومحاصرتها.
     إذا افترضنا أن إيران أنتجت بالفعل القنبلة النووية، فماذا بإمكان هذه القنبلة أن تفعل مقابل 400 رأس نووي عند إسرائيل، بما فيها القنابل النيوترونية والهيدروجينية، عدا عن برامجها للأسلحة الجرثومية والكيميائية ؟ وكيف من المعقول أن تستخدم إيران السلاح النووي ضد إسرائيل وتعريض ملايين العرب داخل إسرائيل وبالقرب منها للخطر ؟ إضافة، لما كانت إسرائيل من الناحية الإستراتيجية هي بمثابة ولاية من الولايات الأمريكية، فهذا يعني أن أية حرب نووية ضدها هي أيضاً حرب ضد الولايات المتحدة بذاتها.
     أي إنه لو قامت إيران بالفعل بإنتاج السلاح النووي فهو لن يكون إلا سلاحاً ردعياً فقط.
     إضافة، لن تتجرأ إسرائيلُ، ولا الولايات المتحدة، على شن الحرب على إيران. لأن التهديد الحقيقي لإسرائيل هو في قوة إيران الصاروخية وغيرها من الأسلحة التقليدية التي بإمكانها لا تبقي "حجراً على حجر" في إسرائيل. إذا كان الإسرائيليون يحسبون للحرب مع حزب الله ألف حساب، فكيف إذاً ستكون حربهم مع إيران ؟
     فهذه الحجة هي خطأ بدورها. 
- الحجة السابعة، هي أن إيران، ومن دون الاتفاق النووي، كانت ذاهبة إلى امتلاك القدرة على تصنيع القنبلة النووية خلال أشهر أو سنتين كحد أقصى؛ بالتالي، تكون مصلحة الولايات المتحدة هي في التأخير في امتلاكها لهذه القدرة على الأقل حتى عشر سنوات. أي كما هو الحال حين العمل بالاتفاق.
الردّ، كما أوضحنا أعلاه، في حال امتلاك إيران للسلاح النووي فهذا سيكون فقط سلاحاً ردعياً. كون الإيرانيين هم ليسوا مجانين لكي يستخدموه ضد إسرائيل وتعريض بلادهم لمحرقة نووية لا تبقي فيها إلا الرماد... مشكلة الولايات المتحدة وإسرائيل هي ليست في امتلاك إيران سراً للسلاح النووي، بل مشكلتهما هي في المجاهرة في امتلاكها لهذا السلاح لأن هذا قد يجعل منها إحدى القوى العظمى على الساحة العالمية... كما سنرى لاحقاً. فهذه الحجة هي خطأ بدورها.
- الحجة الثامنة، هي أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية الغربية ستستفيد كثيراً من الناحية الاقتصادية من الاتفاق النووي مع إيران بالنظر لما يفتح من مجالات التعاون الاقتصادي معها.
الردّ، هذه الحجة هي صحيحة لكن منقوصة، فمن غير المنطقي أن يكون هدف الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين هو فقط الاستفادة الاقتصادية، كون استفادة إيران الاقتصادية نسبةً إلى أوضاعها الخاصة ستكون أكبر بكثير؛ وكنتيجة ستكون قادرة على معارضة سياساتهم بشكل أكبر وأكثر فعالية. بالتالي، يكون الصحيح هو القول إن الهدف الأساسي للولايات المتحدة وحلفائها هو الاستفادة الاقتصادية إضافة إلى ما يضمن أن تصبح إيران غير قادرة على معارضتهم أو حليفة لهم أو تحت مظلتهم... وهذا ما سنوضحه أدناه.     
  
2 - السبب وراء قبول الولاياتُ المتحدة التفاوض مع إيران للتوصل إلى الاتفاق النووي ؟    
     الجواب هو أنه لما كانت الولايات المتحدة غير قادرة على احتلال إيران عسكرياً كما جرى في العراق وإسقاط نظام صدام حسين، وغير قادرة على تدميرها بحرب أهلية طاحنة كما يجري في سوريا، وغير قادرة على تغيير النظام فيها على طريقة التظاهرات السلمية في "الربيع العربي" كما جرى في تونس ومصر؛ فلا يبقى إلا أن تتصالح معها وتُغريها بالدخول إلى "الجنة الاقتصادية الغربية والأمريكية"، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى نمو فئة شعبية كبيرة فيها تكون موالية للسياسة الأمريكية. ما سيترتب عليه إما أن تستولي على السلطة وإما أن تدخل في حرب أهلية مع الفئة الإيرانية الأخرى.
     لتوضيح هذا الأمر، سنتطرق إليه في مقاربة سوسيولوجية (أنتروبولوجية) مبسَّطة وموجَزة:
- أولاً، الولايات المتحدة هي الدولة الأقوى اقتصادياً وعسكرياً في العالم والمتربعة على قمة المجتمع الدولي، أي صاحبة الزعامة العالمية الأكبر والتي معظم أنظمة الحكم في العالم هي موالية لها.
- ثانياً، الظواهر الثقافية الأمريكية هي الأقوى والأكثر انتشاراً في العالم؛ كمثل: المفردات اللغوية الأمريكية، والأفلام السينمائية، واللباس (الجينز)، والمأكولات (البيتزا، الهامبرغر، المشروبات الغازية)، والموسيقى... هذا الانتشار لهذه الظواهر يعود إلى كونها موضعاً للتشبه والاقتداء من قبل معظم شعوب العالم، وهذا يعود بدوره إلى كونها على قمة المجتمع الدولي. أي إن أية دولة تكون على قمة المجتمع الدولي فسيكون بعض ظواهرها الثقافية موضعاً للتشبه والاقتداء من قبل معظم الشعوب.
- ثالثاً، في كل دولة في العالم، وفي كل مدينة أو قرية، يوجد انقسام في أفرادها بين مَن هم موالين للسياسة الأمريكية ومَن هم معارضِين لها. الموالون لها، يعتبرون أنها ستجلب الازدهار والتطور إلى بلدهم (أو ستحافظ أو تزيد منها في حال كانت متوفرة سابقاً فيه) وإلى كل بلدان العالم. أما المعارضون لها، فهم يعتبرون إنها لن تجلب إلا الحروب والمآسي إلى بلدهم كما إلى كل بلدان العالم.
     وبحسب هؤلاء الموالون، فإن جلبها للازدهار والتطور إلى أي بلد لن يتحقق في حال كان على عداوة معها، بل من المنطقي أن يتحقق فقط في حال كان متصالحاً معها أو موالياً أو حليفاً لها... فكلما زادت هذه المصالحة أو الموالاة أو التحالف زاد هذا الجلب للازدهار والتطور... ومن الطبيعي أنه إذا كان النظام الحاكم في بلد ما معادياً لها وكانت الحريات السياسية غير متوفرة فيه، أن يكون هذا الفريق الموالي فيه أقل في العدد وأن لا يتجرأ المنتمون إليه على الإعلان عن أنفسهم أي عن قناعاتهم من السياسة الأمريكية.     
     هذا الانقسام بين الموالين والمعارضين لسياسة الولايات المتحدة يعود بدوره إلى كونها على قمة المجتمع الدولي؛ أي إن أية دولة أخرى تكون على قمة هذا المجتمع فسيكون أيضاً هناك انقسام لدى أفراد أي مجتمع في العالم بين موالين ومعارضين لسياستها.
     بالعودة إلى الاتفاق على النووي الإيراني، فما يعنيه هذا الأمر هو أنه بعد إقراره فإن حالة العداء السابقة التي كانت قائمة بين إيران والولايات المتحدة ستنتهي وسيكون مكانها حالة المصالحة بينهما والتي سيترتب عليها، كنتيجة لرفع تلك العقوبات عن إيران، النمو الاقتصادي والازدهار فيها، وبالتالي التسريع في التطور...
     وهذا الوضع سيكون إثباتاً على صحة وجهة نظر الفريق الموالي للولايات المتحدة في الداخل الإيراني والذي، بالطبع، لا يزال غير معلِن عن نفسه. والتي هي نفسها وجهة نظر الفريق الموالي لها (أي الولايات المتحدة) في كل أنحاء العالم والذي يعتبر أن مصالحة أو موالاة أو تحالف بلده معها ستؤدي إلى جلب الازدهار والتطور إليه (أو إلى المحافظة أو الزيادة منهما في حال كانا متوفرين سابقاً).
     وكنتيجة حتمية لهذا الوضع، فإن المنتمِين إلى هذا الفريق داخل إيران سيتجرؤون تدريجياً في الإعلان عن أنفسهم، أي عن الإعلان عن موافقتهم أو تأييدهم أو دعمهم للسياسة الأمريكية، وسيجاهرون بالتشبه والاقتداء بتلك الظواهر الثقافية الأمريكية (والتي قد يكون من ضمنها عدم الالتزام بالحجاب)، وستزداد أعداهم تدريجياً.
      ومع التنبيه إلى أننا نتكلم هنا عن التغيير في القاعدة الشعبية في إيران، والذي ليس بالضرورة أن يحدث في مرحلته الأولى عند الفئة السياسية الحاكمة أو القيادات في المؤسستين الدينية والعسكرية.
     هذا التغيير في القاعدة الشعبية سيؤدي لاحقاً (بعد بضعة أشهر أو ربما بعد بضع سنوات لا أحد بإمكانه تحديد الوقت) إلى أحد المسارين:
- الأول، أن الفريق الموالي للولايات المتحدة في إيران وبعد النمو الملحوظ في حجمه وقوته، سيقوم بالتحركات السلمية، كالتظاهرات والإضرابات والاعتصامات وغيرها من النشاطات الإعلامية والسياسية، بهدف إحداث المزيد من التغيير في إيران في اتجاه زيادة التوافق مع سياسة الولايات المتحدة وحتى للتحالف معها. من منطلق أنه كلما زاد هذا التوافق زاد ذلك الجلب للنمو الاقتصادي والتطور، كما كنا قد أوضحنا. وأيضاً في اتجاه إحداث المزيد من التأمرك في الحياة الاجتماعية الإيرانية، أي اقتباس نمط الحياة الأمريكية، أي التشبه والاقتداء بالظواهر الثقافية الأمريكية، وأن يصار إلى وضع التشريعات المناسبة التي تزيل الحواجز من أمام هذا التأمرك أو تسهِّله. وهذا لكي يصبح هذا التأمركُ الاجتماعيُ الرافدَ أو الداعمَ لذلك الخط السياسي المتوافق مع السياسة الأمريكية... وفي النهاية، أن ينجح هذا الفريقُ في إحداث تغييرات جذرية في إيران، فتبقى مثلاً جمهورية إسلامية، أو تصبح دولة برداء إسلامي، لكن تكون تحت المظلة الأمريكية، أي كمثل ما هو حال السعودية. أو ربما تصبح دولة برداء علماني وفي نفس الوقت تحت المظلة الأمريكية أي كمثل ما هو حال تركيا.   
- الثاني، أن يسير الفريقُ الموالي للولايات المتحدة في الداخل الإيراني في هذا الطريق من التحركات السلمية، لكن أن تتطور المواجهة بينه وبين الفريق الآخر إلى مواجهة عسكرية وتدخل البلاد في حرب أهلية مدمرة.
     وفي أيٍّ من النتيجتين، ستكون الولايات المتحدة هي الرابح الأول والأساسي.
     لا أحد بإمكانه أن يرجِّح حصول أي من هذين المسارَين إلا من خلال البحث السوسيولوجي الميداني المتابع لمستجدات المجتمع الإيراني في هذه الفترة القادمة... لكن ما يمكن ترجيحه من الآن هو أن أحد هذين المسارَين هو الذي سيحدث...لا سيما مع العوامل التالية التي ستكون فاعلة في تقوية التيار الموالي للولايات المتحدة داخل إيران:
- أولاً، موقف الدولة الإيرانية المتصالح مع الولايات المتحدة من خلال الاتفاق النووي، كما ذكرنا.
- ثانياً، ستكون إيران في موضع الابتزاز الدائم لعودة العقوبات عليها من خلال مجلس الأمن. فبموجب هذا الاتفاق (المادة 36)، وإذا رأت إحدى الست الدول أن إيران لا تلتزم بتعهداتها فبإمكانها أن تحيل القضية إلى اللجنة المشتركة، المكوَّنة من هذه الست الدول والاتحاد الأوروبي إضافة إلى إيران نفسها؛ ثم إلى وزراء خارجية هذه الأطراف؛ ثم إلى لجنة ثالثة (المجلس الاستشاري). لكن قرارات كل هذه اللجان هي غير ملزمة... فإذا لم تحلّ القضية بما يرضي الدولةَ المشتكية فبإمكانها أن تحيلها إلى مجلس الأمن. وهذا الأخير (المادة 37) سيصوِّت على قرار الاستمرار في رفع العقوبات. فإذا لم يتم تبنِّي هذا القرار بسبب عدم حصوله على موافقة الأغلبية أو بسبب النقض من قبل أحد الأعضاء الدائمي العضوية، فالعقوبات تعود.
     أي إن الولايات المتحدة، أو أيٍّ من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بإمكانها أن تعيد العقوبات من خلال هذا المجلس وبكل سهولة، وحتى ولو كانت إيران ملتزمة كلياً بالاتفاق... بالتالي، فإن هذا الوضع من شأنه من يقوِّي التيارَ الموالي لها داخل إيران في ضغوطاته على الفريق الآخر (للاستمرار في السَير في السياسة الأمريكية) بالنظر إلى التخوف من عودة العقوبات السهلة.
- ثالثاً، في حال اتهمت الولاياتُ المتحدةُ إعلامياً إيرانَ بانتهاك الاتفاق، وحتى ولو كان هذا الاتهام افتراءً بالكامل، فالرأي العام العالمي سيكون لديه القابلية لأن يقتنِع بهذا الاتهام أكثر مما هو الحال من دون الاتفاق بالنظر إلى الرقابة المشددة والكبيرة التي ستفرَض على إيران أثناء العمل به... وما تعنيه هذه القناعة هو أن حكومة الولايات المتحدة، وغيرها الحليفة لها، سيكون بإمكانها العودة بشكل أسرع إلى العقوبات... وهذا بدوره من شأنه أن يقوِّي التيار الموالي لهذه الدولة داخل إيران.    
     إضافة إلى ذلك، وبعد النمو في ذلك الفريق الموالي للولايات المتحدة داخل إيران سيكون من السهل عليها، وعلى أيٍّ من الدول الحليفة لها، أن تجنِّد عملاء لها داخله وأن تقدِّم له كل أشكال الدعم الإعلامي والسياسي والمادي والعسكري للوصول إلى الإخلال في الأمن داخل البلاد، أو حتى فقط في إطار دعم تحركاته السلمية الموالية لها... أي إن هذا التجنيد وهذا الدعم سيكون حصولهما في فترة ما بعد إقرار الاتفاق النووي أسهل بكثير من حصولهما في حال لم يتم هذا الإقرار أو في فترة ما قبله.
     من جهة أخرى، إذا افترضنا أن السيناريو أعلاه لم يحدث، أي أنه لم يحدث أي تغيير في إيران (في السنوات القادمة في فترة ما بعد العمل بالاتفاق النووي) نحو الموالاة لسياسة الولايات المتحدة وبقِيَت، في قياداتها وقاعدتها الشعبية، معارضة لها (وهذا الاحتمال مستبعَد جداً). فبإمكان الولايات المتحدة، وبكل سهولة، أن تعيد العقوبات عليها من خلال مجلس الأمن وستكون روسيا والصين عاجزتين عن منعها وسيكون الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي أكثر تقبلاً لهذا الأمر مما كان الحال في فترة ما قبل العمل بالاتفاق النووي. وبالتالي، ستكون أوضاع إيران أسوأ مما كانت سابقاً.
     أي إنه كيفما ستدور الأمور ستبقى الولايات المتحدة الرابح الأول والأساسي من  الاتفاق النووي. 
            
3 - أوضاع حلفاء إيران في المنطقة في ظلّ الاتفاق على النووي.
     قلنا إن ذلك التغيير المرتقَب في إيران لن يتم بين ليلة وضحاها، بل قد يتطلب الأمر حتى سنوات. خلال هذه الفترة فإن النمو الاقتصادي فيها سيسير في وتيرة أسرع من ذي قبل، ما سيمكِّن من زيادة التصنيع العسكري وتسريع تطوير الأسلحة فيها، والتي هي كانت أصلاً متطورة بالرغم من العقوبات والحصار الاقتصادي. وهذا يعني أنه في هذه الفترة سيكون بإمكان إيران تقديم الدعم إلى حلفائها الإقليميين إلى الدرجة التي ستمكنهم من تغيير وجه هذه المنطقة.
     لكيلا يحدث هذا الأمر يصبح لا بد من محاصرة وتقزيم إيران عسكرياً خارج حدودها. وهذا يتم عبر مسارين؛ الأول، هو توجيه ضربات عسكرية قاصمة إلى حلفائها في المنطقة، والثاني، هو التسعير في الخلاف السُني - الشيعي فيها.  
     وهذا ما قد حدث في الحرب على الحوثيين ومَن معهم في اليمن، في "عاصفة الحزم" التي حصلت بعد أيام من توقيع على إطار الاتفاق على النووي الإيراني. فبعد انتصاراتهم العسكرية الكبيرة في اليمن، وحرصاً على عدم استفادتهم من دعم كبير محتمَل من قبل إيران في فترة ما بعد رفع العقوبات عنها إثر العمل بالاتفاق النووي ما سيمكِّنها من التحكُّم بتلك المنطقة البالغة الأهمية؛ قامت الولاياتُ المتحدةُ، كما هو المرجَّح، بإعطاء الأوامر إلى عدد من الدول التي هي تحت مظلتها لشن الحرب عليهم، وتحت شعارات دعم الشرعية في اليمن وإنقاذ الشعب فيها وغيرها.
     وهذا هو التفسير المنطقي الوحيد لهذه الحرب وليس تلك التفسيرات التي تقول إن السعودية قد قامت من تلقاء نفسها بقيادة تحالف من عدة دول لخوض هذه الحرب؛ فهذه الدول هي أعجز من أن تفعِّل التعاون فيما بينها، وبالاستقلالية عن الولايات المتحدة، إلى درجة أن تخوض حرباً ضد دولة أخرى. كونها، أي الولايات المتحدة، لا يمكن أن تسمح بحدوث هذا الأمر حرصاً لكيلا يؤدي إلى تعزيز التعاون العربي نحو التحرك، وبالاستقلالية عنها، في مواضيع أكثر خطورة والتي قد تكون متعارضة أكثر مع مصالحها. وبخصوص القول إن الهدف من "عاصفة الحزم" كان عرقلة الاتفاق النووي والتقارب الأمريكي - الإيراني، فغَنيٌّ عن البيان، أن السعودية ومَن معها هي أعجز وأضعف بكثير من أن تتجرأ على معارضة وعرقلة السياسة الأمريكية.  
     ويكون الهدف الأساسي الآخر من الحرب على الحوثيين هو التسعير في الخلاف السُني - الشيعي في المنطقة، من منطلق أن الدول التي خاضت هذه الحرب هي سُنية بينما حركة "أنصار الله" هي شيعية؛ وهذا في سياق محاصرة وتقزيم إيران عسكرياً خارج حدودها، كما ذكرنا أعلاه... ومن حيث التقييم الأخلاقي والشرعي لهذه الحرب، يصح القول إنها بمثابة الاعتداء على اليمن، كون ما يجري فيها هو حرب أهلية ولا يُفترَض بدول عربية أخرى التدخل عسكرياً فيها إلى جانب طرف ضد آخر.
     واعتماداً على ما تقدَّم، وفيما يتعلق بباقي حلفاء إيران في المنطقة، يكون المرجَّح أنه في فترة البدء بالعمل بالاتفاق النووي أنه سيتم توجيه ضرباتٌ عسكرية قاسية لهم من قبل حلفاء الولايات المتحدة أو توريطهم بفتن طائفية دموية؛ وأن أبواب الجحيم ستُفتَح عليهم كما هي مفتوحة حالياً على الحوثيين. والتي قد تكون من خلال احتلال تركي لشمال سوريا، أو "عاصفة حزم" عربية خاصة بسوريا، أو إشعال فتنة طائفية في لبنان (كمثل أن يتم إشعالها من خلال اغتيال زعماء سُنة فيه مؤيدين للمعارضة السورية) ويصار إلى فتح الجبهات على دمشق وحمص والساحل السوري انطلاقاً من الأراضي اللبنانية فيصبح سقوط النظام السوري أمراً وارداً بشدة.
          
4 - الخيار الأصح أمام إيران.
     من غير المنطقي أن تكون الولايات المتحدة في نظر الإيرانيين "الشيطان الأكبر" وفي نفس الوقت "الملاك" الذي سيتحقق النمو الاقتصادي والتطور من خلال المصالحة السياسية معه. فهذا موقف هو متناقض وغريب وكمثل مَن يجمع "الصيف والشتاء تحت سقف واحد".
     فإذا ما أراد الإيرانيون أن تبقى الولايات المتحدة "الشيطان الأكبر"، تكون الإستراتيجيا الصحيحة في هذا الوضع هي ليست في السَير في الاتفاق النووي، وأيضاً ليست في العودة إلى الحالة السابقة والادِّعاء بعدم تصنيع القنبلة النووية؛ بل في المجاهرة في العمل لتصنيع السلاح النووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل، من منطلق الحق في امتلاك هذه الأسلحة كسلاح ردعيّ طالما هي موجودة عند العدو الأساسي، أي كِلا إسرائيل والولايات المتحدة. وهذه هي أفضل وأسرع طريق موصلة إلى الاستقرار والازدهار والتطور، بل حتى إلى جعل إيران إحدى القوى العظمى على الساحة العالمية. وبالطبع، فإن احتمال شن الحرب عليها هو غير وارد إطلاقاً، كما كنا قد أوضحنا.
     عندما يكون عند عدوك مئات أو آلاف القنابل النووية، وأنت تقول للعالم ليس في نِيَة بلدي تصنيع أية قنبلة نووية وهو مستعِد لأن يُخضَع للتفتيش للتأكد من عدم تصنيعه لها، فهذا الموقف لن يُفسَّر من قبل الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي على أن بلدك هو محب للسلام أو ملتزِم بفتاوٍ دينية تُحرِّم امتلاك هذا السلاح، بل سيُفَسَّر على أنه إما بلد ذو مؤسسات عامة ضعيفة وأنه يخشى الفوضى أو الحرب الأهلية ووقوع السلاح النووي في أيدي أطراف غير مسؤولة، وإما بلد ضعيف أمام أعدائه ويتنازل عن حقه في امتلاك السلاح النووي كسلاح ردعيّ بسبب الضغوطات من قبل هؤلاء الأعداء وحلفائهم.
     والعكس صحيح، فإذا كان لدى بلدك القدرة العسكرية (التقليدية) الرادعة لأي عدوان محتمَل، وفي نفس الوقت أنت تقول للعالم إن من حق بلدك امتلاك السلاح النووي، كسلاح ردعيّ، طالما هو موجود عند أعدائه؛ فهذا سيُفسَّر من قبل الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي على أن بلدك هو قوي ودولة مؤسسات وواثق من نفسه وقادر على تحدي أعدائه. وهذا من شأنه أن يسرِّع كثيراً النمو الاقتصادي والازدهار والتطور فيه من منطلق الترابط بين القوة السياسية وتسريع النمو الاقتصادي والتطور.   
     في النهاية، وبالطبع، الخيار يعود أولاً وأخيراً إلى الإيرانيين في هذه المسألة، فالبلد هو بلدهم والقضية هي قضيتهم. وأنا هنا أقوم بواجبي بصفتي باحث في السياسة والإستراتيجيا والسوسيولوجيا، أي واجبي هو فقط تحليل الأحداث، أي توضيح الأسباب التي أوصلت إليها والنتائج المتوقَعة منها. وبخصوص موقفي من الولايات المتحدة، فحتى ولو سارت كل البشرية وراءها، فهي في نظري كانت ولا تزال "الشيطان الأكبر".



عامر سمعان، كاتب وباحث
11/ 8/ 2015


















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق