المجتمع
العالمي هو مجتمع ذكوري. بمعنى أن الرجال هم مَن يسيطرون تقريباً في جميع النواحي
فيه. فما من بلد في العالم إلا ويسيطر فيه الرجال في مجالات السياسة والسلطة
والوظائف المهمة والأمن والمال والأعمال والعلم والأدب والفن والدِين وغيرها...
حتى في المجالات النسائية نرى فيها سيطرة رجالية، فأهم الطباخين ومُصممي الأزياء
النسائية ومُزيني الشَعر النسائي هم من الرجال.
هذا الوضع يُلحِقُ
ظلماً فادحاً بالمرأة. كمثل عندما يكون لإحدى النساء نفس الشهادة والخبرة والقدرة
التي للرجل، إلا أن الفرص تبقى متاحة له بشكل أكبر مما لها، لنيل المنصب أو الترقي
أو كمية الأجر أو تولي المسؤوليات المهمة وما شابه.
هذا الواقع
هو في العالَم الحقيقي، أما في العالم الافتراضي، أي على الفايسبوك وغيره من مواقع
التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية، فالأمور هي معاكسة وخاصة في المجتمعات
العربية وغيرها الشرقية. ففي هذا العالم الافتراضي يوجد سيطرة واضحة للنساء.
والمقصود بذلك ليس مَن يمتلكون ويطورون هذا العالَم الافتراضي بل مَن يتواصلون مع
بعضهم عبره.
فأية امرأة
لديها حساب على الفايسبوك، حتى ولو لم تضع اسمها أو صورتها الحقيقيين على حسابها؛
يكون هناك فرق كبير بينها وبين حساب أي رجل آخر من حيث عدد: طلبات الصداقة التي
تتلقاها والرسائل التي تصلها على بريدها والتعليقات وتسجيلات الإعجاب بما تقوم بنشره.
حتى ولو لم تنشر إلا مجرد سخافات فيبقى هناك الكثير من الرجال الذين سوف يسجلون
إعجاباتهم وتعليقاتهم بهدف تبييض الوجه معها والتقرّب منها وما شابه.
وبالطبع كلما
كان ما تضعه المرأةُ من صورها على حسابها تظهرها على أنها شابة ومثيرة كلما زادت
مكانتُها في هذا العالَم الافتراضي.
تجدر
الإشارة هنا إلى ظاهرة نجدها في العالَم الافتراضي وتقريباً في جميع المجتمعات،
وهي قيام الفتيات برفع شارة النصر بأصابعهن في صورهن التي يضعنها على مواقعهن...
هذه الظاهرة هي ليست "صرعَة أو قلة عقل" بل تعبيراً عن الشعور (في
اللاوعي) بأن مكانة الفتاة في العالَم الافتراضي هي أهم وأرفع من مكانتها في
العالم الحقيقي، وبأن مجرد وجودها في هذا العالم الافتراضي بحد ذاته هو نصر لها،
أي يستحق أن ترفع شارة النصر احتفالاً به.
أخيراً من
المهم لأية فتاة هي ناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة في العالَم العربي
وغيره من مجتمعات الكبت الجنسي، أن تبقى متنبِّهة إلى وجود فرق كبير بين العالَم
الافتراضي والعالَم الحقيقي. ففي العالَم الافتراضي قد يكفي لأن تحرِّك ظفرَها حتى
تجد العشرات أو المئات ممن يمتدحونها أو يعظمونها أو يتغزلون بها... أما في
العالَم الحقيقي فعليها أن تناضل وتحارِب حتى "بأسنانها وأظافرها" لكي تُثبِتَ
نفسَها وتدافع عن حقوقها ولكي لا تكون مجرد ظلّ للرجل.
عامر سمعان ، كاتب وباحث
10/ 5/ 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق