ما يتضمنه كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" دراسات معمقة وغير مسبوقة في السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا؛ من بينها: أربع نظريات جديدة في الأنتروبولوجيا المجتمعية، وخطة لحلّ الأزمة في لبنان، وإستراتيجيا تعتمد وسائل المحاربة الإعلامية والسياسية والاقتصادية لهزيمة الولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية، والتي سيكون من نتائجها الاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور في العالم العربي ومعظم دول الجنوب.

الجمعة، 23 يناير 2015

إسرائيل... هنيئاً لها بالنصر الجديد

     في إحدى الحفلات الممهِّدة لمباراة انتخاب ملكة جمال الكون في ميامي، وحين كانت ملكة جمال لبنان، سالي جريج، تلتقط الصور مع أخريات، أتت ملكةُ جمال إسرائيل، من الخلف ومن دون أن تُظهِر وجهها أو وشاحها، لتجلس أمامهن وتطلب التقاط صورة "سيلفي". وبما أنه في هذه الحفلات يكون هناك كمٌّ كبير من المصورين والتصوير، فكان من الطبيعي أن توافق الملكة اللبنانية على التقاط الصورة، كونه لم يتسنَّ لها الوقت لأن ترى وجهَ وتعرف هوية التي طَلبَت منهن التصوّرَ معها، وفي برهة لم تتجاوز الثانية أو الثانيتين.
     وكانت سالي جريج قد أوضحَت في تصريحاتها عن الصورة، بما معناه، أن هذا ما حصل معها، كما كانت قد أوضحَت أنها ملتزمة بقوانين بلدها لبنان التي تمنع التعامل مع الإسرائيليين. وأيضاً ملكة جمال مصر كانت قد صرَّحت برفض جريج التصوّر مع ملكة جمال إسرائيل بعدما عرفت أنها الإسرائيلية، أثناء مباراة انتخاب ملكة جمال العالم التي جرت قبل ذلك في لندن. والملكة الإسرائيلية نفسها كانت قد صرَّحت بدورها بالأمر نفسه. كما أن مدير شركة "وِي غروب" القائمة بإدارة أعمال ملكة جمال لبنان صرَّح بأن صورة "السيلفي" تلك حصلت كما ورد أعلاه، وأن جريج قالت لهم عدة مرات إنه منذ وصولها إلى تحضيرات مباراة ملكة جمال الكون في ميامي والملكة الإسرائيلية تحاول كثيراً التصوّرَ معها بالرغم من معرفتها المسبقة برفضها لهذه الصورة.
     وبرغم كل ذلك لا تزال الضجة قائمة في لبنان، وخارجه في العالم العربي، متهِمةً جريج بقلة الوطنية والخيانة أو بالجهل الكبير والغباء وقلة الثقافة. وبنتيجة هذه الضجة وصلت الأمورُ إلى وسائل إعلامية عالمية لتتهم لبنان بأنه بلد الكره والعدائية الذي يريد نقل العدائية إلى مباريات انتخاب ملكات الجمال والتي يفترَض بها أن تكون مناسبات للتلاقي والسلام.  
     طالما الصورةُ تُظهِر بوضوح أن الإسرائيلية موجودة أمام الأخريات، وطالما ليس بالأمر الصعب أن تقوم إحداهن بخداع غيرها لالتقاط صورة "سيلفي" في أجواء التصوير الصاخبة الموجودة عادة في تلك الحفلات، وطالما قد صدرَت كلُّ تلك التصريحات التي توضِّح ملابسات هذه الصورة؛ فعلامَ كل هذه الضجة التي من شأنها تدمير سمعة ومستقبل ملكة جمال لبنان وتجعلها عاجزة عن القيام بأي نشاط وطني أو إنساني خلال فترة بقائها ملكة، والتي من شأنها أيضاً تشويه صورة لبنان وإظهاره كعاجز عن المشاركة الفاعلة في المباريات العالمية لملكات الجمال ؟
     والذين كانوا قد تسرَّعوا في إطلاق حملة الشتائم والسخريات والتخوين بحق سالي جريج عبر وسائلهم الإعلامية أو مواقع التواصل الاجتماعي، ألا يُفترَض بهم بعد أن توضَّحت الصورةُ لهم أن يعتذروا عما بَدَرَ منهم ؟ هذا إذا كانوا يمتلكون ذرة من الضمير أو الوطنية أو الإحساس بالمسؤولية.
     ملكة الجمال، في أي بلد في العالم، هي ليست مجرد "باربي" للاستعراض، بل هي سفيرة لبلادها ورمزاً وطنياً بكل ما للكلمة من معنى. فمن خلال الكمّ الكبير من تسليط الأضواء عليها يصبح بإمكانها القيام بنشاط إنساني أو وطني قد يعجز عنه الكثيرون. فلا أحد ينكر نتيجةَ تسليط الأضواء، في عالَم الإعلام، على أي شخص من حيث تكبير حجمه وسماع ونفاذ كلمته. حتى ولو كانت ملكة الجمال محدودة الخبرة أو الثقافة، إلا أنه من خلال وجود فريق عمل جيد مساعد لها يبقى بمقدورها القيام بنشاط فاعل إنساني أو وطني. فكيف إذا كانت هي أصلاً على مقدار مهم من الثقافة والوعي كمثل حال سالي جريج ؟ أي إنه يُفترَض في أي بلد في العالم حماية ملكة الجمال، خلال فترة بقائها ملكة، من الإشاعات؛ وليس تدميرها من خلال الإشاعات.    
     في العام 1993، حصلت صورةٌ جمعت بين ملكة جمال لبنان في ذلك الوقت ونظريتها الإسرائيلية، فقامت على أثرها ضجةٌ طويلة - عريضة في لبنان واتهامات بالتخوين والشتائم للملكة، وكان هناك محاولات لمحاكمتها... ولم تهدأ الأمور إلا بعد تدخلات من قبل مرجعيات سياسية كبيرة... ومنذ ذلك الوقت فإن أول درس يُعطى إلى مَن تُنتخَب ملكة جمال لبنان، من قبل الجهات الراعية، هو أنه عليها، أثناء مشاركتها في مباريات انتخاب ملكات الجمال في العالم، أن تتجنب تماماً أي سلام أو كلام أو تعامل أو تصوير مع ملكة جمال إسرائيل... هذا الدرس يتم ترداده على مسامعها عشرات ومئات المرات... فإذا افترضنا أن أية ملكة جمال في لبنان هي بالفعل غبية فهل من المعقول، بعد كل هذا، أن تقبَل أن تتصوَّر مع ملكة جمال إسرائيل ؟ وإذا افترضنا أنها عميلة لإسرائيل، فهل من المعقول أن تخدم هذه الدولة بهذه الطريقة الغبية، أي التصوّر مع نظريتها الإسرائيلية، بما يؤدي إلى تدمير سمعتها ومستقبلها في لبنان ؟
     لو كنتُ أنا مسؤولاً أمنياً أو سياسياً في إسرائيل، وشاهدتُ نتائج صورة 1993، لكنتُ سأعطي تعليمات إلى كل ملكة جمال في إسرائيل أن تحاول شتى الوسائل للتصوّر مع ملكة جمال لبنان ثم نشر الصورة، بهدف تدمير سمعتها ومستقبلها وتشويه صورة لبنان.
     فسواء أكانت ملكة جمال إسرائيل الحالية قد قامت بالتقاط صورة "السيلفي" تلك مع نظيرتها اللبنانية وأخريات، بناءً على تعليمات من قبل جهة ما أمنية أو سياسية في إسرائيل، أم بناءً على تصرف شخصي منها... ففي الحالتين قد حققت إسرائيلُ نصراً مهماً إعلامياً وسياسياً جاء على أهون سبيل... فهنيئاً لها.
     وهنيئاً أيضاً لجميع اللبنانيين وأشقائهم العرب الذين أثاروا ضجة كبيرة مستنكِرة عن هذه الصورة، فقد أثبتوا أنهم شعب من الأغبياء والمساطيل والمهابيل "وبيغرَق بشِبر مَي".   


عامر سمعان، كاتب وباحث
23/ 1/ 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق