ما يتضمنه كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" دراسات معمقة وغير مسبوقة في السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا؛ من بينها: أربع نظريات جديدة في الأنتروبولوجيا المجتمعية، وخطة لحلّ الأزمة في لبنان، وإستراتيجيا تعتمد وسائل المحاربة الإعلامية والسياسية والاقتصادية لهزيمة الولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية، والتي سيكون من نتائجها الاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور في العالم العربي ومعظم دول الجنوب.

الأربعاء، 21 يناير 2015

قصص من الأحداث السورية ( 1 )


     "براء عنتر" طفلة عمرها عشر سنوات، تدرّس الأطفالَ في مخيم يسكنه 400 نازح سوري يسكنون 50 خيمة منصوبة وسط أرض زراعية في بلدة كترمايا في جبل لبنان.
     منذ أن نزحت عائلتها قبل ثلاث سنوات عن بلدتها كفربطنا في ريف دمشق بسبب الحرب الدائرة هناك وحطت رحالها في المخيم، في رحلة نزوح شملت أكثر من محطة، وبراء تثابر على تعليم أطفال المخيم الذين حرموا من تلقي تعليمهم الأولي.
     وفي جو بارد أقامت براء صفاً دراسياً تحت شجرة سنديان في طرف المخيم. كانت تعطي درساً باللغة الفرنسية لعشرة تلاميذ، وهي التي تتمتع بشخصية فيها مزيج من وقار الكبار وتسامح الأطفال لها. وتملك من الحب في قلوب تلاميذها ما يمكنها من فرض الانضباط أثناء الحصص.
     لكن "الآنسة" براء كما ينادونها تجيد دور المعلمة، فهي تُحضِّر ملفات تلاميذها بمنتهى الدقة وتهيّئ لهم الأسئلة كل على ورقته التي تحمل اسمه، ولا تنسى أن تزين ملفات التلاميذ برسومها اليدوية تضعها فوق طاولة خشبية مهترئة تتراقص يُمنة ويُسرة.
     أما مقاعد التلاميذ التقليدية فقد استبدلتها براء بحكم الظروف القاهرة بصفوف من الأحجار. كما استعاضت عن لوح الحائط بالرسم بإصبعها في الهواء لتصوير كيفية كتابة الأحرف.
     وتقف فتاة صغيرة اسمها رندلى لتقول للمعلمة "آنسة أنا عملت فرض الأبجدية"؛ وتضيف "أنا أحب درس الآنسة براء فهي تعلمنا من دون أن تصرخ علينا".
     وفي الاستراحة وقبل الانتقال إلى درس اللغة العربية قالت براء رداً على سؤال لـ"رويترز" عن الهدف من تعليم الأولاد "لأني أحبهم ولا أريد أن يصبحوا جاهلين أدرسهم ما درسته أنا في المدرسة في سوريا."
     هي وإن كانت مدرّسة في المخيم لكنها تلميذة في نفس الوقت إذ أنها تذهب يومياً إلى مدرسة البلدة بدوام مسائي.
     تختصر الأجوبة وعيناها ترمقان تلاميذها الذين ينتظرونها بفارغ الصبر وتقول "في لبنان تعلمت الفرنسية وأحببتها وصرت أدرسها للصغار وأعلمهم بالفرنسية كل ما أتعلمه."
     تشكو المعلمة الطفلة غياب أي دعم من أي جهة "نكتب على وجهَي الورق وليس لدينا أقلام بعدد التلاميذ، لأن لا أحد يشتري لنا دفاتر ومستلزمات التدريس". وللمصادفة ينادون في المخيم على براء فقد حضر أحد الصحفيين حاملاً هدية لها، لوحاً صغيراً وعشرات الدفاتر وأقلام الرصاص والتلوين والبرايات والمحايات والكرتون والمساطر.
     ويقول الصحافي الذي رفض ذكر اسمه "لأن براء أثرت بي كثيراً عندما رأيتها خلال زيارتي للمخيم قبل يومين وهي تعطي الدروس لرفاقها بكل جدية وتمكّن وقررت أن أتبرع لها بعدما شعرت بحاجتها الماسة للوح والدفاتر والقرطاسية".
     طارت براء من الفرحة عند استلامها هبة الصحفي وأسرعت نحو "الصف" قائلة "أنظروا ماذا أحضروا لنا"، جمعت الأوراق البيض من أيدي الأطفال ووزعت عليهم الدفاتر الجديدة وأقلام الرصاص والتلوين والقرطاسية ثم طلبت الهدوء "هيا نكمل الدرس"، ثم طالبتهم بنسخ الأحرف الأبجدية لأكثر من مرة كما قامت بتهجئة اسم كل منهم وكذلك أسماء المدن السورية الكبرى.
     وقالت إن أغلى أمنياتها "أن تنتهي الحرب بسوريا وأن أعود مع أهلي إلى البيت والى مدرستي هناك إذا لم نعد لسوريا سنصبح مثل الفلسطينيين بدون بلاد. مستحيلة الحياة هنا... أشعر أنني أسكن في البريّة".
(نقلاً عن رويترز وجريدة النهار)

عامر سمعان ، كاتب وباحث
21/ 1/ 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق