يوجد حالياً في لبنان حوالي مليون ونصف نازح
سوري، أي 37,5 % نسبة إلى تعداد السكان، وهي أكبر نسبة من اللاجئين في التاريخ
الحديث.
ما
يترتب على هذا الوضع ليس فقط صعوبات اقتصادية منهكة على لبنان ومشاكل أمنية، بل
أيضاً تهديد خطير للأمن القومي فيه. إذ إن قسماً مهماً من هؤلاء النازحين هم بيئة
حاضنة للنصرة وداعش؛ تماماً كما
هناك بيئة حاضنة لهذين التنظيمين داخل المجتمع اللبناني نفسه.
وهذا يعني وجود احتمال كبير أن يحاول هذان التنظيمان
استغلال هذا الواقع لإشعال الداخل اللبناني بفتنة طائفية والضغط عسكرياً على النظام السوري وحزب الله.
وفي حال حصول هذا الأمر، مما سيترتب عليه هو
ليس فقط تكبيل حزب الله عسكرياً في الداخل السوري، بل أيضاً تحول الأراضي
اللبنانية إلى ممر لكافة أشكال الدعم العسكري وغيره إلى المعارضة السورية
المسلحة... والذي من نتائجه هو تزايد الضغط العسكري على جبهات دمشق والقلمون وحمص،
وفتح جبهة الساحل السوري، وغيره...
وبكلمة
أخرى، تصبح مسألة سقوط النظام السوري أمراً غير مستبعَد.
لا
يحتاج الأمر إلى عبقرية إستراتيجية لإدراك أن أسهل طريقة لإسقاط النظام السوري، أو
ربما الطريقة الوحيدة الممكنة، هي في تفجير فتنة طائفية في لبنان؛ عبر استغلال
الحاضنة الشعبية للنصرة وداعش والموجودة في الكثافة العالية للنازحين السوريين كما
في المجتمع اللبناني...
وغني
عن البيان، أن مَن استطاع إقامة دولة داعش من حلب إلى بغداد بسرعة قياسية، لن يصعب
عليه تفجير هذه الفتنة في حال توفر البيئة الحاضنة وبالحجم المطلوب.
انطلاقاً من خطورة هذا الواقع يجب فهم أية محاولات من قبل
الدولة اللبنانية لتقييد عدد السوريين الداخلين إلى لبنان، كمثل ما قامت به من فرض
تأشيرة الدخول، والتي يصح وصفها بإجراءات تنظيمية عبر الحدود.
قسمٌ من الذين اعترضوا على فرض التأشيرة،
حجتهم هي أنه على اللبنانيين أن يتعاملوا مع النازحين السوريين تماماً كما تعامل
السوريون مع النازحين اللبنانيين في حرب تموز 2006.
الواقع، أن هذه الحجة هي غير منطقية، بل
استخفاف بالعقول. ففي تلك الحرب بلغ مجمل النازحين اللبنانيين إلى سوريا 180 ألفاً،
بحسب الأمم المتحدة. ولم يَبقوا في سوريا لأكثر من بضعة أسابيع.
أيضاً كان يوجد في سوريا في ذلك الوقت لاجئون
عراقيون حوالي مليون وأربعمائة ألف (في أقصى حالاتهم). فإذا اعتبرنا أن عدد سكان
سوريا كان 18 مليوناً عام 2006 (من دون احتساب من هم في الخارج)، فيكون مجمل
اللاجئين العراقيين واللبنانيين في سوريا آنذاك هو ما بين 8 إلى 9 % نسبة إلى تعداد
السكان. وهم لم يكونوا مشكلين لأية بيئة حاضنة لتنظيمات إرهابية أو دول معادية، أي
غير مشكلين لأي تهديد للأمن القومي في سوريا.
بينما في لبنان، فقد بلغ عدد اللاجئين
السوريين المسجَلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حتى نيسان 2014 أكثر
من مليون، أي أكثر من 25 % نسبة إلى تعداد السكان البالغ حوالي أربعة ملايين؛ وهذه
أكبر كثافة للاجئين في التاريخ الحديث بحسب هذه المفوضية. وفي حزيران من هذا العام
أصبح عدد هؤلاء اللاجئين، بحسب هذه المفوضية، أكثر من مليون ومائة ألف، بين مسجلين
ومن هم في انتظار التسجيل. وفي تموز 2014 قدرت الأممُ المتحدة أن يتجاوز عددهم في
نهاية العام المليون والنصف. وهذا أيضاً ما أصبح يقوله عددٌ من المسؤولين
اللبنانيين منذ ذلك الوقت بأن تعداد السوريين في لبنان، المسجلين كلاجئين وغير
المسجلين، هو في هذا العدد.
إضافة، في عام
2007 قامت سوريا بفرض تأشيرة دخول على العراقيين للحدّ من توافدهم إليها (ثم عادت
وألغت هذا التدبير على السياح العراقيين في العام 2013). أي إنه في سوريا وحيث لم
يكن تزيد نسبة اللاجئين العراقيين عن 8 أو 9 % نسبة إلى تعداد السكان، ومن دون
وجود أي تهديد للأمن القومي ناتج عن وجودهم، قامت بفرض تأشيرة الدخول عليهم بالنظر
فقط إلى الصعوبات الاقتصادية التي ترتبت على وجودهم.
إذاً، كيف
هو الحال مع لبنان مع وجود 37,5 % من النازحين السوريين نسبة إلى تعداد سكانه، مع
ما يترتب عليهم من صعوبات اقتصادية خانقة وتهديد أمني بالغ الخطورة على كلا
البلدين، فهل هو بالأمر العجيب والغريب قيامه بفرض تأشيرة الدخول للحدّ من توافدهم إليه
؟؟؟؟؟
الاعتراض
الوحيد المنطقي على فرض تأشيرة الدخول هو أنها لم تتم بالتنسيق مع السلطات
السورية. لكن علينا أن لا ننسى أن التنسيق بين الدولتين هو مفقود أيضاً في الكثير
من المسائل المهمة منذ بداية الأحداث السورية. فما هو السبب ؟
الجواب، هو أنه
يوجد في لبنان انقسام أفقي، أي في القواعد الشعبية، وعمودي، أي عند من هم في
السلطة؛ بين فريقين، واحد مؤيد للنظام السوري وآخر مؤيد للمعارضة. أو بالأحرى بين
فريقين، وطني (عروبي) ومتأمرك.
وهذا
الانقسام، يعود إلى العام 2005 منذ اغتيال الرئيس الحريري. فالحرب العالمية التي
تجري في سوريا وتستهدف محور المقاومة هي ابتدأت عسكرياً في 2011، لكنها كانت قد
ابتدأت إعلامياً وسياسياً منذ اغتيال الحريري.
بنتيجة هذا
الاغتيال والحملات الإعلامية والسياسية التي مهَّدت له ورافقته، من قبل الأمريكيين
والفرنسيين ومَن معهم؛ حصل ذلك الانقسام بين فريقين في لبنان، في القواعد الشعبية
كما في السلطة. وحصل أيضاً كرهٌ غير مسبوق بين السنة والشيعة في العالم العربي،
مهَّد إلى عنف دموي _ طائفي بينهما غير مسبوق في العراق، وإلى كره وعداوة متبادلة
على امتداد العالمين العربي والإسلامي. فمن الأهداف الأساسية لاغتيال الحريري، أي
من ضمن استفادة الولايات المتحدة من هذا الاغتيال، كان ضرب محور المقاومة وخلق
هكذا عداوة بين السنة والشيعة في هذين العالمين... (كنتُ قد كتبتُ وشرحتُ كثيراً
عن هذا الموضوع، وللأسف "العرب لا يقرؤون...").
وكما كان قد
حصل بنتيجة هذه الحرب العالمية ذلك الانقسامُ في لبنان بين فريقين، أيضاً حصل
انقسامٌ داخل المجتمع السوري بين فريقين، وطني ومتأمرك. لكن هذا الانقسام لم يبرز
برأسه إلا في العام 2011 وتحت شعارات الربيع العربي وثورة الياسمين؛ للأسباب المعروفة.
في النهاية،
أصبح من الواضح أنه المفترَض بأي سياسي وإعلامي في سوريا ولبنان وفي أي مكان آخر يَعتبر
نفسه أنه من ضمن محور المقاومة أو مؤيد له، التعاطي مع موضوع فرض التأشيرة على
السوريين استناداً على ما هو وارد أعلاه؛ خاصة لجهة الضرورة الأمنية الفائقة، لكلا
لبنان وسوريا، لفرض ضوابط صارمة للحدّ من توافد السوريين إلى لبنان، إن من خلال
تدبير فرض التأشيرة أو غيره.
عامر سمعان ، كاتب وباحث
12/ 1/ 2015