سنتطرق
اليوم على هذه الصفحة إلى موضوع مطروح بكثرة في هذه الفترة في لبنان ويتعلق بأحد
القوانين المقترَحة للانتخابات النيابية، وهو قانون اللقاء الأرثوذكسي. إذ قد قامت
إحدى الجمعيات في لبنان المسماة باللقاء الأرثوذكسي باقتراح قانون للانتخابات
النيابية يقضي بأن تنتخب كل طائفة نوابَها وفق النظام النسبي حيث يكون كل لبنان
دائرة انتخابية واحدة مع مراعاة تمثيل المناطق المعمول به، ومع الإبقاء على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في عدد
النواب. من وجهة نظر المدافعين عن هذا القانون، أنه يشكِّل ضمانة أفضل للمسيحيين
عندما ينتخبون وحدهم نوابهم، أي من دون الدور الكبير للناخبين المسلمين في هذا
المجال. ومن وجهة نظر المعارضين له أنه بمثابة البداية للفرز الطائفي والتقسيم
ويتناقض مع ميثاق العيش المشترك.
سنبحث في
هذا القانون من زاويتين: الأولى، هي التعاطي الإعلامي معه في الأسابيع الماضية، وسنوضِّح
كيف أن هذا التعاطي الإعلامي قد شكَّل تمييزاً فئوياً بحق الطائفة الأرثوذكسية في
لبنان وإهانة لها؛ الثانية، هي مدى موافقة أو معارضة هذا القانون مع الوضع في لبنان.
أولاً، لجهة التعاطي الإعلامي مع قانون اللقاء
الأرثوذكسي.
١ - المشكلة
الأساسية في هذا التعاطي الإعلامي التي ظهرت في الأسابيع الماضية هي أن قسماً
كبيراً من الإعلاميين والسياسيين في لبنان، ومن مختلف الانتماءات، كانوا يستخدمون
بكثرة عبارة القانون الأرثوذكسي للدلالة على قانون اللقاء الأرثوذكسي. الفرق كبير
بين العبارتين. عبارة قانون اللقاء الأرثوذكسي تعني أن الجمعية المسماة باللقاء
الأرثوذكسي هي مَن اقترحت هذا القانون وقدَّمته وتتبناه؛ بينما عبارة القانون
الأرثوذكسي تعني أن الطائفة الأرثوذكسية هي وحدها، من بين جميع الطوائف في لبنان،
التي معظم أبنائها يوافقون على اقتراح هذا القانون المقدَّم من هذه الجمعية وعلى أن
يتبنّوه، أي إنه يتوافق مع توجههم وأنهم مستعدون لتقديم كل مساعدة ممكنة في مختلف
مجالات العمل الإعلامي والسياسي للوصول إلى إقراره؛ وتعني أيضاً أن أعضاء جمعية
اللقاء الأرثوذكسي قد تأثروا وتشجعوا بهذا التوجّه، الموجود فقط عند معظم أبناء
الطائفة الأرثوذكسية دون غيرها من الطوائف، ليقوموا باقتراح هذا القانون.
بالطبع، من
حق أية مجموعة أشخاص في لبنان، سواء أكانوا ينتسبون إلى طائفة واحدة أم عدة طوائف،
أن يؤلفوا الجمعية التي يريدون وأن يطلقوا عليها التسمية التي يريدون وأن يقترحوا
الأفكار والقوانين التي يريدون؛ فهذا كله من ضمن الحريات العامة التي نصّ عليها
الدستور والقوانين؛ لكن ليس من حق أحد أن يَنسب اقتراحَ قانون ما مقدَّم من هكذا جمعية إلى الطائفة التي ينتمي إليها أعضاء هذه الجمعية أو إلى أية طائفة أخرى.
فهل تم القيام
بإحصاء تناول جميع الطوائف في لبنان من دون استثناء وأظهرت نتائجُه أن الطائفة الأرثوذكسية
هي وحدها، من بين جميع الطوائف، التي معظم أبنائها يوافقون على هذا القانون وعلى
أن يتبنوه ؟ لتتم تسميته بعد ذلك بالقانون الأرثوذكسي.
حتى إذا
افترضنا أنه تم القيام بهكذا إحصاء وأظهرت نتائجه أن الطائفة الأرثوذكسية، أو أية
طائفة أخرى، هي وحدها التي معظم أبنائها (٨٠ أو ٩٠ بالمائة منهم ) يوافقون على هذا القانون وعلى أن يتبنّوه؛ حتى في هذه
الحال من الخطأ الكبير أن يُنسَب هذا القانون إلى هذه الطائفة، لأن هذا يُعتبَر
تمييزاً فئوياً، أي تنميطاً، لها؛ أي جعل جميع أبنائها في قالب واحد، أي نمط واحد،
وإظهار أن جميعهم، من دون استثناء، ضمن هذا النمط؛ فهذا من شأنه أن يلحق الظلم بأل ١٠ أو ٢٠ بالمائة الباقين والرافضين له.
٢ - أية
فئة ثقافية ( دينية
أو مناطقية أو عرقية أو لغوية أو غيره ) لا يصح أن يُنسَب إليها فكرٌ ما أو سلوك ما أو صفة ما،
حتى مع توفر الدليل القاطع على أن معظم أبنائها لديهم هذا الفكر أو السلوك أو
الصفة؛ وذلك لسببين: الأول، لأن هذا من شأنه جعل جميع أبنائها ضمن هذا النمط
وإلحاق الظلم بالأقلية الباقية؛ الثاني، لأنه إذا افترضنا أن أبناء هذه الفئة،
الذين لديهم ذلك الفكر أو السلوك أو الصفة، قد قُيّض لمعظمهم مستقبلاً أن
يتغيَّروا ويتخلوا عنه، فيبقى من الصعب على أبناء باقي الفئات تغيير موقفهم منهم
بفعل ما يكونون قد تعودوا عليه ماضياً في جعل جميع أبناء فئتهم في نمط واحد.
بينما إذا
تم التعامل مع أبناء هكذا فئة أن قسماً منهم وليس جميعهم عندهم ذلك الفكر أو
السلوك أو الصفة، أي عندما يقال: "إن قسماً من أبناء هذه الفئة عندهم هذا
الفكر أو السلوك أو الصفة" وليس أن يقال: "إن هذه الفئة عندها هذا الفكر
أو السلوك أو الصفة"، فهذا من شأنه أن ينصف الأقلية الباقية من أبنائها؛ ثم
إذا قُيّض للأكثرية أن يتغيّر قسمٌ منها مستقبلاً فيكون من الأسهل على أبناء باقي
الفئات أن يتعاملوا معهم من هذا المنطلق.
مثلاً، إذا
افترضنا أن أبناء فئة عرقية ما في بلد ما، يسعى معظمهم للتمرد العسكري للانفصال عن
البلد الأم؛ فمن الخطأ القول إن هذه الفئة العرقية تسعى للتمرد والانفصال ( كما
يتم في الكثير من الأحيان التداول في هكذا حالات عبر وسائل الإعلام )،
بل الصحيح أن يقال إن قسماً من أبناء هذه الفئة يسعى للتمرد؛ أولاً، لأن هذا القول
من شأنه أن لا يلحق الظلم بالبقية من أبناء هذه الفئة الذين يرفضون التمرد ويفضلون
البقاء ضمن البلد الأم، وثانياً، لأنه إذا غيَّر قسمٌ من المتمردين موقفَهم
مستقبلاً وقرروا البقاء ضمن البلد الأم فسيكون من الأسهل على أبناء باقي الفئات
التعامل معهم من هذا المنطلق الجديد.
٣ - بالعودة
إلى عبارة القانون الأرثوذكسي، حتى مع توفر الدليل القاطع أن الطائفة الأرثوذكسية
هي وحدها من بين جميع الطوائف التي معظم أبنائها يوافقون على قانون اللقاء
الأرثوذكسي وعلى أن يتبنّوه، يبقى من الخطأ الكبير أن تقال هذه العبارة. فكيف إذاً
هو الحال حتى مع عدم توفر أدنى دليل على هذا الأمر ؟
في هذه
الحال أقل ما يمكن أن يقال عن هذه العبارة إنها تمييز فئوي بحق الطائفة الأرثوذكسية
وإهانة لها.
أما عن
السبب في كونها إهانة، فهو يعود إلى أن الذين يعتبرون هذا القانون أمراً سيئاً وفي
نفس الوقت ينسبونه إلى هذه الطائفة فهذا، بالطبع، إهانة لها؛ أما الذين يعتبرونه
أمراً جيداً وفي نفس الوقت ينسبونه إليها فهذا يعني أنهم يستخدمون هذه الطائفة
كمطية لتمرير هذا القانون، ويعني أيضاً تحميل هذه الطائفة تبعات أية نتائج سيئة قد
تترتب على تطبيق هذا القانون، في حال إقراره، مستقبلاً، وهذا بدوره إهانة لها.
٤ - بالطبع،
ليس جميع الإعلاميين والسياسيين الذين استخدموا عبارة القانون الأرثوذكسي قد
تقصدوا أن ينسِبوا قانونَ اللقاء الأرثوذكسي إلى الطائفة الأرثوذكسية، وإنما أكثرهم
قام بذلك بفعل الانقياد وراء خطأ شائع أو ربما اختصاراً للوقت؛ لكن هذا لا يمنع أن
يكون قسم منهم قد تقصَّد بالفعل هذا الأمر إما لإعطاء مصداقية أكبر لهذا القانون
وتمريره وإما لتشويه صورة الطائفة الأرثوذكسية لسبب أو لآخر.
ثم إن وجود
خطأ شائع لا يُبرِّر أن ينقاد الإعلاميون والسياسيون وراءه، الذين يُفترَض بهم أن
تكون عندهم آراء نقدية وتحليلات وأدوار قيادية.
فالإعلامي
عندما يساهم في إعداد نشرات الأخبار أو يكتب المقالات أو يجري المقابلات أو يدير
الحوارات، يعني أنه محلل وقارئ للأحداث، ويُفترَض به أن يتنبَّه للأخطاء الشائعة
وليس أن ينجَّر وراءها، خاصة عندما تكون من النوع الذي يلحق الأذى بأبناء فئة
برمتهم. والسياسي يُسمى قيادياً ليس لأنه ينقاد وراء الأخطاء الشائعة بل لأنه
يُفترَض به أن يتنبه إليها وأن يعرف كيف يقود مؤيديه إلى ما هو صحيح.
أي إنه حتى
ولو كانت النِيَّة سليمة تماماً من استخدام عبارة القانون الأرثوذكسي، فهذا لا
يعفي الإعلاميَ أو السياسيَ من مسؤوليته. لأن الإعلامي عندما يتحدث أو يكتب من على
منبره، والسياسي عندما يُدلي بمواقفه أمام المواطنين، يُحاسبان على ما يتلفظان به
على لسانيهما وليس على ما يضمرانه في داخلهما. فالرجل عندما يتسلى ويمزح مع رفقائه،
بإمكانه أن يقول لهم لا تحاسبوني على ما يَظهر على لساني بل على ما هو في قلبي؛ والرجل الذي يلعب ويتسلى مع امرأته أو عشيقته بإمكانه أن يقول لها لا تحاسبيني على
ما يَظهر على لساني بل على ما هو في قلبي. أما الإعلامي بتوجّهه إلى قرائه أو
مشاهديه أو مستمعيه، والسياسي بتوجّهه إلى المواطنين، لا يستطيعان أن يقولا لا
تحاسبونا على ما يَظهر على لسانينا بل على ما هو في قلبينا...
٥ - كنتُ
قد تنبهتُ منذ أيام إلى أحدهم يقول عبر شاشة التلفزيون إنه يتم استخدام عبارة
القانون الأرثوذكسي لأن إيلي الفرزلي قد استخدمها؛ إشارة إلى نائب رئيس مجلس
النواب السابق إيلي الفرزلي، أحد أعضاء جمعية اللقاء الأرثوذكسي ومن أبرز
المدافعين عن القانون.
الرد هو أن
استخدام بعض أعضاء هذه الجمعية لعبارة القانون الأرثوذكسي، وحتى لو وصل الأمر إلى أن تطلق هذه الجمعيةُ هذه التسميةَ
على هذا القانون؛ فهذا لا يبرِّر قيام الإعلاميين والسياسيين باستخدامها. لأنه من
البديهيات في العمل الإعلامي أنه إذا استخدمت جهةٌ ما أو شخص ما عبارةً مسيئة بحق
جهة أخرى أو شخص آخر، ثم قام الإعلامي بذِكر هذه العبارة عبر وسيلته الإعلامية، أو
قام أي شخص آخر بذِكرها عبر إحدى وسائل الإعلام، فإن الموضوعية تقضي بأن تُقرَن
هذه العبارة بعبارة "على حد تعبير أو على حد قول أو بحسب تعبير فلان..."
للدلالة على أنه يقوم بنقل العبارة بحرفيتها ومن دون اتخاذ أي موقف، سواء
بالموافقة أم الرفض، لما تتضمنه من إساءة لتلك الجهة أو الشخص.
٦ - لكن
ما هو مقدار الضرر الذي من الممكن أن يكون استخدام عبارة القانون الأرثوذكسي، من
قبل قسم كبير من الإعلاميين والسياسيين وبهذه الكثرة في الأسابيع الماضية، قد
ألحقه بالطائفة الأرثوذكسية في لبنان ؟
الجواب هو
أننا نعيش اليوم في عصر الإعلام الكوني حيث هناك كمية ضخمة من الأخبار تأتي من
مختلف مناطق العالم، وحيث ليس من الصعب على أي شخص في أي بلد في العالم أن يحصل
عليها من خلال الفضائيات وغيرها من وسائل الإعلام والاتصال. هذا الشخص، وسواء أكان
محلِّلاً سياسياً أم لا أو كثير التعلم أم قليل التعلم وبغض النظر عن اختصاصه أو
عمله، فليس بإمكانه أن يتابع بتوسّع جميع الأخبار السياسية التي تصله من خارج بلده
عبر وسائل الإعلام، لأنه ببساطة ليس عنده الوقت الكافي لذلك. بالتالي، هو مضطر لأن
يكتفي بالموجز عنها أو بعناوين نشرات الأخبار أو عناوين الصحف والمواقع
الإلكترونية؛ إلا إذا استوقفه موضوعٌ ما لسبب ما فيقوم بالتوسع فيه. مثلاً، مما نجده في هذا الإطار أن الكثير من محطات التلفزة وغيرها من وسائل الإعلام أصبح عندها
فقرة ثابتة يتم فيها فقط، اختصاراً للوقت، قراءة عناوين الصحف المحلية والخارجية أو عناوين نشرات الأخبار أو المواقع الإلكترونية.
واعتماداً،
فإن أي شخص في العالم العربي، أو خارجه في أي مكان في العالم، عندما يشاهد أو
يستمع إلى أخبار لبنان عبر ما هو متوفر لديه من وسائل إعلام، ويستمع إلى عبارة
القانون الأرثوذكسي وإلى مختلف المواقف بالقبول أو الرفض له وحتى لو كان مدرِكاً
تماماً أن جمعية اللقاء الأرثوذكسي هي التي اقترحته، وفي حال لم يكن لدى هذا الشخص
معرفة واسعة بطبيعة المجتمع اللبناني وبتاريخ لبنان فسيذهب به التفكير إلى أن
الطائفة الأرثوذكسية هي وحدها من بين باقي الطوائف التي معظم أبنائها يوافقون على
هذا القانون وعلى أن يتبنوه، أي إن هذا القانون يتوافق مع توجههم ومواقفهم وأفكارهم
ومشاعرهم ويتوافق أيضاً مع تاريخ الطائفة الأرثوذكسية ودورها في لبنان؛ إضافة، وفي
حال لم يعجبه هذا القانون فسيذهب به التفكير إلى أن الطائفة الأرثوذكسية في لبنان
هي الطائفة الأكثر انعزالية والأكثر عنصرية والأكثر عصبية طائفية، أي الأكثر سوءًا
من بين جميع الطوائف في لبنان...
٧ - بالنظر إلى كل ما تقدَّم، لما كان استخدام عبارة القانون الأرثوذكسي تمييزاً فئوياً بحق الطائفة الأرثوذكسية وإهانة لها، فالإعلاميون والسياسيون الذين قد استخدموا
هذه العبارة، وحتى ولو كانوا قد استخدموها بكل نيَّة حسنة ومن دون أي قصد لنَسب هذا
القانون إلى هذه الطائفة، المفترَض بهم أن يكفّوا عن هذا الاستخدام وأن يعتذروا،
من على المنابر الإعلامية، من هذه الطائفة عن هذا الخطأ وعما قد ألحقه بها من تمييز فئوي وإهانة وتشويه لصورتها وجرح لمشاعر أبنائها وغيره...
وعن الإعلاميين والسياسيين اللبنانيين الذين لم يستخدموا هذه العبارة، وحرصاً منهم على العيش المشترك وعلى عدم إلحاق هكذا ضرر أو ظلم بأية طائفة، المفترَض بهم بدورهم أن يطالبوا أو ينبِّهوا الذين قد استخدموها على ضرورة القيام بهذا الاعتذار...
وعن الإعلاميين والسياسيين اللبنانيين الذين لم يستخدموا هذه العبارة، وحرصاً منهم على العيش المشترك وعلى عدم إلحاق هكذا ضرر أو ظلم بأية طائفة، المفترَض بهم بدورهم أن يطالبوا أو ينبِّهوا الذين قد استخدموها على ضرورة القيام بهذا الاعتذار...
ثانياً، لجهة موافقة أو معارضة قانون اللقاء
الأرثوذكسي مع الوضع في لبنان.
١ - كما هو معروف، الديمقراطية لا تعني فقط حكم
الأكثرية، بل تعني أيضاً مفاهيم الحرية والأخوة والمساواة. أي إنه عندما سيؤدي حكم
الأكثرية إلى إلحاق التهميش أو الغبن أو الظلم بأقلية ثقافية ما ( دينية
أو مناطقية أو عرقية أو لغوية أو غيره ) أو بفئة ضعيفة ما في المجتمع ( كمثل
النساء )،
وعندما لا يتوفر الأمل أن تؤدي برامج التوعية لدى الأكثرية، في المستقبل المنظور، إلى
تغيير معاملتها تجاه هكذا أقليات أو فئات ضعيفة، فإن مفاهيم الحرية والأخوة
والمساواة تقضي بأن يكون لهكذا أقليات أو فئات الضمانات الكافية لحمايتها من أي
تهميش أو غبن أو ظلم. من ضمن هذه الضمانات، هناك إعطاء الإدارة الذاتية، أي الاتحاد
الفيدرالي، للأقليات، أو إعطاؤها الامتيازات في البرلمان ومجلس الوزراء والإدارة العامة؛ كما هناك
الكوتا النسائية التي تأتي في هذا الإطار.
الإدارة
الذاتية أو الاتحاد الفيدرالي للأقليات لا ينفع للتطبيق في جميع البلدان. مثلاً، إذا
كانت الأكثرية تسيطر على القطاعات المهمة في البلاد من اقتصاد وتعليم وصحة وإعلام
وغيره فإن الإدارة الذاتية لأية أقلية قد تزيد من أوضاعها سوءًا وتجعلها أكثر تحت
رحمة الأكثرية. مثلاً آخر، إذا كانت الإدارة الذاتية للأقلية ستزيد من مواقفها
العنصرية تجاه الأكثرية وستفتح البابَ أمامها لكي تتحول إلى جسر أو موطئ قدم
لسياسات خارجية تطمع ببلدها وبالمنطقة، الأمر الذي سيؤدي إلى نتائج سلبية على
الأمن القومي في البلاد، ( كما هو الحال في الواقع اللبناني )،
هنا يجب البحث في خيارات أخرى لهذه الأقلية.
٢ –
بالعودة إلى اقتراح قانون اللقاء الأرثوذكسي، لا يحتاج الأمر إلى الكثير من التفكير للقول إنه عندما تنتخب كل
طائفة نوابَها فهذا بمثابة الخطوة المهمة نحو الإدارة الذاتية للطوائف أو أي شكل آخر من أشكال التقسيم.
ففي بلد متعدد الطوائف مثل لبنان، ويوجد فيه تاريخ طويل من الصراعات الطائفية، ولا يزال يوجد فيه قلة ثقة متبادلة وضعف في الوحدة الوطنية بين الطوائف، فإن العمل بهكذا قانون للانتخابات من شأنه أن يَفتح المجال أمام كل طائفة لأن تحاسب وحدها نوابَها، من خلال إعادة انتخابهم أم لا، على ما قاموا به من أجل مصلحتها أكثر من أن تحاسبهم على ما قاموا به من
أجل مصلحة الأمة جمعاء؛ وحتى لو لم يحدث هذا الأمر فسيكون هناك تخوف من حدوثه؛ الوضع الذي سيزيد من قلة الثقة المتبادلة ومن ضعف الوحدة الوطنية بين الطوائف؛ وكل هذا من شأنه أن يشجِّع العاملين على زيادة التباعد بينها، وصولاً إلى الفيدرالية أو غيرها من أشكال التقسيم، على اتخاذ خطوات أكثر في هذا الصدد؛ كمثل اقتراح قانون
منع بيع الأراضي إلى مَن ينتمون إلى دين آخر الذي تم طرحه في العام ٢٠١٠. وحتى
لو لم يتم القيام بأية خطوة في هذا الصدد فسيكون هناك تخوف من اتخاذها، الأمر الذي
سيؤدي إلى مخاوف من توترات أمنية في البلاد أو إلى زيادتها في حال كانت موجودة.
باختصار، في
حال كانت القناعة في لبنان أن تتم حماية الأقليات الدينية فيه من خلال الفيدرالية أو أي شكل آخر من أشكال التقسيم فإن قانون اللقاء الأرثوذكسي
وذلك القانون حول منع بيع الأراضي إلى مَن ينتمون إلى دين آخر يشكلان بداية جيدة
في هذا الطريق. أما مع القناعة باستحالة السَير في لبنان في هذا الطريق وبأنه من
الضروري أن تتم حماية الأقليات دينية فيه من خلال طرق أخرى تساهم في زيادة الثقة المتبادلة والوحدة الوطنية بين الطوائف، فيجب الابتعاد عن هكذا قوانين في الانتخابات وبيع الأراضي...
أما عن
السبب في كون فيدرالية الطوائف في لبنان أو غيرها من أشكال التقسيم سيزيد مما يوجد
من عنصرية عند بعض هذه الطوائف وسيفتح البابَ أمامها لكي تتحول إلى جسر أو موطئ
قدم للسياسات الغربية التي تطمع بهذا البلد وبالمنطقة، فسنتطرق إلى هذا الموضوع
مستقبلاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق