ما يتضمنه كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" دراسات معمقة وغير مسبوقة في السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا؛ من بينها: أربع نظريات جديدة في الأنتروبولوجيا المجتمعية، وخطة لحلّ الأزمة في لبنان، وإستراتيجيا تعتمد وسائل المحاربة الإعلامية والسياسية والاقتصادية لهزيمة الولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية، والتي سيكون من نتائجها الاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور في العالم العربي ومعظم دول الجنوب.

الثلاثاء، 30 يونيو 2015

شعر غزل ( 19 )



"جِينا"، حَسناءُ طريفة وفي العُشقِ مُتمردة

تتمشى في الحديقة فَتَغارُ منها أجمَلُ وَردة

تَسِيرُ على الطَريقِ فَتَلتَفِتُ إليها كُلُّ نَظرة

تَنامُ على سريرها فَتَعشَقُ كُلُّ بَعوضَة أن تَحَطَّ عليها وتَتَذَوَّقَ حَلاوَتَها.

.....................................

ابتسامةُ "نورَة" من خَيالٍ ولُبَّان

فيها المرَحُ والشَّبَقُ وكَثيرٌ من الحَنان

فيها مَذاقُ أطيابٍ من قُصورِ الجَان

فيها سِحرٌ يَجعَلُني أترنَّحُ كالوَلهان

فيها شَغَفِي في اغتصابِ شَفَتَينِ حُمرَتُهما كعَقِيقٍ ومَرجان.

.....................................

"عُلا"، في رَسمِ شَفَتَيها ثَلجٌ ونارٌ جَميلة

تَعشَقُ الاقترابَ منها وتَقبيلَ لَهيبٍ مُغرِيَة

كأن آلهةً قَديمة نَزِلَت من قِمَمِ جِبالٍ عالِيَة

لتَستَوطِنَ الشَفَتَينِ وتُرِيكَ أنغامَ حُبٍّ شَهِيَّة

لتَحمِلَك إلى بِلادٍ جُردِيَّة، "عُلا" الملكَةُ فيها وطُيوبُها عَسَليَّة.

.....................................
عامر سمعان

السبت، 20 يونيو 2015

ميشال سماحة، وقصر النظر عند 14 آذار


     ما سنبيِّنه في مسألة ميشال سماحة، هو أن الاحتمال الأكثر منطقية وترجيحاً في قضية نقله المتفجرات والتخطيط لتنفيذ تفجيرات واغتيالات في لبنان، هو تعاونه مع أحد أطراف المعارضة السورية أو أحد الأطراف الداعمين لها في الخارج. كما سنبيِّن مدى قصر النظر الذي تخبَّط فيه فريقُ 14 آذار ومَن معه في لبنان في تعاطيهم مع هذه المسألة.
    
1 - في 9/ 8/ 2012 قامت الأجهزةُ الأمنية اللبنانية بإلقاء القبض على الوزير والنائب السابق ميشال سماحة، أحد أهم الشخصيات اللبنانية المؤيدة للنظام السوري، وتم الادعاء عليه وعلى اللواء في الجيش السوري علي مملوك (مدير مكتب الأمن القومي) وعلى ضابط سوري آخر بتهمة "تأليف عصابة مسلحة بقصد ارتكاب جنايات على الناس والأموال والنَيل من سلطة الدولة وهيبتها والتعرّض لمؤسساتها المدنية والعسكرية توصلاً إلى إثارة الاقتتال الطائفي عبر التحضير لتنفيذ أعمال إرهابية بواسطة عبوات ناسفة... وإقدامهم أيضاً على التخطيط لقتل شخصيات دينية وسياسية ودس الدسائس لدى مخابرات دولة أجنبية لمباشرة العدوان على لبنان..."  
     وتم بث شرائط فيديو عبر الوسائل الإعلامية تُظهِر سماحة مجتمعاً مع ميلاد الكفوري (المخبِر السرِّي لدى قوى الأمن الداخلي والذي صوَّر الفيديوهات وكشف مخطط سماحة)، وهو يسلِّمه متفجرات وأموالاً ويعطيه التعليمات في استهداف بالتفجيرات تجمعات للسوريين المعارضين للنظام في منطقة عكار في شمال لبنان وممرات تهريب الأسلحة وكذلك في استهداف المدنيين اللبنانيين المتعاطفين معهم في حال تواجدهم في هذه التجمعات حتى ولو كان منهم نواب ورجال دين مسلمون وحتى المفتِين والإفطارات الرمضانية... كما ظهر في هذه الشرائط سماحة وهو يقول للكفوري بأن الأشخاص الذي يعلمون بهذا الموضوع هم فقط اللواء مملوك والرئيس الأسد...
     وبالطبع كان من نتائج هذا الموضوع أن فريق 14 آذار ومَن معه في لبنان قد هلَّلوا لما اعتبروه نصراً إعلامياً وسياسياً كبيراً، وجعلوا منه الدليل الأهم على تورط نظام الأسد باغتيال الحريري وكافة الاغتيالات المرتبطة به، وعلى نهج هذا النظام في زعزعة استقرار لبنان.
     ولأن هذا المخطط كان سيتزامن مع زيارة البطريرك الماروني إلى منطقة عكار، فقد اعتبروا أنه من ضمن أهدافه هو اغتيال البطريرك وإدخال المسيحيين في الفتنة الطائفية، في سياق الأعمال الانتقامية أو الفتنة التي ستحدث.   
     ومؤخراً بعد أن صدر الحكمُ عن المحكمة العسكرية في 13/ 5/ 2015 بحق سماحة بسجنه لمدة أربع سنوات ونصف وتجريده من حقوقه المدنية، اعترض هذا الفريقُ بشدة على هذا الحكم معتبرينه مخففاً جداً...وحالياً يتم العمل على تمييزه.

2 - حول الجهة المستفيدة من الجريمة.
     في الجريمة السياسية، القاعدة المنطقية والبديهية في توجيه الاتهام بها، هي أن الطرف المستفيد أكثر من غيره منها يكون المتهَم الأول بها، شرط أن تتوفر عنده إمكانات التنفيذ (وفي التعابير القانونية يكون المشتبَه به الأول ويصبح لاحقاً، في سياق التحقيق، المتهَم).
     أي إنه لتخمين الجهة المتعاونة مع سماحة في مخططه المزعوم (والتي يُفترَض أن تكون هي المشتبَه به الأول في أية محاكمة في هذه القضية) فمن المنطقي اتِّباع قاعدة أن المستفيد الأول يكون المتهَم الأول. ومن غير المنطقي إطلاقاً التعويل أولاً وأخيراً على ما يقوله سماحة في إفاداته وفي التحقيقات معه وعلى ما تُظهِره الفيديوهات لتخمين هذه الجهة.
     إذاً مَن تكون تلك الجهة المستفيدة أكثر من غيرها ؟
     الجواب، هو أنه في حال تم تفجير فتنة طائفية في لبنان، فمن نتائجها الحتمية، والواضحة والبديهية، هو أن السوريين المعارضين للنظام والمتواجدين داخل لبنان ونظرائهم من اللبنانيين الداعمين للمعارضة السورية المسلحة وأيضاً الأصوليين الإسلاميين الذين سوف يأتون إلى لبنان للقتال إلى جانب هؤلاء، سيكون المجال مفتوحاً أمامهم لإدخال السلاح وغيره من المساعدات إلى المعارضة السورية المسلحة في الداخل السوري، والأهم، هو أنه سيكون مفتوحاً أمامهم لفتح جبهات انطلاقاً من الأراضي اللبنانية على دمشق وحمص والساحل السوري ضد النظام السوري. وحيث الساحل هو الخزان البشري الأساسي للجيش السوري وله رمزيته الكبيرة الداعمة للنظام، وحيث حمص كانت آنذاك (2012) "عاصمة الثورة السورية" وهي التي بإمكانها أن تفصل العاصمة عن الساحل...
     وفي حال تم حصول هذه التطورات، فإن النظام السوري سيكون مكبَّلاً في الردّ العسكري، كما كانت الأوضاع في 2012. لأن هذا كان سيشكل الحجةَ المناسبة أمام الدول الداعمة للمعارضة السورية لكي تقوم بالتدخل العسكري ضده. كونها كانت تطالب آنذاك بالتدخل العسكري "لفتح الممر الآمن للمساعدات الإنسانية إلى حمص" ولإقامة "منطقة الحظر الجوي"... أي إنه في هذا الوضع يصبح سقوط هذا النظام عسكرياً أمراً وشيكاً.
     والآن، لا يزال الوضع هو نفسه، فالطريقة الأسهل والأسرع لإسقاط النظام السوري هي في إغراق لبنان في فتنة طائفية (كمثل أن يتم إشعالها من خلال تنفيذ اغتيالات تطال كبار زعماء السنة،"المعتدلين" أو غيرهم) واستنزاف حزب الله في الداخل اللبناني، وفتح الجبهات على دمشق وحمص والساحل السوري انطلاقاً من الأراضي اللبنانية.
     يعني باختصار، ومنذ أن ابتدأت الأحداث السورية، فإن النظام السوري كان ولا يزال أكثر طرف في العالم يتضرر من أية توترات أمنية في لبنان أو إشعال لفتنة طائفية فيه. وكان ولا يزال أكثر طرف في العالم يستفيد من الاستقرار الأمني فيه.
     وأيضاً، منذ أن ابتدأت هذه الأحداث فإن المعارضة السورية المسلحة (بكل أطيافها) وكل الداعمين لها في الخارج (وصولاً إلى الأمريكيين)، كان ولا يزالون أكثر طرف في العالم يستفيد من إحداث توترات أمنية في لبنان وإشعال فتنة طائفية فيه. بالطبع مع استثناء اللبنانيين الداعمين لهذه المعارضة (قسم منهم وليس جميعهم).
    واعتماداً، تكون الاحتمالات في الجهة المتعاونة مع سماحة هي كالتالي:
- أولاً، أن يكون سماحة قد انشقَّ عن نظام الأسد وتعاون مع أحد أطراف المعارضة السورية المسلحة أو تلك الداعمة لها في الخارج لتفجير فتنة طائفية في لبنان بهدف التضييق على نظام الأسد من خلال فتح الجبهات على دمشق وحمص والساحل انطلاقاً من الأراضي اللبنانية وأيضاً لتسهيل إدخال المساعدات العسكرية وغيرها إلى المعارضة في الداخل السوري، كما تم توضيحه أعلاه.
- ثانياً، أن يكون سماحة قد انشقّ عن نظام الأسد وتعاون مع أحد أطراف المعارضة السورية أو تلك الداعمة لها في الخارج، وخاصة منها أحد أطراف فريق 14 آذار في لبنان؛ لكن ليس لتفجير فتنة طائفية في لبنان أو القيام بأية أحداث أمنية، بل بهدف تشويه صورة النظام السوري (من خلال تمثيلية الإبلاغ عنه والقبض عليه) وتقديم الدليل الأهم على تورط نظام الأسد بزعزعة الاستقرار في لبنان، بما يساهم بشكل كبير في إدانته في اغتيال الحريري في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.    
- ثالثاً، أن يكون سماحة قد تعاون بالفعل مع النظام السوري لتنفيذ تلك التفجيرات والاغتيالات ولإشعال الفتنة... لكن يبقى هذا الاحتمال هو الأقل ترجيحاً بالنظر إلى كون هذا النظام هو الطرف الأكثر تضرراً في العالم من هذا الأمر... والتحليل المنطقي يقتضي أنه عندما يوجد طرفان متهمان بجريمة: الأول يستفيد من الجريمة ونفترض أنه تصرَّف بذكاء وارتكبها للحصول على هذه الاستفادة، والثاني لا يستفيد من الجريمة بل يتضرر إلى أبعد الحدود منها ونفترض أنه تصرَّف بغباء وارتكبها ظناً منه أنه سيستفيد منها؛ في هكذا وضع، فإن أبسط قواعد المنطق تقتضي توجيه الاتهام أولاً وأساساً إلى الطرف الأول، وليس إلى الثانـي؛ لأنه في حالة هذا الأخير، ومهما كان غبياً فسيظل عنده القليل من التفكير ليدرك مدى الضرر الذي سيلحق به من الجريمة.

3 - الحجج التي قُدَّمَت آنذاك (أي في 2012) من قبل فريق 14 آذار لتوضيح استفادة النظام السوري من إشعال الفتنة الطائفية في لبنان كانت ما يلي:
- الحجة الأولى، هي أن النظام السوري أراد إشعال هذه الفتنة بهدف جعل قسم مهم من المقاتلين السنّة الأصوليين، القادمين من مناطق مختلفة من العالم، يتوجهون إلى لبنان للمحاربة فيه إلى جانب أهل السنّة عوضاً من أن يتوجهوا جميعهم إلى سوريا؛ فيخف الضغط عن النظام فيها.
الردّ، صحيح أن قسماً مهماً من المتطرفين سيأتي إلى لبنان في حال حصول الفتنة، لكنهم كما سيقاتلون في الداخل اللبناني كذلك هم سيعملون، كما هو حال حلفائهم في هذا الداخل، على إرسال المساعدات إلى المعارضة في الداخل السوري وأيضاً على فتح جبهات على النظام السوري انطلاقاً من الأراضي اللبنانية؛ كما أوضحنا أعلاه. وبالتالي سيبقى هذا النظام هو المتضرر الأكبر من هذه الفتنة. فتكون هذه الحجة هي خطأ كلي.
- الحجة الثانية، هي أن إشعال فتنة طائفية في لبنان يكون المسيحيون، أو غيرهم من الأقليات، أهم ضحاياها من شأنها أن تُظهِر النظامَ السوري بصفة المدافع عن الأقليات.    
الردّ، منذ بداية الأحداث السورية، وقبل صعود نجم داعش الدموي، عندما كان يتعرَّض المسيحيون السوريون للقتل والخطف والسرقة المسلحة والاغتصاب والتهجير والقنص والقصف والذبح وتخريب الكنائس وغيره... كان النظامُ السوري يُتهَم من قبل المعارضة وحلفائها في الخارج وكل الماكينات الإعلامية التي تحت تصرفهم بأنه هو مَن يُدبِّر هذه العمليات الإجرامية بحق المسيحيين بهدف تشويه صورة المعارضة، تماماً كما كان يُتهَم من قبل هؤلاء بكل الجرائم التي تحصل بحق المدنيين سواء أكانوا موالين له أم معارضين... أي إنه في حال حصلت تلك الفتنة الطائفية في لبنان، آنذاك، وتعرّض المسيحيين، أو غيرهم من الأقليات، لعمليات إجرامية فسيُتهَم النظامُ السوري من قبل المعارضة السورية وكل حلفائها في الخارج، من أمريكيين ومتأمريكين، بأن هو من أثار هذه الفتنة ليُظهِر نفسه بصورة المدافع عن الأقليات... أي إنه هنا أيضاً لن يكون مستفيداً من هذا الأمر. وتكون هذه الحجةُ بدورها هي خطأ كلي.
     إضافة إلى ما تقدم، وأية حجة من الممكن أن تكون قد قُدِّمت، كمثل أن النظام السوري يستفيد من إشعال فتنة طائفية في لبنان لأنه يريد أن يلفِت أنظار العالم إلى أن الأحداث السورية قد تُشعِل المنطقة وما شابه... كل هذه الحجج تسقط أمام حقيقة أن هذا النظام هو أكثر المتضررين من إشعال أية فتنة في لبنان، للأسباب التي أوضحنا أعلاه.

4 - حول كيفية نقل المتفجرات.
     من الأمور الأكثر ريبة في هذه المسألة، أو بالأحرى الأكثر سخرية، هي قيام ميشال سماحة بنقل المتفجرات، المعدَّة لتنفيذ المخطط المزعوم، من دمشق إلى لبنان داخل صندوق سيارته الخاصة.
     هذه الوسيلة البدائية والبسيطة لا يمكن اعتمادها إلا إذا كان الطرف المتعاون مع سماحة ليس لديه أي نفوذ في الداخل اللبناني وغير قادر على تجنيد عملاء متخصصين أو مدربين على هكذا مهام فيه. لكن سوريا، أو بالأحرى النظام السوري، هو أكثر طرف في العالم لديه نفوذ في الداخل اللبناني وقادر على تجنيد عملاء متخصصين أو مدربين داخل لبنان لتنفيذ هكذا مهام. بالنظر إلى أن أكثر من نصف الشعب اللبناني (فريق 8 آذار) هو على تحالف إستراتيجي معه، وإلى التواجد السوري العسكري الطويل في لبنان، وغيره...
     فكيف يُعقَل أن يقوم هذا النظام بالاعتماد على سماحة وعلى صندوق سيارته الخاصة لنقل المتفجرات إلى منطقة عكار ؟ وكيف يُعقَل أن يقوم بتجنيد سماحة، الذي هو من أهم الأبواق الإعلامية المدافعة عنه، وتعريضه للخطر في هذه العملية ؟
     للتوضيح أكثر، سنعيد إلى الذاكرة ما كان ولا يزال فريق 14 آذار ومَن معهم يقولونه في إعلامهم عن النظام السوري. هؤلاء كانوا ولا يزالون منذ اغتيال الحريري في العام 2005 يصورون هذا النظامَ على أنه نظام قمعيّ ومخابراتي قام بتدبير الاغتيالات التي طالت قيادات من 14 آذار وتنفيذ تفجيرات في مناطقهم السكنية في الأعوام 2005 و2006 و2007، وأنه هو مَن أوجد تنظيم فتح الإسلام في مخيم نهر البارد، وأنه هو مَن دبّر أحداث 7 أيار في العام 2008، وهو مَن يمنع حزبَ الله من تسليم سلاحه إلى الدولة، وهو مَن يعرقل الحياة السياسية في لبنان، وهو مَن كان يطلب من مناصريه شلَّ الحياة اليومية والاقتصادية في العاصمة من خلال الاعتصامات الطويلة، وهو مَن يسيطر على جهاز المخابرات في الجيش اللبناني وعلى جهاز الأمن العام، وخلال الأحداث السورية فإن هذا النظام هو مَن أوجد تنظيمي النصرة وداعش بهدف تشويه صورة الثورة السورية وكسب التعاطف العالمي، وحتى مؤخراً من بعد صدور الحكم على سماحة في المحكمة العسكرية فقد أتى الحكمُ مخففاً بسبب خضوع ضباط وقضاة هذه المحكمة للنفوذ السوري في لبنان... يعني باختصار فإن فريق 14 آذار ومَن معه كانوا ولا يزالون يصورون النظامَ السوري على أنه نظام قمعيّ ولديه قدرات مخابراتية خارقة للطبيعة، وخاصة داخل لبنان؛ بالتالي، كيف يُعقَل أن هذا النظام قد ضَرَبَه الغباءُ فجأة وأصبح غير قادر على إيصال حمولة صندوق سيارة إلى منطقة عكار التي هي أصلاً ملاصقة تماماً للحدود السورية في شمال لبنان ؟
     الواقع، أن مَن ضَرَبَه الغباءُ فجأة هو ليس النظام السوري بل جهة أخرى موجودة داخل لبنان.

5 - حول التشابه بين متفجرات سماحة والمتفجرات التي استخدِمت في اغتيال جورج حاوي وسمير قصير ومحاولة اغتيال مَي شدياق.
     من الحجج التي روَّجَها فريقُ 14 آذار ومَن معه في لبنان، هي أن قسماً من المتفجرات التي جلبها سماحة في صندوق سيارته من سوريا هي مشابهة بالنوع (أو من النوع نفسه) لتلك التي استخدِمت في اغتيال قياديَين من 14 آذار في العام 2005 والذين هم جورج حاوي وسمير قصير وفي محاولة اغتيال مَي شدياق (متفجرات مجهَّزة بمغناطيس لاصق)، وهي مصنَّعة في إحدى دول أوروبا الشرقية... فطبَّلوا وزمَّروا لهذه الحجة كدليل لا يُعلى عليه، وحالياً يعملون على تقديمه إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ليكون دليلاً إضافياً على تورط النظام السوري باغتيال الرئيس رفيق الحريري وبباقي الاغتيالات المرتبطة به ولرفع قضية سماحة إلى هذه المحكمة.
الردّ: وجود نوعٍ واحدٍ من السلاح مستخدَم في عدة جرائم يكون مؤشِّراً إلى وجود جهة واحدة منفِّذة، هذا فقط في الجرائم الجنائية العادية وليس، بشكل عام، في الجرائم السياسية...
     مثلاً، في حال تمّ وقوع عدة جرائم في منطقة واحدة وفي فترات زمنية متقاربة وكان نوعُ السلاح واحداً (نوع المسدس أو نوع البندقية أو سكين أو عصا...) فيكون هذا مؤشِّراً إلى وجود قاتل واحد من منطلق أن السلاح المستخدَم يتناسب مع حالته النفسانية أو تدريباته أو قدراته الجسدية أو إمكاناته المادية التي لا تسمح له بتأمين سلاح أكثر تطوراً وما شابه...
     أما في الجرائم السياسية، وخاصة منها العابرة للحدود، أي التي يكون المستفيد منها عدة أطراف (دول، أجهزة استخبارات، أجهزة عسكرية، منظمات دولية...) وحيث يكون بإمكان أي طرف منها أن يمتلك عدة أنواع من الأسلحة أو يشتريها أو يصنعها أو حتى يصنعها ويكتب عليها أنها قد صُنعَت في الدولة الفلانية... وأيضاً حيث يكون بإمكانه أن يدرِّب الكثيرَ من العناصر لاستخدام أي نوع من الأسلحة المناسبة للاغتيالات؛ وحيث يكون لديه الإمكانات اللوجستية للتنفيذ... في هذا الوضع لا يعود مطلقاً وجود نوع واحد من السلاح المستخدَم في عدة جرائم مؤشِّراً إلى وجود جهة واحدة منفِّذة.
     وقد تكون الأسباب في استخدام عدة جهات للسلاح الواحد في عدة جرائم سياسية حصلت في بلد أو منطقة واحدة تعود إلى الثقة بفاعليته في هذا النوع من الجرائم أكثر من غيره أو إلى سهولة الحصول عليه واستخدامه أكثر من غيره بما يتناسب مع العوامل اللوجستية لمكان حصول الجرائم، أو إلى توجيه الأنظار أو الاتهام إلى جهة ما عُرِفَ عنها تصنيعها أو امتلاكها أو استخدامها لهذا السلاح، أو غيره.
     الاستثناء من هذه القاعدة هو حين يكون السلاح المستخدَم متطوراً للغاية إلى درجة أنه لا يمكن لأي جهة أن تمتلكه أو تدرِّب عناصر بشرية للتنفيذ أو يكون لديها الإمكانات اللوجستية للتنفيذ... في هذه الحالة تضيق الدائرة بالأطراف المشتبَه بهم.
     فيما يتعلق بقضية سماحة، وإذا افترضنا أنه تم التثبّت أن المتفجرات التي نقلها هي من نفس النوع لتلك التي استخدِمت في اغتيال جورج حاوي وسمير قصِير وفي محاولة اغتيال مَي شدياق، وحتى تم تصنيعها في نفس المصنَع؛ ولما كانت ليست عبارة عن سلاح فائق التطور الذي لا يمكن لأية جهة أن تمتلكه أو تستخدمه؛ فهذا يعني الخطأ الكلي في الجزم بوجود جهة واحدة منفِّذة... أي يكون لدينا الاحتمالات التالية في هذا المضمار:
- أولاً، أن يكون هناك جهة واحد منفِّذة. كمثل أن يكون الأمريكيون أو أحد حلفائهم (والذين من ضمنهم حلفاؤهم في الشرق الأوسط الداعمون حالياً للمعارضة السورية) قد قام بتنفيذ تلك الجرائم التي طالت قيادات من 14 آذار بهدف الاستفادة من الجو الإعلامي الذي كان سائداً آنذاك في توجيه الاتهام إلى سوريا وحلفائها ولزيادة الضغوطات عليهم وللتسريع في إقرار المحكمة الدولية. ثم أن تكون هذه الجهة نفسها قد تعاونت مع سماحة في تنفيذ مخططه للأسباب الواردة أعلاه.... ويكون السبب في اختيارها لهذا النوع من المتفجرات هو للمساهمة في توجيه الأنظار والاتهامات إلى سوريا لكونها معلوماً عنها امتلاكها لهذا النوع من المتفجرات.
- ثانياً، أيضاً أن يكون هناك جهة واحد منفِّذة (أي لكلا الجرائم التي طالت قيادات من 14 آذار وللتعاون مع سماحة في مخططه) كمثل أن تكون هذه الجهة هي النظام السوري أو أحد حلفائه في هذه المنطقة لسبب ما لا يزال غير معلوم.
- ثالثاً، أن يكون هناك أكثر من جهة واحدة منفِّذة، كمثل أن يكون الأمريكيون أو أحد حلفائهم هم مَن قاموا بتنفيذ تلك الجرائم التي طالت قيادات من 14 آذار للأسباب الواردة أعلاه... ثم أن يكون النظام السوري هو الجهة التي تعاونت مع سماحة في مخططه...
- رابعاً، أيضاً أن يكون هناك أكثر من جهة واحدة منفِّذة، كمثل أن يكون النظام السوري أو أحد حلفائه هو من قام بتنفيذ تلك الجرائم التي طالت قيادات من 14 آذار... وأن يكون الأمريكيون أو أحد حلفائهم هم الجهة التي تعاونت مع سماحة في مخططه للأسباب الواردة أعلاه وأنهم قد اختاروا نفس نوع المتفجرات الذي استخدِم في تلك الجرائم بهدف توجيه الأنظار والاتهام إلى النظام السوري...
- خامساً، غير ذلك من الاحتمالات...
     وفي كل الأحوال، وكما هو واضح بشكل بديهي، يبقى من سخافة التفكير الجزم بوجود جهة واحدة منفِّذة.
    
6 - هكذا نكون قد أوضحنا كيف أن الاحتمال الأكثر منطقية وترجيحاً في قضية ميشال سماحة هو تعاونه مع أحد أطراف المعارضة السورية أو أحد الأطراف الداعمين لها في الخارج. كما نكون قد أوضحنا مدى قصر النظر وسخافة التفكير الذي تخبَّط فيه فريقُ 14 آذار ومَن معه في لبنان في تعاطيهم مع هذه المسألة، في هذه المرحلة الخطيرة والمصيرية من تاريخ لبنان حيث الحاجة إلى أن يكون الجميع في التنبه واليقظة وبُعد النظر والابتعاد عن ردات الفعل الانفعالية والعمياء والغرائزية.  


عامر سمعان، كاتب وباحث

20/ 6/ 2015

الثلاثاء، 16 يونيو 2015

شعر غزل ( 18 )



ثَغرُ "جِينا" وَردةٌ شَهِيةٌ يَشِّعُ فوقَه كوكبان

احترتُ عاشِقاً بتذوُقِه أم التَمتُّعِ بضِياءٍ منهما

بتذوِّقِ شفاهٍ وَردِيةٍ أم السَّفرِ في فَضاءِ سِحرهِما

هيَ نَجمٌ مُشِعٌّ في عالمِ عِشقي ... هيَ نَسمَةُ حُبٍّ من رَوعَةٍ وحُسَّان.

.....................................

عادت الصَقْرَةُ الجميلةُ إلى منزلي...

عادَت إليَّ لتقولَ إنها آسفة

تَشبَّثَت بي... كإطباقِها على عُصفورٍ تَفتَرِسُهُ

غَمَرتني بجناحيها ورأسُها ومخالِبُها على صَدري

امتزَجَت أناتُها مع قُبلاتٍ وجنون

فكان ريشُها بنعومةِ نَسماتِ الصباح... وأنفاسُها بِطِيبِ مياهِ الوديان.

.....................................

"زَمَنُ"، هي حَسناءُ، كأطيَبِ تَمْرٍ من العراقِ

يُسمِعُني دِفءُ صَوتِها خَريرَ "دَجلةَ"

ويُرِيني بَياضُ بَشَرَتِها جَمالَ الصحراءِ

ويَحمِلُني الحجابُ الأسودُ إلى غُموضِ الحُّبِ والعُشقِ

هل تَوقَّفَ الزَّمَنُ بين عَينيها ؟ ... أم قد سافرتُ إلى زَمَنٍ آخرَ في ابتسامتِها ؟

.....................................

عامر سمعان 

الاثنين، 15 يونيو 2015

هي "نذالة"


     السياسيون اللبنانيون الذين أيَّدوا "الثورة السورية" معتبرين أنها ستجلب الحرية والديمقراطية والتطور إلى سوريا... لا شك أنهم الآن يدركون جيداً ما يلي:
-  أنه لم يكن هناك شيء يَستحِق أن يُعتبَر "ثورة"، إلا عند أقلية ضئيلة من المعارضة السورية.
- أن الأغلبية من هذه المعارضة كانت عبارة عن مدّ أصولي إسلامي متأمرك... أي مستَعِدّ أن يَقبَلَ مختلفَ أشكال الدعم، العسكري أو غيره، من قبل الأمريكيين أو حلفائهم الإقليميين بهدف إسقاط النظام السوري.
- أن هذا المدّ الأصولي، في حال نجح في إطاحة النظام السوري، لن يتوقف عند حدود لبنان... ولن يرضى "بخلافة إسلامية" أو دولة إسلامية تكون موجودة فقط في سوريا.
- أنه من بين الخيارات المطروحة لإسقاط النظام السوري هو إشعال فتنة طائفية في لبنان وفتح الجبهات على دمشق وحمص والساحل السوري انطلاقاً من الأراضي اللبنانية.
- أنه في حال دخول داعش والنصرة إلى لبنان فسيتم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بحق كل الطوائف، لا تقل في دمويتها وهمجيتها وتخلفها عن تلك المرتكَبة في سوريا والعراق.
- أن أفضل شيء قام به حزبُ الله في تاريخه هو دخوله في الحرب السورية إلى جانب النظام.
     من الصعب الاقتناع، بوجود سياسيين في لبنان لا يزالون غير مدركين لما هو وارد أعلاه (إلا إذا كانوا أصلاً من المنتسبين إلى داعش والنصرة)...
     فيبقى السؤال، هو لماذا هؤلاء، أي سياسيو 14 آذار، لا يعترفون علانية بخطئهم بدعم المعارضة السورية ؟ ولماذا لا يقومون بتقديم الشكر لحزب الله لما يقوم به على الحدود وفي الداخل السوري ويعلنون عن استعدادهم للتعاون معه لردّ الخطر المتربِّص بلبنان ؟   
     الجواب هو بسيط، وهو أن هؤلاء السياسيين يفضلون رؤية داعش والنصرة في الداخل اللبناني وما ينتج عنه من جرائم ضد الإنسانية، على أن يُحرَجوا باعترافهم بالخطأ أمام مؤيديهم... وهذا الموقف، في هذا الظرف، لا يسمى "شطارة سياسية"... بل هي "النذالة" بعينها.
     المطلوب في هذه المرحلة من المواطنين اللبنانيين أن يقوموا بمقاطعة أي سياسي لا يعترف علانية بوجود خطر داهم على لبنان من قبل داعش والنصرة ومَن معهم، ولا يقدِّم الشكر لحزب الله على التضحيات التي يقدمها لحماية لبنان من هذا الخطر، ولا يبدي الاستعداد للتعاون معه للقيام بما يلزم لحماية لبنان منه.
     كما المطلوب من هؤلاء المواطنين مطالبة الدولة، باتخاذ أقصى الإجراءات الممكنة لمواجهة هذا الخطر، كمثل دعوة الاحتياط من الجيش وباقي القوى المسلحة، وإعادة خدمة العلم الإلزامية، وإعادة تشكيل "أنصار الجيش" أو ما شابه، وغيره.
   

عامر سمعان، كاتب وباحث

15/ 6/ 2015