"يتلَطَّى من حَيط إلى حَيط ويقول يا رب أصل إلى البيت"؛
مَثل لبناني.
...............
كنتُ قد ذكرتُ في مقالات عدة لي في الأشهر الماضية، أني وضعتُ خطةً
(إستراتيجيا)، تعتمد وسائل المحاربة الإعلامية والسياسية والاقتصادية، لإلحاق
هزيمة كبرى بالولايات المتحدة وإسرائيل ومَن معهما وإنهاء الزعامة العالمية
الأمريكية؛ وأن
نتائجها الأولية ستكون إنهاء الحرب في سوريا وتمكين النظام من بسط سيادة الدولة
حتى خلال أسابيع، والاستقرار الأمني في لبنان والعراق، وهزيمة الأخوان المسلمين في
مصر وغيرهم من الفئات المتأمركة في باقي العالم العربي... وأيضاً أنه في حال كان
ثمة اعتداء عسكري مباشر أمريكي أو تحت المظلة الأمريكية على سوريا، أو في فترة
التحضير له أو بعد الانتهاء منه، فإن العمل بهذه الخطة من شأنه الوصول في وقت قصير
إلى تكبيل القدرة الأمريكية على القيام بهكذا اعتداء.
ومما كنتُ قد ذكرته أن هذه الخطة هي
موضوعة بناءً على ما قمتُ به من دراسات معمَّقة وغير مسبوقة في علوم السياسة
والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا... وأنه، وفق هذه
الدراسات، فإن الزعامة العالمية للولايات المتحدة وتحالفها مع المستعمرين
الأوروبيين وإسرائيل هي المسبب الأساسي لحالة قلة الاستقرار الأمني والفقر والتخلف
في العالم العربي ومعظم دول الجنوب، وأنه لا يمكن لهذه المناطق أن تنعم بالاستقرار
الأمني والنمو الاقتصادي والتطور والديمقراطية إلا بإلحاق هزيمة كبرى بالولايات
المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية.
هذه الخطة،
كنتُ قد انتهيتُ من صياغتها ووضعتها، مع ما يتعلق بها من دراسات، في كتابي
"حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة"، الذي
تم نشره في أيلول 2012، وتم عرضه في المكتبات في جميع الأراضي
اللبنانية منذ كانون الأول 2012؛ إلا أنه لم يتوفر نشرُه خارج الأراضي اللبنانية
كوني لم أوفق بعد بمن يتعهد هذا النشر. ومنذ كانون الثاني 2013 كانت هذه الخطة
معروضة على مواقعي على الإنترنت وعلى عشرات المواقع على هذه الشبكة في لبنان
وسوريا وغيرهما...
وفي تشرين الأول 2012 كنتُ قد قمتُ بإرسال
نسخ من هذا الكتاب مهداة إلى العشرات من السياسيين في لبنان الذين من ضمن محور
المقاومة، وكذلك إلى العشرات من الإعلاميين في لبنان الذين هم بدورهم من ضمن هذا
المحور. تماماً كما هي العادة أن مَن يقوم بتأليف كتاب ما في أيِّ مجال فإنه يقوم
بإرسال نسخ منه مهداة إلى أبرز المهتمين بمواضيعه.
السؤال الذي كثيراً ما يتم توجيهه إلي هو
لماذا جميع هؤلاء السياسيين والإعلاميين، في لبنان
وسوريا، الذين كانوا على علم بهذه الخطة في الأشهر الماضية لم يقم أيٌّ منهم
بالإعلان عن موافقته عليها أو تبنيها أو حتى بالتحدث عنها عبر الوسائل الإعلامية
؟
الجواب هو أنه يوجد سببان لهذا الموقف:
1
- السبب الأول، هو أن السياسيين والإعلاميين في محور المقاومة، والموجودين في
العالمين العربي والإسلامي، ليس لديهم بعد الجرأة والشجاعة الكافيتين لمواجهة
الولايات المتحدة. فجرأتهم وشجاعتهم هما أساساً في مواجهة إسرائيل التي يسمونها
العدو ويطلقون التهديدات والشتائم عليها ليلَ نهار ويقاطعونها في الصغيرة
والكبيرة؛ بينما فقط قلة منهم تسمي الولايات المتحدة بالعدو وتتجرأ بإطلاق
التهديدات والشتائم عليها والدعوة لمقاطعتها. وأيضاً فقط قلة منهم تعبِّر من وقت
لآخر عن قناعتها بأن إسرائيل هي بمثابة ولاية من الولايات الأمريكية؛ بالرغم من أن
حقيقة هذا الأمر يعرفها حتى أقل المطلعين على الأمور السياسية في العالم العربي.
الموقف الأساسي لهؤلاء السياسيين
والإعلاميين من الولايات المتحدة هو المعارضة في معظم الأحيان، وليس دائماً،
لسياستها وحروبها؛ هذه المعارضة التي تكاد لا تتجاوز عدم السَير وراء الثور
الأمريكي وعدم المشاركة في جرائمه؛ وهم تنقصهم الجرأة والشجاعة لمواجهة هذا الثور
حتى بوسائل المحاربة السياسية والاقتصادية... أي ليس عندهم بعد الجرأة لكي يَضعوا
أنفسهم في الواجهة ويطالبوا باعتماد الخطة المذكورة أعلاه لمواجهة الولايات
المتحدة، أو أية خطة أخرى...
أي إنهم في العلاقة مع هذا الثور ينطبق
عليهم المثل: "يتلَطَّى من حَيط إلى حَيط ويقول
يا رب أصل إلى البيت"؛ وبفعل هذا الخوف من مواجهته أصبح عندهم غشاوة عقلية أو
"خِصاء ذهني" يمنعهم من التفكير المنطقي والسليم في الخطة المذكورة
أعلاه أو في أية خطة أخرى للمواجهة مهما كانت مدروسة ومتقنة ومهما تم تقديم الأدلة
على صحتها.
وبالطبع، نحن هنا لا ننتقص من قيمتهم، ولا
من قيمة القواعد الشعبية التي في هذا المحور، فهم الشرفاء الحقيقيون في العالمين
العربي والإسلامي. وهم يَبقون أشرف وأفضل بكثير من الفئة الأخرى، أي المتأمركة، في
هذين العالمين التي معظم الأحيان تسير وراء الثور الأمريكي وتشارك في جرائمه،
وتدّعي نشر الحرية والديمقراطية أو تعمل على إقامة أنظمة حكم إسلامية تكون تحت
المظلة الأمريكية.
بالعودة إلى
محور المقاومة فالمطلوب ممن هم ضمنه، خاصة منهم السياسيين والإعلاميين، أن لا
يكتفوا بعدم السَير وراء الثور الأمريكي، بل أن يزيدوا من جرأتهم وشجاعتهم من عدم
السَير ورائه إلى مواجهته؛ وأن يزيلوا أية غشاوة عقلية توجد عندهم في هذا الإطار
وأن يدرسوا بمنطقية أية خطة موضوعة للمواجهة. لأنه طالما هذا الثور لا يزال واقفاً
على قوائمه، وينطح هنا وهناك، فستظل المآسي والحروب والتوترات الأمنية قائمة في
العالمين العربي والإسلامي.
ولو كان السياسيون
والإعلاميون الذين هم ضمن محور المقاومة في لبنان وسوريا قد امتلكوا هكذا مقدار من
الجرأة والشجاعة قبل بضعة أشهر من الآن، أي حين أصبحوا على علم بالخطة المذكورة
أعلاه، وقاموا بالعمل بها، لكانوا، على الأقل، ومنذ ذلك الوقت، قد وفَّروا على
الملايين من سكان سوريا والعراق ومصر ويلات الحروب والتوترات الأمنية والقتل
والإصابات والإعاقات والخطف وسَبي النساء والاغتصاب والأحداث الطائفية والتفجيرات
والذبح والنحر والتهجير والنزوح والتدمير وغيره...
2 - السبب الثاني، هو أن السياسيين والإعلاميين الذين في
محور المقاومة هم ضمن قسمين؛ الأول، هم الذين الأولوية عندهم هي الدفاع عن القضية؛
الثاني، هم الذين الأولوية عندهم هي خدمة مصالحهم الشخصية، أي يدَّعُون الدفاع عن
هذه القضية لكن يكون همُّهم الأساسي هو خدمة هذه المصالح. تماماً كما أن السياسيين
والإعلاميين في أي مكان في العالم، ولأي فريق انتموا، هم ضمن قسمين: مَن كانت
أولويتهم الدفاع عن قضيتهم، ومَن كانت أولويتهم خدمة مصالحهم الشخصية. وهؤلاء
الأخيرين يكونون الأكثر قابلية لكي ينتقلوا من فريق سياسي إلى آخر بما يخدم هذه
المصالح.
بالعودة إلى
محور المقاومة، فالذين الأولوية عندهم هي الدفاع عن القضية، فهم الذين قلنا عنهم
أعلاه أنهم الشرفاء الحقيقيون في العالمين العربي والإسلامي. أما القسم الآخر
منهم، أي الذين أولويتهم هي خدمة مصالحهم الشخصية، فهم، كغيرهم من الذين عندهم هذه
الأولوية في أي مكان في العالم، لا يتبنون أيَّ موقف سياسي جديد، حتى وإن كان يخدم
كثيراً القضيةَ التي يدَّعون الدفاع عنها، أو لا يتحدثون عنه عبر وسائلهم
الإعلامية، إلا إذا قبضوا الثمنَ المناسب، من أموال أو هدايا قيِّمة أو واسطات من
قبل مرجعيات مهمة لحملهم على هذا الأمر أو تزلّف وتذلل نحوهم أو ما شابه.
وأنا،
بالطبع، وبحسب مبادئي، لستُ من صنف الذين يَدفَعون هكذا أثمان للترويج لأفكارهم أو
للحصول على إطلالات إعلامية.
أي باختصار، لم يقم أيٌّ من السياسيين والإعلاميين الذين هم ضمن محور
المقاومة، خاصة الذين هم في لبنان وسوريا، بالإعلان عن تبنّيه للخطة المذكورة
أعلاه أو موافقته عليها أو عرضها عبر الوسائل الإعلامية؛ لأن هؤلاء هم ضمن قسمين:
الأول، هم مَن تنقصهم الجرأة والشجاعة لذلك، والثاني، هم مَن الأولوية عندهم هي خدمة
مصالحهم الشخصية ولا يقومون بذلك إلا إذا قبضوا الثمن المناسب.
أخيراً، حول الملخَّص عن الخطة المذكورة
أعلاه، انظر:
"نحو الانتصار في سوريا وهزيمة
أمريكا":
للتوسع في هذه الخطة من حيث محتواها والأسباب الموجبة له
والنتائج المتوقعة عليها وغيره، انظر:
"الإستراتيجيا المقترَحة لإنهاء الزعامة العالمية للولايات
المتحدة":
و"الولايات المتحدة من حيث التخلف
الفكري فيها":
و"الكيميائي والخطأ الإستراتيجي
الكبير":
حول الاحتمالات الكبيرة لنجاح هذه
الخطة انظر الفقرة "هـ" في هذه المقالة الأخيرة.
عامر سمعان ، باحث وكاتب
5/ 11/ 2013. تم آخر
تنقيح لهذه المقالة في 8/ 11/ 2013.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق