ما سنحاول
أن نبيَّنه هنا هو أن حجاب المرأة المسلمة هو من ضمن الحرية الدينية، بينما نقابها
هو تعدٍ على الحقوق العامة.
المقصود
بالحجاب هو غطاء الرأس للمرأة الذي يبقي الوجه ظاهراً. المقصود بالنقاب هو غطاء
الرأس الذي يغطي الوجه ولا يبقي إلا فتحة صغيرة للعينين، أو قد يستعاض عن هذه
الفتحة بقماش شفاف يتيح الرؤية من خلاله.
وفقاً
لمبادئ الحرية الدينية وغيرها من حقوق الإنسان؛ يحق لأي فرد أن يعتنق الفكر الديني
الذي يشاؤه، أو أن يعبد الإله الذي يشاؤه، أو أن ينتمي إلى الديانة التي يرتئيها
وأن يمارس ما فيها من طقوس الدينية ومن تربية وإعلام دينيين؛ والتي من ضمنها أن
يدَّعي أن الإله الذي يعبده هو الإله الحقيقي وأن ديانته هي الديانة الصحيحة وأن
الذين يتبعونها سيكون نصيبهم الجنة والآخرين سيكون نصيبهم النار، وكذلك حقه في أن
يدعوا أبناءَ باقي الديانات للانتساب إلى ديانته... كما يحق لأي شخص أن يخترع الديانة التي يشاؤها،
أو أن يحاول الجمع بين عدة ديانات، أو أن يكون ملحداً.
كل ذلك هو من ضمن الحرية الدينية وحقوق الإنسان
بشرط عدم الاعتداء على حريات الآخرين، كمثل منعهم من ممارسة طقوسهم الدينية
وتربيتهم وإعلامهم الدينيين أو إلزامهم بالقوة على تغيير ديانته أو القبول بالإلحاد...
ومن ضمن هذه الحرية الدينية هو حق أي شخص في
أن يعبِّر عن فكره الديني من خلال لباسه. أي يحق لليهودي أن يرتدي القلنسوة
للتعبير عن يهوديته، وللمسيحي أن يعلق الصليب للتعبير عن مسيحيته، وللمسلمة أن تضع
الحجاب للتعبير عن إسلامها، وللبوذي أن يرتدي ما يعبِّر عن بوذيته، وللهندوسي أن
يرتدي ما يعبِّر عن هندوسيته... وللملحد أن يرتدي ما يعبِّر عن إلحاده... بشرط أن
لا يقوم أي منهم بمنع الآخرين من ارتداء ما يعبرون عنه عن فكرهم الديني...
وبالطبع يبقى هناك بعض الاستثناءات كمثل حق
الدولة، لدواعٍ أمنية، في أن تقوم بمنع رجال الشرطة والجيش من ارتداء ما يعبِّر عن فكرهم الديني أثناء إدائهم لمهامهم، وحق المدرسة العلمانية في أن تقوم بمنع التلاميذ من
ارتداء ما يعبِّر عن فكرهم الديني أثناء تواجدهم داخل المدرسة، وما إلى ذلك.
إذاً، حجاب
المرأة المسلمة هو من ضمن الحق في الحرية الدينية والتي هي من ضمن حقوق الإنسان،
كما هو الحال مع المنتمين إلى جميع الديانات في أن يرتدوا ما يشير إلى فكرهم الديني؛ الأمر الذي يتطلب، من وجهة نظر حقوق الإنسان، العمل على الدفاع عن حق أية
امرأة مسلمة في أن ترتدي أو لا ترتدي الحجاب. وبالتالي، الأمر الذي يتطلب من وجهتي
النظر الإنسانية والأخلاقية احترام خيارها في هذا المجال؛ أي أن لا توصف المرأة
المحجبة بالتعصب والرجعية والتخلف وغيره، وكذلك أن لا توصف غير المحجبة بقلة
الأخلاق والعمل على نشر الرذيلة وما شابه...
فيما يتعلق
بالنقاب، هو يشكل تعدياً على الحقوق العامة بالنظر إلى سببين أساسيين:
- الأول، لأنه من حق أي مواطن أن يرى وجوه الأشخاص الذين
يتعامل معهم أو يلتقي بهم في الأماكن العامة لدواعٍ أمنية.
فمن حق أي
شخص يشاهد شخصاً آخر في مكان عام أن يرى وجهه، لأنه في حال صدر عن هذا الأخير ما
يشكل مخالفة للقوانين والتي من ضمنها التعرض لسلامة الآخرين، فيكون بإمكانه
التبليغ عنه أو التشكي عليه لدى المراجع الأمنية والقضائية المختصة. فمن غير
المنطقي أن يكتفي بالقول عنه إن طوله كذا وعرضه كذا، بل من الضروري إعطاء أي وصف
ممكن لملامح الوجه. ولهذا السبب بعينه يحق للشرطي أن يرى وجوه الناس في الأماكن
العامة، ولصاحب أية مهنة (التاجر، المزارع، عامل البناء، سائق التاكسي، الخباز،
النجار، الحداد، الكهربائي، السمكري، المهندس، الطبيب، الصيدلي، المحامي،...) أن
يرى وجوه الزبائن الذين يتعامل معهم.
وما من
مجتمع عبر التاريخ يوجد فيه عادة ارتداء النقاب إلا ويُسمَع فيه، من وقت لآخر، عن
متمردين على سلطة الدولة أو عن مجرمين ولصوص وما شابه، أنهم تخفوا بالنقاب ( مع ما
يتطلبه من لباس نسائي) لكي يتمكنوا من التنقل أو تنفيذ أعمالهم أو الهروب من
الأجهزة الأمنية... بدءًا من المعارضة السورية المسلحة التي قيل عن بعض أفرادها
إنهم حاولوا التنقل وهم مرتدين النقاب، إلى بعض عناصر فتح الإسلام وجماعة الأسير
في لبنان الذين قيل عنهم هذا الأمر أيضاً، وصولاً إلى أقدم المجتمعات التي درجت فيها
عادة النقاب.
- الثاني، لأنه من حق أي مواطن أن يرى وجوه الأشخاص
الذين يتعامل معهم أو يلتقي بهم بهدف تسهيل التواصل معهم.
التواصل بين
البشر لا يتم فقط من خلال الكلام أو الرسائل، بل تقوم تعابير الوجه بدور أساسي في
هذا المجال.
فمن حق
المدرس أو المحاضر أن يرى وجوه التلاميذ أو الذين يوجدون في محاضرته، لأن هؤلاء قد
يخجلون عن التعبير عبر الكلام عما يجول في فكرهم عن موضوع الدرس أو المحاضرة أو عن
كيفية الشرح أو عن كفاءة المدرس أو المحاضر، أو قد لا يتاح الوقت لكل منهم للكلام
والتعبير عما لديه؛ فيكون بإمكانه المدرس أو المحاضر من خلال رؤية تعابير وجوههم
أن يخمِّن إن كانوا يفهمون عليه أم لا، أو يتابعونه بجدية أم لا، أو يثقون بكلامه
أم لا... وحتى في حال حصول محادثة له مع أحدهم أيضاً هو في هذه الحالة بحاجة لرؤية
وجهه لزيادة تأكده من مدى فهمه لما يقوله له أو اهتمامه أو ثقته به أو صدقه معه أو
غيره..
أيضاً في
السياق نفسه من حق صاحب أية مهنة (التاجر، المزارع، عامل البناء، سائق التاكسي،
الخباز، النجار، الحداد، الكهربائي، السمكري، المهندس، الطبيب، الصيدلي،
المحامي،...) أن يرى وجوه الزبائن الذين يتعامل معه للدواعي نفسها الواردة أعلاه.
أي لزيادة تأكده من مدى فهمهم لما يقوله لهم أو اهتمامهم أو ثقتهم به أو صدقهم معه
أو غيره.
واعتماداً
على ما تقدَّم يصبح إخفاء الوجه في الأماكن العامة، من قبل الرجل أو المرأة، وسواء
لدواعٍ دينية أم سياسية أم فكرية أم ثقافية أم غيرها، هو تعدٍ على الحقوق العامة
للمواطنين.
وفيما يتعلق
بادعاء المدافعين عن النقاب على أنه ضرورة للمحافظة على الأخلاق، فالعكس هو
الصحيح، أي إن النقاب هو ثغرة للإخلال بالأخلاق وليس للمحافظة عليها، كونه يتيح
للرجال التخفي به للالتقاء بالنساء اللواتي يقمن معهم علاقات محرمة. وما من مجتمع
عبر التاريخ يوجد فيه عادة ارتداء النقاب إلا ويُسمَع فيه من وقت لآخر عن رجال
تخفوا بالنقاب للالتقاء بعشيقاتهم.
يصح القول
في هذا الموضوع إن الحجاب بذاته هو أحد الإجراءات المساعدة في المحافظة على
الأخلاق، هذا إذا كان باقي اللباس محتشماً، أي كمثل أن لا يكون الحجاب مترافقاً مع
ارتداء البنطلون الضيق الذي يُظهِر تفاصيل الجزء السفلي من الجسم، كما أصبحت
العادة مع قسم من الفتيات المسلمات.
بالعودة إلى
موضوع النقاب، وبالنظر إلى ما تقدَّم، يصبح من الضرورة أن أية دولة في العالمين
العربي والإسلامي أو في غيرهما من التي يوجد فيه عادة ارتداء النقاب (وإن بشكل
قليل) أن تضع تشريعاً لمنع ارتدائه، ولمنع أي تدبير آخر يتم من خلاله إخفاء الوجه
في الأماكن العامة، وسواء أكان من يقوم به رجلاً أم امرأة، أم يقوم به لدواعٍ
دينية أم سياسية أم فكرية أم غيرها.
وفي حال عدم
وجود هكذا تشريع، يكون المطلوب من صاحب أية مهنة أن يمتلك الجرأة لرفض التعامل مع
أية زبونة ترتدي النقاب... لأن السكوت عن هذه العادة القبيحة والضارة لن يؤدي
إلا إلى زيادة استشرائها.
عامر سمعان ، باحث وكاتب
28/ 11/ 2013