ما يتضمنه كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" دراسات معمقة وغير مسبوقة في السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا؛ من بينها: أربع نظريات جديدة في الأنتروبولوجيا المجتمعية، وخطة لحلّ الأزمة في لبنان، وإستراتيجيا تعتمد وسائل المحاربة الإعلامية والسياسية والاقتصادية لهزيمة الولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية، والتي سيكون من نتائجها الاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور في العالم العربي ومعظم دول الجنوب.

الخميس، 28 نوفمبر 2013

بين حجاب المرأة المسلمة ونقابها


     ما سنحاول أن نبيَّنه هنا هو أن حجاب المرأة المسلمة هو من ضمن الحرية الدينية، بينما نقابها هو تعدٍ على الحقوق العامة.     
     المقصود بالحجاب هو غطاء الرأس للمرأة الذي يبقي الوجه ظاهراً. المقصود بالنقاب هو غطاء الرأس الذي يغطي الوجه ولا يبقي إلا فتحة صغيرة للعينين، أو قد يستعاض عن هذه الفتحة بقماش شفاف يتيح الرؤية من خلاله.
     وفقاً لمبادئ الحرية الدينية وغيرها من حقوق الإنسان؛ يحق لأي فرد أن يعتنق الفكر الديني الذي يشاؤه، أو أن يعبد الإله الذي يشاؤه، أو أن ينتمي إلى الديانة التي يرتئيها وأن يمارس ما فيها من طقوس الدينية ومن تربية وإعلام دينيين؛ والتي من ضمنها أن يدَّعي أن الإله الذي يعبده هو الإله الحقيقي وأن ديانته هي الديانة الصحيحة وأن الذين يتبعونها سيكون نصيبهم الجنة والآخرين سيكون نصيبهم النار، وكذلك حقه في أن يدعوا أبناءَ باقي الديانات للانتساب إلى ديانته...  كما يحق لأي شخص أن يخترع الديانة التي يشاؤها، أو أن يحاول الجمع بين عدة ديانات، أو أن يكون ملحداً.
      كل ذلك هو من ضمن الحرية الدينية وحقوق الإنسان بشرط عدم الاعتداء على حريات الآخرين، كمثل منعهم من ممارسة طقوسهم الدينية وتربيتهم وإعلامهم الدينيين أو إلزامهم بالقوة على تغيير ديانته أو القبول بالإلحاد...
     ومن ضمن هذه الحرية الدينية هو حق أي شخص في أن يعبِّر عن فكره الديني من خلال لباسه. أي يحق لليهودي أن يرتدي القلنسوة للتعبير عن يهوديته، وللمسيحي أن يعلق الصليب للتعبير عن مسيحيته، وللمسلمة أن تضع الحجاب للتعبير عن إسلامها، وللبوذي أن يرتدي ما يعبِّر عن بوذيته، وللهندوسي أن يرتدي ما يعبِّر عن هندوسيته... وللملحد أن يرتدي ما يعبِّر عن إلحاده... بشرط أن لا يقوم أي منهم بمنع الآخرين من ارتداء ما يعبرون عنه عن فكرهم الديني... 
     وبالطبع يبقى هناك بعض الاستثناءات كمثل حق الدولة، لدواعٍ أمنية، في أن تقوم بمنع رجال الشرطة والجيش من ارتداء ما يعبِّر عن فكرهم الديني أثناء إدائهم لمهامهم، وحق المدرسة العلمانية في أن تقوم بمنع التلاميذ من ارتداء ما يعبِّر عن فكرهم الديني أثناء تواجدهم داخل المدرسة، وما إلى ذلك.
     إذاً، حجاب المرأة المسلمة هو من ضمن الحق في الحرية الدينية والتي هي من ضمن حقوق الإنسان، كما هو الحال مع المنتمين إلى جميع الديانات في أن يرتدوا ما يشير إلى فكرهم الديني؛ الأمر الذي يتطلب، من وجهة نظر حقوق الإنسان، العمل على الدفاع عن حق أية امرأة مسلمة في أن ترتدي أو لا ترتدي الحجاب. وبالتالي، الأمر الذي يتطلب من وجهتي النظر الإنسانية والأخلاقية احترام خيارها في هذا المجال؛ أي أن لا توصف المرأة المحجبة بالتعصب والرجعية والتخلف وغيره، وكذلك أن لا توصف غير المحجبة بقلة الأخلاق والعمل على نشر الرذيلة وما شابه... 
     فيما يتعلق بالنقاب، هو يشكل تعدياً على الحقوق العامة بالنظر إلى سببين أساسيين:
- الأول، لأنه من حق أي مواطن أن يرى وجوه الأشخاص الذين يتعامل معهم أو يلتقي بهم في الأماكن العامة لدواعٍ أمنية.
     فمن حق أي شخص يشاهد شخصاً آخر في مكان عام أن يرى وجهه، لأنه في حال صدر عن هذا الأخير ما يشكل مخالفة للقوانين والتي من ضمنها التعرض لسلامة الآخرين، فيكون بإمكانه التبليغ عنه أو التشكي عليه لدى المراجع الأمنية والقضائية المختصة. فمن غير المنطقي أن يكتفي بالقول عنه إن طوله كذا وعرضه كذا، بل من الضروري إعطاء أي وصف ممكن لملامح الوجه. ولهذا السبب بعينه يحق للشرطي أن يرى وجوه الناس في الأماكن العامة، ولصاحب أية مهنة (التاجر، المزارع، عامل البناء، سائق التاكسي، الخباز، النجار، الحداد، الكهربائي، السمكري، المهندس، الطبيب، الصيدلي، المحامي،...) أن يرى وجوه الزبائن الذين يتعامل معهم.
     وما من مجتمع عبر التاريخ يوجد فيه عادة ارتداء النقاب إلا ويُسمَع فيه، من وقت لآخر، عن متمردين على سلطة الدولة أو عن مجرمين ولصوص وما شابه، أنهم تخفوا بالنقاب ( مع ما يتطلبه من لباس نسائي) لكي يتمكنوا من التنقل أو تنفيذ أعمالهم أو الهروب من الأجهزة الأمنية... بدءًا من المعارضة السورية المسلحة التي قيل عن بعض أفرادها إنهم حاولوا التنقل وهم مرتدين النقاب، إلى بعض عناصر فتح الإسلام وجماعة الأسير في لبنان الذين قيل عنهم هذا الأمر أيضاً، وصولاً إلى أقدم المجتمعات التي درجت فيها عادة النقاب. 
- الثاني، لأنه من حق أي مواطن أن يرى وجوه الأشخاص الذين يتعامل معهم أو يلتقي بهم بهدف تسهيل التواصل معهم.
     التواصل بين البشر لا يتم فقط من خلال الكلام أو الرسائل، بل تقوم تعابير الوجه بدور أساسي في هذا المجال.
     فمن حق المدرس أو المحاضر أن يرى وجوه التلاميذ أو الذين يوجدون في محاضرته، لأن هؤلاء قد يخجلون عن التعبير عبر الكلام عما يجول في فكرهم عن موضوع الدرس أو المحاضرة أو عن كيفية الشرح أو عن كفاءة المدرس أو المحاضر، أو قد لا يتاح الوقت لكل منهم للكلام والتعبير عما لديه؛ فيكون بإمكانه المدرس أو المحاضر من خلال رؤية تعابير وجوههم أن يخمِّن إن كانوا يفهمون عليه أم لا، أو يتابعونه بجدية أم لا، أو يثقون بكلامه أم لا... وحتى في حال حصول محادثة له مع أحدهم أيضاً هو في هذه الحالة بحاجة لرؤية وجهه لزيادة تأكده من مدى فهمه لما يقوله له أو اهتمامه أو ثقته به أو صدقه معه أو غيره..    
     أيضاً في السياق نفسه من حق صاحب أية مهنة (التاجر، المزارع، عامل البناء، سائق التاكسي، الخباز، النجار، الحداد، الكهربائي، السمكري، المهندس، الطبيب، الصيدلي، المحامي،...) أن يرى وجوه الزبائن الذين يتعامل معه للدواعي نفسها الواردة أعلاه. أي لزيادة تأكده من مدى فهمهم لما يقوله لهم أو اهتمامهم أو ثقتهم به أو صدقهم معه أو غيره.
     واعتماداً على ما تقدَّم يصبح إخفاء الوجه في الأماكن العامة، من قبل الرجل أو المرأة، وسواء لدواعٍ دينية أم سياسية أم فكرية أم ثقافية أم غيرها، هو تعدٍ على الحقوق العامة للمواطنين.
     وفيما يتعلق بادعاء المدافعين عن النقاب على أنه ضرورة للمحافظة على الأخلاق، فالعكس هو الصحيح، أي إن النقاب هو ثغرة للإخلال بالأخلاق وليس للمحافظة عليها، كونه يتيح للرجال التخفي به للالتقاء بالنساء اللواتي يقمن معهم علاقات محرمة. وما من مجتمع عبر التاريخ يوجد فيه عادة ارتداء النقاب إلا ويُسمَع فيه من وقت لآخر عن رجال تخفوا بالنقاب للالتقاء بعشيقاتهم.
     يصح القول في هذا الموضوع إن الحجاب بذاته هو أحد الإجراءات المساعدة في المحافظة على الأخلاق، هذا إذا كان باقي اللباس محتشماً، أي كمثل أن لا يكون الحجاب مترافقاً مع ارتداء البنطلون الضيق الذي يُظهِر تفاصيل الجزء السفلي من الجسم، كما أصبحت العادة مع قسم من الفتيات المسلمات.
     بالعودة إلى موضوع النقاب، وبالنظر إلى ما تقدَّم، يصبح من الضرورة أن أية دولة في العالمين العربي والإسلامي أو في غيرهما من التي يوجد فيه عادة ارتداء النقاب (وإن بشكل قليل) أن تضع تشريعاً لمنع ارتدائه، ولمنع أي تدبير آخر يتم من خلاله إخفاء الوجه في الأماكن العامة، وسواء أكان من يقوم به رجلاً أم امرأة، أم يقوم به لدواعٍ دينية أم سياسية أم فكرية أم غيرها.  
     وفي حال عدم وجود هكذا تشريع، يكون المطلوب من صاحب أية مهنة أن يمتلك الجرأة لرفض التعامل مع أية زبونة ترتدي النقاب... لأن السكوت عن هذه العادة القبيحة والضارة لن يؤدي إلا إلى زيادة استشرائها.



عامر سمعان ، باحث وكاتب
28/ 11/ 2013

الاثنين، 25 نوفمبر 2013

حول النووي الإيراني


     الاتفاق الأخير بين إيران والست الدول، الذي ينصّ على تقليص البرنامج النووي في إيران مقابل التخفيض التدريجي للعقوبات المفروضة عليها، يدلّ على صعوبة الوضع الاقتصادي فيها، ويحتمل أحد التفسيرين:
- الأول، أن تكون إيران قد قررت التغيير في سياستها الخارجية نحو الموالاة للسياسات الغربية والتخلي التدريجي عن سوريا وحزب الله والمقاومة الفلسطينية.
- الثاني، أن تكون إيران لا تزال باقية على مواقفها من قضايا المنطقة؛ ويكون الأمريكيون مع حلفائهم الغربيين يناورون في مسألة برنامجها النووي لكي يصعدوا مستقبلاً من لهجتهم ضدها ويتهموها بعدم الالتزام بالاتفاق، ما يمكنهم من فرض عقوبات عليها وغيرها من المواقف العدائية التي سيكون أثرها أكبر وأشدّ من لو لم يتم التوقيع على هذا الاتفاق؛ من منطلق أنه قد أتيحت لها الفرصة لإثبات حسن النية في الموضوع النووي ولم تحرز تقدماً.
     وفي كلتا الحالتين، ستكون الأمور مستقبلاً أكثر صعوبة على سوريا وحزب الله، وستزداد الأوضاع الأمنية صعوبة داخل سوريا وسيزداد احتمال تدهور الوضع الأمني في لبنان.  
     يبقى الحلّ الوحيد للخروج السريع من هذه الأزمة، والذي كنتُ قد وضعته منذ حوالي السنة بناءً على دراسات معمقة وغير مسبوقة، هو في محاربة رأس الأفعى مباشرة، أي في العمل بخطة (إستراتيجيا) تعتمد الوسائل الإعلامية والسياسية والاقتصادية في محاربة الولايات المتحدة، والتي من شأنها أن تؤدي إلى إحلال السلام في سوريا والدول المجاورة، حتى خلال أسابيع، والوصول في المستقبل المنظور إلى هزيمة الولايات المتحدة وإسرائيل ومَن معهما وإنهاء الزعامة العالمية الأمريكية.
حول الملخّص لهذه الخطة انظر "نحو الانتصار في سوريا وهزيمة أمريكا":
انظر أيضاً "محور المقاومة... العجز وقلة الجرأة":



عامر سمعان ، باحث وكاتب
www.amersemaan.com
25/ 11/ 2013 

الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

محور المقاومة... العجز وقلة الجرأة


"يتلَطَّى من حَيط إلى حَيط ويقول يا رب أصل إلى البيت"؛ مَثل لبناني.
...............
     كنتُ قد ذكرتُ في مقالات عدة لي في الأشهر الماضية، أني وضعتُ خطةً (إستراتيجيا)، تعتمد وسائل المحاربة الإعلامية والسياسية والاقتصادية، لإلحاق هزيمة كبرى بالولايات المتحدة وإسرائيل ومَن معهما وإنهاء الزعامة العالمية الأمريكية؛ وأن نتائجها الأولية ستكون إنهاء الحرب في سوريا وتمكين النظام من بسط سيادة الدولة حتى خلال أسابيع، والاستقرار الأمني في لبنان والعراق، وهزيمة الأخوان المسلمين في مصر وغيرهم من الفئات المتأمركة في باقي العالم العربي... وأيضاً أنه في حال كان ثمة اعتداء عسكري مباشر أمريكي أو تحت المظلة الأمريكية على سوريا، أو في فترة التحضير له أو بعد الانتهاء منه، فإن العمل بهذه الخطة من شأنه الوصول في وقت قصير إلى تكبيل القدرة الأمريكية على القيام بهكذا اعتداء.
     ومما كنتُ قد ذكرته أن هذه الخطة هي موضوعة بناءً على ما قمتُ به من دراسات معمَّقة وغير مسبوقة في علوم السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا... وأنه، وفق هذه الدراسات، فإن الزعامة العالمية للولايات المتحدة وتحالفها مع المستعمرين الأوروبيين وإسرائيل هي المسبب الأساسي لحالة قلة الاستقرار الأمني والفقر والتخلف في العالم العربي ومعظم دول الجنوب، وأنه لا يمكن لهذه المناطق أن تنعم بالاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور والديمقراطية إلا بإلحاق هزيمة كبرى بالولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية.
     هذه الخطة، كنتُ قد انتهيتُ من صياغتها ووضعتها، مع ما يتعلق بها من دراسات، في كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة"، الذي تم نشره في أيلول 2012، وتم عرضه في المكتبات في جميع الأراضي اللبنانية منذ كانون الأول 2012؛ إلا أنه لم يتوفر نشرُه خارج الأراضي اللبنانية كوني لم أوفق بعد بمن يتعهد هذا النشر. ومنذ كانون الثاني 2013 كانت هذه الخطة معروضة على مواقعي على الإنترنت وعلى عشرات المواقع على هذه الشبكة في لبنان وسوريا وغيرهما...
     وفي تشرين الأول 2012 كنتُ قد قمتُ بإرسال نسخ من هذا الكتاب مهداة إلى العشرات من السياسيين في لبنان الذين من ضمن محور المقاومة، وكذلك إلى العشرات من الإعلاميين في لبنان الذين هم بدورهم من ضمن هذا المحور. تماماً كما هي العادة أن مَن يقوم بتأليف كتاب ما في أيِّ مجال فإنه يقوم بإرسال نسخ منه مهداة إلى أبرز المهتمين بمواضيعه.
     السؤال الذي كثيراً ما يتم توجيهه إلي هو لماذا جميع هؤلاء السياسيين والإعلاميين، في لبنان وسوريا، الذين كانوا على علم بهذه الخطة في الأشهر الماضية لم يقم أيٌّ منهم بالإعلان عن موافقته عليها أو تبنيها أو حتى بالتحدث عنها عبر الوسائل الإعلامية ؟
     الجواب هو أنه يوجد سببان لهذا الموقف:
1 - السبب الأول، هو أن السياسيين والإعلاميين في محور المقاومة، والموجودين في العالمين العربي والإسلامي، ليس لديهم بعد الجرأة والشجاعة الكافيتين لمواجهة الولايات المتحدة. فجرأتهم وشجاعتهم هما أساساً في مواجهة إسرائيل التي يسمونها العدو ويطلقون التهديدات والشتائم عليها ليلَ نهار ويقاطعونها في الصغيرة والكبيرة؛ بينما فقط قلة منهم تسمي الولايات المتحدة بالعدو وتتجرأ بإطلاق التهديدات والشتائم عليها والدعوة لمقاطعتها. وأيضاً فقط قلة منهم تعبِّر من وقت لآخر عن قناعتها بأن إسرائيل هي بمثابة ولاية من الولايات الأمريكية؛ بالرغم من أن حقيقة هذا الأمر يعرفها حتى أقل المطلعين على الأمور السياسية في العالم العربي.
     الموقف الأساسي لهؤلاء السياسيين والإعلاميين من الولايات المتحدة هو المعارضة في معظم الأحيان، وليس دائماً، لسياستها وحروبها؛ هذه المعارضة التي تكاد لا تتجاوز عدم السَير وراء الثور الأمريكي وعدم المشاركة في جرائمه؛ وهم تنقصهم الجرأة والشجاعة لمواجهة هذا الثور حتى بوسائل المحاربة السياسية والاقتصادية... أي ليس عندهم بعد الجرأة لكي يَضعوا أنفسهم في الواجهة ويطالبوا باعتماد الخطة المذكورة أعلاه لمواجهة الولايات المتحدة، أو أية خطة أخرى...
     أي إنهم في العلاقة مع هذا الثور ينطبق عليهم المثل: "يتلَطَّى من حَيط إلى حَيط ويقول يا رب أصل إلى البيت"؛ وبفعل هذا الخوف من مواجهته أصبح عندهم غشاوة عقلية أو "خِصاء ذهني" يمنعهم من التفكير المنطقي والسليم في الخطة المذكورة أعلاه أو في أية خطة أخرى للمواجهة مهما كانت مدروسة ومتقنة ومهما تم تقديم الأدلة على صحتها.  
     وبالطبع، نحن هنا لا ننتقص من قيمتهم، ولا من قيمة القواعد الشعبية التي في هذا المحور، فهم الشرفاء الحقيقيون في العالمين العربي والإسلامي. وهم يَبقون أشرف وأفضل بكثير من الفئة الأخرى، أي المتأمركة، في هذين العالمين التي معظم الأحيان تسير وراء الثور الأمريكي وتشارك في جرائمه، وتدّعي نشر الحرية والديمقراطية أو تعمل على إقامة أنظمة حكم إسلامية تكون تحت المظلة الأمريكية.
     بالعودة إلى محور المقاومة فالمطلوب ممن هم ضمنه، خاصة منهم السياسيين والإعلاميين، أن لا يكتفوا بعدم السَير وراء الثور الأمريكي، بل أن يزيدوا من جرأتهم وشجاعتهم من عدم السَير ورائه إلى مواجهته؛ وأن يزيلوا أية غشاوة عقلية توجد عندهم في هذا الإطار وأن يدرسوا بمنطقية أية خطة موضوعة للمواجهة. لأنه طالما هذا الثور لا يزال واقفاً على قوائمه، وينطح هنا وهناك، فستظل المآسي والحروب والتوترات الأمنية قائمة في العالمين العربي والإسلامي.
     ولو كان السياسيون والإعلاميون الذين هم ضمن محور المقاومة في لبنان وسوريا قد امتلكوا هكذا مقدار من الجرأة والشجاعة قبل بضعة أشهر من الآن، أي حين أصبحوا على علم بالخطة المذكورة أعلاه، وقاموا بالعمل بها، لكانوا، على الأقل، ومنذ ذلك الوقت، قد وفَّروا على الملايين من سكان سوريا والعراق ومصر ويلات الحروب والتوترات الأمنية والقتل والإصابات والإعاقات والخطف وسَبي النساء والاغتصاب والأحداث الطائفية والتفجيرات والذبح والنحر والتهجير والنزوح والتدمير وغيره...  
2 - السبب الثاني، هو أن السياسيين والإعلاميين الذين في محور المقاومة هم ضمن قسمين؛ الأول، هم الذين الأولوية عندهم هي الدفاع عن القضية؛ الثاني، هم الذين الأولوية عندهم هي خدمة مصالحهم الشخصية، أي يدَّعُون الدفاع عن هذه القضية لكن يكون همُّهم الأساسي هو خدمة هذه المصالح. تماماً كما أن السياسيين والإعلاميين في أي مكان في العالم، ولأي فريق انتموا، هم ضمن قسمين: مَن كانت أولويتهم الدفاع عن قضيتهم، ومَن كانت أولويتهم خدمة مصالحهم الشخصية. وهؤلاء الأخيرين يكونون الأكثر قابلية لكي ينتقلوا من فريق سياسي إلى آخر بما يخدم هذه المصالح.
     بالعودة إلى محور المقاومة، فالذين الأولوية عندهم هي الدفاع عن القضية، فهم الذين قلنا عنهم أعلاه أنهم الشرفاء الحقيقيون في العالمين العربي والإسلامي. أما القسم الآخر منهم، أي الذين أولويتهم هي خدمة مصالحهم الشخصية، فهم، كغيرهم من الذين عندهم هذه الأولوية في أي مكان في العالم، لا يتبنون أيَّ موقف سياسي جديد، حتى وإن كان يخدم كثيراً القضيةَ التي يدَّعون الدفاع عنها، أو لا يتحدثون عنه عبر وسائلهم الإعلامية، إلا إذا قبضوا الثمنَ المناسب، من أموال أو هدايا قيِّمة أو واسطات من قبل مرجعيات مهمة لحملهم على هذا الأمر أو تزلّف وتذلل نحوهم أو ما شابه.   
     وأنا، بالطبع، وبحسب مبادئي، لستُ من صنف الذين يَدفَعون هكذا أثمان للترويج لأفكارهم أو للحصول على إطلالات إعلامية.
     أي باختصار، لم يقم أيٌّ من السياسيين والإعلاميين الذين هم ضمن محور المقاومة، خاصة الذين هم في لبنان وسوريا، بالإعلان عن تبنّيه للخطة المذكورة أعلاه أو موافقته عليها أو عرضها عبر الوسائل الإعلامية؛ لأن هؤلاء هم ضمن قسمين: الأول، هم مَن تنقصهم الجرأة والشجاعة لذلك، والثاني، هم مَن الأولوية عندهم هي خدمة مصالحهم الشخصية ولا يقومون بذلك إلا إذا قبضوا الثمن المناسب.
     أخيراً، حول الملخَّص عن الخطة المذكورة أعلاه، انظر:
"نحو الانتصار في سوريا وهزيمة أمريكا":
للتوسع في هذه الخطة من حيث محتواها والأسباب الموجبة له والنتائج المتوقعة عليها وغيره، انظر:
"الإستراتيجيا المقترَحة لإنهاء الزعامة العالمية للولايات المتحدة":
و"الولايات المتحدة من حيث التخلف الفكري فيها":
و"الكيميائي والخطأ الإستراتيجي الكبير":
حول الاحتمالات الكبيرة لنجاح هذه الخطة انظر الفقرة "هـ" في هذه المقالة الأخيرة.


عامر سمعان ، باحث وكاتب
5/ 11/ 2013. تم آخر تنقيح لهذه المقالة في 8/ 11/ 2013.