أعلنت
السعودية في 15/ 12/ 2015 عن قيام حلف إسلامي عسكري يضم 34 دولة إسلامية بهدف
محاربة الإرهاب، وقد تمَّ استبعاد سورية والعراق وإيران عنه والتي هي أكثر دول
معنيّة في هذا الأمر. والملفت في هذا الحلف أنه جاء:
- بعد التقدم الميداني الملحوظ الذي تحقق في سورية في
محاربة التنظيمات الإرهابية بفعل التدخل العسكري الروسي.
- بعد حوالي أسبوعين من دعوة السيناتور جون ماكين، رئيس
لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي، والسيناتور ليندسي غراهام، العضو في
هذه اللجنة، إلى تشكيل قوة من 100 ألف جندي من دول سنيّة، من بينهم 10 آلاف جندي
أمريكي، لقتال تنظيم داعش.
- بعد حوالي ثلاثة أسابيع من دعوة السياسي الأمريكي جون
بولتون لإقامة دولة سنيّة، "سُنّستان"، مكان تواجد دولة داعش في سورية
والعراق وبعد هزيمة هذه الأخيرة. كون الدولة السنية، بحسب رأيه، ستكون: غنية
بالنفط، ومرضية للرأي العام السنيّ الذي يفضِّل الاستقلالية عن حكم الأسد والحكومة
العراقية الموالية لإيران، ومتعارضة مع مصالح سورية والعراق وإيران وروسيا،
ومتوافقة مع الدولة الكردية المزمع استقلالها مستقبلاً، ومتوافقة مع سياسات أمريكا
وإسرائيل والدول العربية الحليفة لهما.
لتبيان
الهدف من "التحالف الإسلامي العسكري" لا بد من التنبيه إلى أن الحرب
التي تجري في سورية هي ليست أحداثاً داخلية أو حرباً أهلية، بل حرباً عالمية بين
محور أمريكي وآخر معارض له. فالمعارضة السورية المسلحة تتلقى كل أشكال الدعم من الولايات
المتحدة وحلفائها في المنطقة وهي بمثابة الأداة لهم. وفي حال تمّ انتصار النظام
السوري وبسط سيطرة الدولة على كافة أراضيها فهذا سيشكّل هزيمة تاريخية للولايات
المتحدة قد تصل حتى إلى فقدانها زعامتها العالمية.
وفي تتبع
لمسار الأحداث، نرى أن التمدد الميداني الكبير الذي حققه داعش نحو الموصل وإعلان
دولة الخلافة الإسلامية، في حزيران 2014، قد تمّ عقب انتصارات سياسية وعسكرية
بالغة الأهمية كان قد حققها النظام السوري، خاصة فيما يتعلق بفوز الرئيس الأسد في
الانتخابات الرئاسية في 4/ 6/ 2014؛ وحيث كانت الأجواء توحي بقرب انتهاء الأحداث
السورية وبسط سلطة الدولة على كافة الأراضي. فيكون قيام دولة داعش قد جاء في مصلحة
الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين الداعمين للمعارضة السورية المسلحة لقطع
الطريق على انتصار سورية وحلفائها في محور المقاومة. ولم يعد خافياً دور هؤلاء
الحلفاء الإقليميين، خاصة منهم تركيا، في هذا الأمر.
ثم عندما
انفتحت أبواب الهجرة إلى أوروبا بشكل مفاجئ أمام اللاجئين السوريين في صيف 2015،
فالسبب لم يكن صحوة ضمير من قبل الأوروبيين بل بهدف إثارة الرأي العام الغربي، ضمن
توزيع للأدوار، وتمهيداً لحصول تدخل غربي عسكري كبير في سورية يستهدف كِلا النظام
وداعش. حيث يعمل الإعلام الغربي على الترويج لفكرة أن كِلا هذين الطرفين يقمعان
الشعب السوري بشكل دموي ويتحملان المسؤولية في مآسيه. لكن ما أجهض هذا المخطط كان
التدخل العسكري الروسي بدءًا من 30/ 9/ 2015.
والآن بعدما تبيَّن أن هذا التدخل الروسي هو
جدّي، وليس مسرحية كما هو حال القصف الجوي الذي ينفذه التحالف الأمريكي، وأن من
شأنه أن يمهِّد لتقدم ميداني ملحوظ للجيش السوري... يكون التفسير الأصح لقيام ذلك "التحالف
الإسلامي العسكري" بقيادة السعودية، أنه تمَّ بناءً على التعليمات الأمريكية،
لينفِّذ تحركاً ميدانياً وواسعاً داخل الأراضي السورية والعراقية، وليقطع الطريق
على انتصار سورية ومحور المقاومة وحليفهم الروسي، إما عبر إطالة النزاع إلى أمد
بعيد وإما في إقامة تلك الدولة السنيّة.
مع العلم
أنه يوجد خيارات أخرى أمام الولايات المتحدة لقطع الطريق أمام هذا الانتصار، كمثل
أن يتم تزويد داعش بالسلاح الكيميائي أو البيولوجي لاستخدامه داخل سورية أو ضد حزب
الله في لبنان أو داخل إيران أو روسيا... وغَنيّ عن البيان، أن الذين أصدروا
الفتاوى لتبرير جهاد النكاح وهدم الآثار لن يكون من الصعب عليهم إصدار الفتاوى
لتبرير استخدام هذه الأسلحة.
إذاً، يصح
القول إن الحرب العالمية التي تجري في سورية لا تزال في بدايتها، والاحتمال هو
كبير في توسعها، مع كل مآسيها، خارج هذا البلد؛ وأن تصل حتى إلى داخل روسيا، التي
20 % من سكانها هم مسلمون.
الحلّ
الوحيد هو في تغيير جذري في الإستراتيجيا المتَّبعة من قبل روسيا ومحور المقاومة. فالإستراتيجيا
الصحيحة يجب أن تعمل في نفس الوقت في الاتجاهات التالية: مواجهة الولايات المتحدة
بذاتها، والمحاربة العسكرية للتطرف الإسلامي، وتقويض الإيديولوجيا التي يقوم عليها
هذا التطرف. فمن الخطأ الكبير الاكتفاء بمواجهة داعش وأخواتها بالوسائل العسكرية
وترك إيديولوجيا التطرف قائمة على امتداد العالم الإسلامي والتي تقوم بمدّ هذه
التنظيمات بالعنصر البشري والدعم الإعلامي والمادي.
هذه
الإيديولوجيا، وهي نفسها التي كان ولا يزال يرتكز عليها تنظيم القاعدة، قد نَمَت
منذ أواخر القرن الفائت، وتعتبر أن الدِين الإسلامي (وتطبيق الشريعة التي فيه) هو
الخيار الوحيد الفاعل والمتبقي لمواجهة جرائم الغربيين بحق العالمين العربي
والإسلامي وإلحاق الهزيمة بهم... وبالرغم من أن التنظيمات الإسلامية المتطرفة
تتعاون أو تتحالف من وقت لآخر مع الولايات المتحدة أو إسرائيل أو أحد حلفائهما لكن
هذا ليس إلا من باب التكتيك، أي لكي تثبت هذه التنظيمات أقدامها في العالمين
العربي والإسلامي ثم تقوم لاحقاً بالانقلاب على الغربيين ومحاربتهم.
بالتالي،
إذا أرادت روسيا ومحور المقاومة الانتصار في حربهم على التطرف الإسلامي، فعليهم أن
يتَّبِعوا إستراتيجيا تعتبر أن الولايات المتحدة هي العدو الأساسي، وأن يتوقفوا عن
أي تعاون عسكري معها أكان ضد داعش أم غيره، وأن يضعوا الخطط العلمية والمدروسة في محاربتها
اقتصادياً وسياسياً وإعلامياً... وفي نفس الوقت أن تستمر المحاربة العسكرية ضد
داعش وأخواتها...كما على روسيا أن تكفّ عن اعتبار إسرائيل و"الجيش السوري
الحر" بمثابة الأصدقاء أو الحلفاء.
وتكون
النتيجة أنه كلما أدَّت هذه الإستراتيجيا إلى عزل الولايات المتحدة سياسياً
وانهيار اقتصادها وتقزيم زعامتها العالمية (ومع ما يترتب على ذلك من هزيمة
لإسرائيل وكل حلفاء أمريكا)، كلما أدى هذا الوضع إلى تكبيل يدها في تقديم أي دعم
مباشر أم غير مباشر إلى التنظيمات المتطرفة، وفي نفس الوقت إلى تقويض إيديولوجيا
التطرف عند هذه التنظيمات على امتداد العالم الإسلامي، والتي، كما قلنا، تعتبر أن
الدِين الإسلامي وتطبيق الشريعة هو الخيار الوحيد الفاعل والمتبقي لإلحاق الهزيمة
بالغربيين.
وفي نهاية
هذه الحرب، أي بعد تحقيق النصر من خلال هذه الإستراتيجيا، سيكون هناك عالمٌ خالٍ
من كل من التطرف الإرهابي الإسلامي والزعامة الأمريكية والصهيونية، وسيكون فيه
تعددُ أقطاب... مع مناخ أمني مستقر على المستوى العالمي يمهِّد لتسريع النمو
الاقتصادي والتطور خاصةً في العالمين العربي والإسلامي وباقي دول الجنوب.
والعكس
صحيح، أي إنه من دون هذه الإستراتيجيا، فحرب روسيا ومحور المقاومة ضد الإرهاب
ستكون بلا نهاية، مع الاحتمال الكبير لتوسعها خارج سوريا والعراق ولأن تصل حتى إلى
الداخل الروسي وأن يتم فيها استعمال أسلحة دمار شامل من قبل داعش كما مر معنا...
ومع استمرار الانحدار الفكري والتخلف وعصر الظلمات في العالمين العربي والإسلامي وباقي
الدول النامية والصراعات الطائفية والتطهير الطائفي وغيره...
عامر سمعان،
كاتب وباحث
23/
12/ 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق