لم يصدر أي
بيان رسمي من قبل الكنيسة الروسية يعتبِرُ التدخلَ العسكري الروسي في سورية حرباً
مقدسة. الذي جرى هو تحوير للكلام وتضليل إعلامي من قبل سياسيين ومؤسسات إعلامية
غربية وعربية، داعمين للمعارضة السورية ولداعش والنصرة وأخواتهما، بهدف تصوير وجود
أصولية مسيحية أرثوذكسية متطرفة في روسيا معادية للمسلمين والإسلام كانت الدافع
الأساسي لهذا التدخل العسكري الروسي في سورية... ولكي يساهم هذا الأمر وما سيترتب
عليه في تقويض هذا التدخل لاحقاً.
ما قد قاله
بطريرك الكنيسة الروسية أنه هناك إرهاب يستهدف كلا المسيحيين والمسلمين في سورية،
وإن روسيا قررت من خلال العمل العسكري حماية الشعب السوري من هذا الإرهاب، وأنه
يأملُ أن يعيدَ هذا الأمرُ السلامَ والحقَ إلى سورية. وما قد قاله الأب تشابلين
(رئيس دائرة العلاقات بين الكنيسة والمجتمع في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية):
"موقف الأديان المختلفة في روسيا (المسيحية والإسلام واليهودية والبوذية) هو
موقف متعاطف مع الدولة الروسية... الدور الأخلاقي الذي تلعبه روسيا في المناطق
المختلفة بالعالم وخصوصاً في الشرق الأوسط، هذا الدور يُعنى بالضعفاء والمعنَّفين،
وبحماية المسيحيين الذين يعيشون بالشرق الأوسط، وهؤلاء الذين يتعرضون اليوم
للإبادة الجماعية... الإرهاب هو تهديد خطير جداً لكل العالم، وهو يحارب بلدنا الذي
هو من أقوى بلاد العالم... غير ممكن أن يُعطى أي تبرير للإرهاب. لذلك المعركة ضد
الإرهاب هي من أجل العدالة في العالم، وكرامة الشعب المضطهَد. هذه المعركة أخلاقية
بامتياز، وإن أردتم، فهي معركة مقدسة. واليوم روسيا ربما هي أهم قوة ناشطة في
العالم تحارب الإرهاب، ليس من أجل مصلحة سياسية لها، ولكن لأن الإرهاب غير أخلاقي.
ومن الضروري أن ندافع عن الضعفاء، وبالأخص يجب أن يُحمى الشعب الواقع تحت التهديد
والتهجير والإبادة الجماعية".
هذا باختصار
ما قد قاله هذان المسؤولان في الكنيسة الروسية.
للوصول إلى
النص الكامل، وعن أنه قد تم تحريف الكلام الصادر عن الأب تشابلين "بترجمة غير
دقيقة تدل على سوء فهم أو استخدام" انظر البيان الصادر عن المركز الأنطاكي
الأرثوذكسي للإعلام في بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، والصادر
بتاريخ: 2/ 10/ 2015، على الرابط: http://goo.gl/vDZZ95
للتوضيح أكثر بخصوص تصريح الأب
تشابلين، فلنفترِض أنه في بلد ما في العالم يحدث فيه جرائم حرب وجرائم ضد
الإنسانية شبيهة بالتي تحدث في سورية والعراق من: إبادة جماعية بحق أبناء الأقليات
الدينية وتهجير جماعي لهم ومجازر جماعية بحقهم وتهديم معابدهم وطمس هويتهم
وتاريخهم وسَبي فتياتهم ونسائهم ووضعهن في معاقل الاغتصاب الجماعي وبيعهن في أسواق
النخاسة, وارتكاب مختلف أشكال العنف الدموي بحق الأعداء كتقطيع الرؤوس والذبح
والنحر والحرق مع تصوير هذه المشاهد والمفاخرة بها ونشرها في أوسع نطاق ممكن، وتهديم
ومحو الآثار التي تعود إلى آلاف السنين، وغيره... في هذا الوضع، يصبح المطلوب من
أبناء أي دين ( في المسيحية، أو الإسلام، أو اليهودية، أو البوذية، أو الهندوسية،
أو غيرها...) أن يعتبروا أن وقف هذه الجرائم، حتى من خلال العمل العسكري، هو أمر
أخلاقي؛ وأن أخلاقيته هي مهمة إلى درجة أنها توازي أهمية ما هو مقدَّس عندهم بالنظر
إلى فداحة ووحشية تلك الجرائم التي تُرتكَب.
هذا، ببساطة،
المقصود بما قاله الأب تشابلين، وكما هو واضح من كلامه الوارد أعلاه. ولم يقل هو،
أو غيره من المسؤولين في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، إن التدخلَ العسكري الروسي
في سورية هو حربٌ مقدسة، أو إن هذه الكنيسة أعلنت حرباً أو معركة مقدَّسة أو جهاداً
مقدَّساً مسيحياً أو أرثوذكسياً (كما تم تصوير الأمور في الوسائل الإعلامية).
ونذكر في
هذا السياق أن عدداً من أهم الشخصيات الإسلامية في روسيا صدر عنها تأييدٌ للتدخل
العسكري الروسي في سورية واعتبروه حرباً أخلاقية ضد الإرهاب ودفاعاً عن الإسلام
وما شابه، كمثل: رئيس مجلس المفتين في روسيا، ورؤساء جمهوريات الشيشان وإنغوشيا
وداغستان في الاتحاد الروسي.
إذاً، عَلامَ
كل تلك الضجة العالمية والعربية، من قبل سياسيين وإعلاميين، الذين يقولون إن الكنيسة
الأرثوذكسية الروسية أعلنت التدخلَ الروسي في سورية حرباً مقدَّسة وجهاداً
مقدَّساً ؟ وإنها قامت بإضفاء الطابع الديني المسيحي الأرثوذكسي على هذه الحرب ؟ وإن
هناك حرباً صليبية جديدة من قبل هذه الكنيسة والدولة روسية بحق المسلمين والإسلام
في هذه المنطقة ؟
الجواب هو أن قسماً من هؤلاء السياسيين
والإعلاميين هو، بلا شك، على جهل بحقيقة ما قد قاله الأب تشابلين نتيجة تضليل
إعلامي وما شابه حول هذه المسألة... لكن القسم الآخر منهم قد تعمَّد التحوير
والتحريف والتضليل وإثارة الضجة الإعلامية. والهدف هو، كما ذكرنا أعلاه، تصوير
وجود أصولية مسيحية أرثوذكسية متطرفة في روسيا معادية للمسلمين والإسلام كانت
الدافع الأساسي للتدخل العسكري الروسي في سورية، فيفقدُ بذلك هذا التدخلُ مبرراته
الأخلاقية والإنسانية؛ الأمر الذي يساهم: في التقليل من التأييد له في مناطق مختلفة
كثيرة من العالم، وفي ازدياد التأييد لداعش والنصرة وأخواتهما في العالم الإسلامي
في مواجهة هذا العدو "الصليبي الجديد" القادم من الشمال، وفي حصول أعمال
انتقامية واسعة بحق المسيحيين، خاصة منهم الأرثوذكس، في هذه المنطقة... فيساهم كل
هذا الوضع في الإحباط والتقويض لهذا التدخل العسكري...
مَن يريد أن يعترض على التدخل العسكري الروسي
في سورية، هذا حقه بموجب حرية العمل السياسي والإعلامي... لكن أن يتم الاعتراض من
خلال الطريقة الواردة أعلاه، فهذا هو العمل السياسي والإعلامي في أحط وأحقر
أشكاله.
نأتي الآن
إلى الوضع في لبنان.
كما ذكرنا
أعلاه، كان قد صدر ذلك البيان عن المركز الأنطاكي الأرثوذكسي للإعلام والذي يوضح
حقيقة الكلام الذي صدر عن الأب تشابلين. وكانت أكثر من صحيفة لبنانية قد قامت بنشر
هذا البيان، أو قامت بتوضيح حقيقة هذه المسألة؛ وكذلك الأمر مع عدد كبير من مواقع
الانترنت وعلى صفحات التواصل الاجتماعي.
بتاريخ 8/ 10/ 2015 وعلى شاشة المؤسسة
اللبنانية للإرسال (LBCI) في برنامج "نهاركم سعيد" الذي
كانت تقدمه الإعلامية ديما صادق، قد تكلمت خلاله مع ضيفها حازم الأمين (كاتب
وصحفي) عن موضوع الضجة العالمية الناتجة عن تصريح الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بأن
الحرب (الروسية) في سورية هي حرب مقدَّسة، وعن إضفاء الصبغة المسيحية عليها...
عن هذه الحلقة انظر الرابط: http://goo.gl/thzt4u
هذه المؤسسة
الإعلامية هي من بين الأفضل والأعرق في لبنان، وكذلك هذه الإعلامية هي من بين
الأهم في لبنان؛ لهذا من المستبعَد جداً أنه تم ارتكاب هذا الخطأ عن جهل وعن عدم
اطلاع على البيان الذي صدر عن المركز الأرثوذكسي للإعلام وعلى كل تلك المقالات
والكتابات التي أوضحت حقيقة تصريح الأب تشابلين. والتفسير المرجَّح هو أنه لما
كانت هذه المؤسسة معروف عنها الموالاة لفريق 14 آذار ومعاداة النظام السوري، فتكون
قد ركبَت في تلك الموجة في التضليل وفي تصوير وجود أصولية مسيحية أرثوذكسية متطرفة
في روسيا معادية للمسلمين وللإسلام كانت الدافع الأساسي للتدخل العسكري الروسي في
سورية...
والأمر
المثير للسخرية هنا هو أن هذه المؤسسة كانت دائماً ومنذ نشأتها تقدِّم نفسها على
أنها المدافعة عن حقوق المسيحيين وتقوم ببثّ الصلوات والقداديس والاحتفالات
الدينية المسيحية...
عامر سمعان، كاتب وباحث
10/ 10/ 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق