ما يتضمنه كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" دراسات معمقة وغير مسبوقة في السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا؛ من بينها: أربع نظريات جديدة في الأنتروبولوجيا المجتمعية، وخطة لحلّ الأزمة في لبنان، وإستراتيجيا تعتمد وسائل المحاربة الإعلامية والسياسية والاقتصادية لهزيمة الولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية، والتي سيكون من نتائجها الاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور في العالم العربي ومعظم دول الجنوب.

الأحد، 27 يوليو 2014

من مهازل الأحداث السورية ( 1 )


     شهِدت الأحداثُ السورية الكثيرَ من المهازل. سنتناول هنا إحداها؛ وهي المتعلقة بكون السوريين، وبمختلف انتماءاتهم، من الموالاة والمعارضة، أصبحوا موحدين حول فكرة أن اللبنانيين هم شعب عنصري وناكر للجميل وكاره للسوريين ويتعامل بقسوة مع اللاجئين السوريين في لبنان.
     وحجة هؤلاء السوريين هي أن شعب سوريا احتضن بأخوة وتعاطف جميعَ اللاجئين الذين أتوا إلى سوريا، بدءًا من الفلسطينيين إلى العراقيين الذين أتوا بعد غزو العراق إلى اللبنانيين الذين أتوا في حرب تموز 2006؛ في حين أن الشعب اللبناني يتعامل حالياً بكل عنصرية وكره وقسوة نحو اللاجئين السوريين، وقد تناسى تضحيات سوريا خلال الحرب اللبنانية، ومن ضمن هذا التعامل أن أحد اللبنانيين قام باغتصاب طفل سوري ثم قتله في عكار، وأنه قد تم تعليق يافطة في برج حمود تمنع على السوريين التجول ليلاً، وأن القوى الأمنية اللبنانية قد تعاملت بقسوة مع السوريين الذين توجهوا إلى السفارة السورية لانتخاب رئيس البلاد، وأنه في 19/ 7/ 2014 قام رجل شيعي لبناني بتحريض طفله على ضرب طفل سوري سني وأيضاً قام بتصوير العملية ونشرها.
     سنناقش فيما يلي هذه الفكرة المغلوطة عن اللبنانيين التي أجمع عليها السوريون في الموالاة والمعارضة.
     اللاجئون العراقيون في سوريا كانوا حوالي مليون وأربعمئة ألف، بحسب إحصاءات الدولة السورية، أما اللبنانيون فلم يوجد إحصاء لهم في تموز 2006 وقُدِّروا ببضع مئات من الآلاف، (أما الفلسطينيون، والذين يقدَّرون بحوالي نصف مليون في سوريا ويوجد منهم في لبنان أقل من هذا العدد بقليل، فهم لا يدخلون في نطاق بحثنا هنا كونهم متواجدين في سوريا ولبنان منذ عشرات السنوات).
     أي إن مجمل أعداد اللاجئين العراقيين واللبنانيين في سوريا كانت حوالي المليونين في أفضل حالاتها، أي حوالي 8,5 % من مجمل عدد سكان سوريا. وبالمقارنة مع عدد اللاجئين السوريين في لبنان فقد بلغ في نيسان 2014 أكثر من مليون أي أكثر من ربع سكان لبنان؛ وهذا يجعل من لبنان البلد الذي يحتضن أكبر كثافة للاجئين بالنسبة إلى عدد سكانه في التاريخ الحديث، بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وهناك من الوزراء والمسؤولين في لبنان من يقول إن هؤلاء اللاجئين أصبحوا حالياً أكثر من ثلث سكان لبنان، كون الكثيرين منهم هم غير مسجَلين.
     هذا الواقع، يجب أن ينظر إليه من منطلق أن لبنان غير قادر على إقامة مخيمات للاجئين السوريين، بسبب التخوف من تسليحها وتحولها إلى بؤر أمنية، بالنظر إلى قلة هيبة الدولة اللبنانية وإلى التجربة الفلسطينية في هذا المجال. ما يعني زيادة صعوبة توصيل المساعدات إلى اللاجئين السوريين وضبطهم، أي زيادة صعوبات هذا الوضع عند كِلا اللبنانيين والسوريين. أضف إلى ذلك مشاكل: الكهرباء المستمرة منذ الحرب الأهلية، وقلة المياه هذا العام بسبب قلة الأمطار، وبدائية وسائل الصرف الصحي، وبدائية وسائل معالجة النفايات؛ حيث سيزيد العددُ الكبير للاجئين السوريين من صعوبات كل هذه المشاكل. أضف إلى ذلك أن السوريين في لبنان هم غير ممنوعين من العمل في قطاعات عدة، ما يعني تحول الكثير من اللبنانيين إلى عاطلين عن العمل وزيادة صعوبة الوضع الاقتصادي. 
     وكل ما تَقدَّم يعني أن تضحيات اللبنانيين تجاه اللاجئين السوريين في لبنان هي أكبر بكثير، بل بأضعاف، من تضحيات السوريين تجاه اللاجئين العراقيين واللبناني الذين كانوا في سوريا.
     وهذه التضحيات من قبل اللبنانيين هي ليست محصورة بفئة أو طائفة، بل إن جميع اللبنانيين سواء أكانوا من المؤيدين ل 8 آذار أم 14 آذار أم من المسيحيين أم المسلمين، هم حاضنون بأخوة لهؤلاء اللاجئين.
     نأتي الآن إلى تلك القصص التي يتحجج بها السوريون للدلالة إلى سوء معاملة اللاجئين السوريين في لبنان.
     حول الطفل الذي تم اغتصابه وقتله في عكار، فمن قام بهذه الجريمة هو قاصر ويتعاطى المخدرات وله سوابق في التحرش والممارسات الجنسية مع الصبيان، كما دلت التحقيقاتُ معه؛ وقد تحركت السلطاتُ اللبنانية بكل سرعة وفعالية لمعالجة الموضوع... أي إن ما جرى هو جريمة عادية تحصل في جميع المجتمعات، وليس نهجاً إجرامياً عند اللبنانيين في اغتصاب الأطفال السوريين وقتلهم، كما قد صوَّر الكثيرُ من السوريين الأمرَ في مواقع التواصل الاجتماعي.
    حول اليافطات التي تم تعليقها في برج حمود والتي تمنع على السوريين التجول ليلاً، فالذي حصل قبلها وخلال عدة أشهر هو أن مجموعة من العمال السوريين في هذه المنطقة كانوا يتسلحون بالسكاكين والسواطير والعصي ليلاً ويتلفظون بكلام بذيء بحق فتيات المنطقة، وقاموا بالتعدي على بعضة الشبان وأصابوهم بجراح بالغة. فأصبح هناك تخوف عند سكان المنطقة من أن يتم قتل أحد الشبان أو أن تتعرض إحدى الفتيات للخطف أو الاغتصاب من قبل هؤلاء السوريين، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى عواقب وخيمة. وبالنظر إلى ضعف هيبة الدولة التي أشرنا إليها أعلاه، لم يكن من الممكن امتصاص غضب الأهالي وفي نفس الوقت الاطمئنان إلى عدم حصول تلك الحوادث، سوى تعليق تلك اليافطات. وبالتالي، الأمر لم يكن إطلاقاً ممارسات عنصرية في كل لبنان بحق اللاجئين السوريين، كما قد صوَّر الكثيرُ من السوريين الأمرَ في مواقع التواصل الاجتماعي.    
     حول تعامل القوى الأمنية اللبنانية بقسوة مع السوريين الذين توجهوا إلى السفارة السورية لانتخاب رئيس البلاد، فالذي حصل أنه كان هناك فرق شاسع بين السوريين في لبنان الذين سجلوا أسماءهم في السفارة للتصويت في الانتخابات والذين أتوا إلى السفارة لممارسة هذا التصويت. فالمسؤولون في السفارة، وبحسب تصريحاتهم، لم يكونوا يتوقعون إطلاقاً العددَ الضخم الذي جاء للتصويت. وبطبيعة الحال، فالقوى الأمنية اللبنانية، التي كان مطلوب منها تفتيش كل من سيدخل إلى السفارة، لم تتوقع بدورها هذا العدد الكبير لتقوم بإجراءات تنظيم المرور.
     وبسبب سَير الناخبين السوريين على الأقدام لكيلومترات عدة في الطقس الحار وتخوفهم من عدم تمكنهم من التصويت بعد انقضاء النهار، حصل تدافع بينهم، وما زاد في صعوبة الأمر أن الآلاف منهم كانوا يقومون تلقائياً بمظاهرات حماسية مؤيدة للرئيس الأسد وللجيش السوري؛ فأصبح كل هذا التدافع يشكل خطراً على المشاركين، خاصة مع وجود الكثير من كبار السن وأن بعضهم كان قد جلب أطفاله معه. وقد حصل بالفعل وفاة لأحد الأطفال بالقرب من السفارة بسبب الحر والزحام... بالتالي، لم يكن متبقٍ أمام الأجهزة الأمنية اللبنانية، وحرصاً على سلامة الناخبين، إلا استعمال خراطيم المياه والهراوات لإلزامهم التصرف بهدوء وعدم التدافع... فضجت مواقعُ التواصل الاجتماعي في سوريا (خاصة عند الموالين للنظام) بالشتائم للدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية وباتهامها بكره السوريين والتعامل العنصري معهم... يعني ما قد حصل هو خطأ فادح من قبل الكثير من السوريين في لبنان، يدل على قلة الإحساس بالمسؤولية لجهة عدم تسجيل أسمائهم للتصويت... وبعد ذلك يتم تحميل المسؤولية، وبكل وقاحة، إلى الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية!!!!!
     حول شريط الفيديو الذي يُظهِر طفلاً لبنانياً اسمه عباس (أي شيعي) يُحرَّض من قبل شخص آخر لم تظهر صورته، قيل إنه والده، على ضرب طفل سوري اسمه خالد (أي سني)، هنا أيضاً تحركت الأجهزة الأمنية والقضائية اللبنانية بأقصى سرعة ليتبين أن من كان يحرِّض على الضرب ليس والد الطفل بل صبياً قاصراً كان من ضمن المجموعة التي اعتادت اللعب مع ذلك الطفل السوري والتضارب أيضاً من وقت لآخر. فأحال قاضي الأحداث الطفلين عباس وخالد إلى المعالجة النفسية والصحية.
     وكان ما أن ظهر هذا الفيديو حتى ضجَّت مواقع التواصل الاجتماعي عند السوريين (خاصة منهم المعارضين للنظام) متهِمين اللبنانيين، خاصة منهم الشيعة، بتربية أبنائهم على ضرب وكره اللاجئين السوريين، خاصة منهم السُنة. وبالطبع، من الغباء النظر إلى هذا الموضوع بهذا الشكل، كونه ليس أكثر من تضارب بين أولاد وأطفال. فالأولاد والأطفال في أي حي أو شارع أو ميتم أو مدرسة في العالم يلعبون مع بعضهم ويتضاربون من وقت لآخر. وقد تم تسجيل حوادث في أرقى المدارس في بريطانيا وأمريكا حول ليس فقط تعنيف طفل من قبل أقرانه داخل المدرسة بل حتى أيضاً قتله أو دفعه إلى الانتحار. فليس بالأمر العجيب الغريب أن يكون هناك مجموعة من الأولاد والأطفال اللبنانيين والسوريين الذين يلعبون ويتضاربون مع بعضهم.
     وبأسوأ الأحوال حتى إذا افترضنا أنه كان هناك من يربي الطفلَ عباس على كره وضرب اللاجئين السوريين، فلا يصح اتخاذ هذه الحادثة المنفردة للدلالة عل وجود فئات واسعة من الشعب اللبناني تربي أطفالها على كره وضرب اللاجئين السوريين، كما قد تم تصوير الأمر من قبل الكثير من السوريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
     من جهة أخرى، ولكي تتوضح الصورة أكثر حول وضع اللاجئين السوريين في لبنان فلا بد من النظر إليها من كافة جوانبها. وهذا سيوصلنا أيضاً إلى أن الكثير من هؤلاء اللاجئين يقومون باعتداءات على لبنانيين أو بما يشكل مخالفة للقوانين. يأتي في هذا الإطار، على سبيل المثال، أنه قبل عشرة أيام من نشر الفيديو عن تعرض الطفل خالد للضرب، حاول لاجئان سوريان في قرية أرنون الجنوبية ذبحَ فتى من سكانها، إلا أن هذا الأخير تمكن من الهرب والإبلاغ عنهما، فحصل استياء عام لدى أهالي القرية وقاموا بضرب هذين السوريين وطالبوا برحيل جميع اللاجئين السوريين من بلدتهم إلى أن تدخلت الأجهزة الأمنية لمعالجة الموضوع (انظر: thtp://lb.cpnews.me/?p=9158). أيضاً مما يأتي في هذا الإطار أن معظم العاملات في الدعارة في لبنان أصبحن، كما يقال، من السوريات (والكثيرات منهن يقدمن خدماتهن فقط مقابل 10 دولار).
     أيضاً ولكي تتوضح الصورة أكثر حول وضع اللاجئين السوريين في لبنان، لا بد من الإشارة إلى تضحيات جديرة بالملاحظة كان ولا يزال الكثير من اللبنانيين يقدمونها.
     عندما يقوم رب عائلة لخمسة أطفال، مؤيد للحزب السوري القومي الاجتماعي، يعمل أجيراً بمدخول يومي هو 30,000 ليرة ويعطِّل حوالي ربع أيام السنة (أي يُعتبَر من الفقراء) باستضافة عائلتين من المهجرين السوريين، متكفلاً بإيوائهما وإطعامهما لمدة أسبوعين، إلى حين تمكنهما من إيجاد مسكن وتلقي المساعدات؛ ألا يُعتبَر هذا تضحية ؟
     عندما تقوم أرملة، من المؤيدين لحزب المردة (وهي من ضمن متوسطي الدخل)، بإيواء أفراد عائلة من المهجرين السوريين في شقة تملكها لفترة تتجاوز السنتين ومن دون أن تأخذ إيجاراً منهم، وفقط مقابل أن يقوموا بالاعتناء بكرم الزيتون وقطافه الذي لها، أي العمل عندها لحوالي شهر في السنة؛ ألا يُعتبَر هذا تضحية ؟
     عندما تقوم أرملة، من المؤيدين لتيار المستقبل (وهي من ضمن متوسطي الدخل)، بإيواء أفراد عائلة من المهجرين السوريين في شقة تملكها منذ بداية الأحداث السورية ومن دون أن تأخذ إيجاراً منهم، كعمل خيري أمام الله؛ ألا يُعتبَر هذا تضحية ؟
     ويحتاج الموضوع إلى مئات الصفحات لسرد قصص عن تضحيات للبنانيين تجاه اللاجئين السوريين في هذه المرحلة.
     طالما يوجد لاجئون سوريون في لبنان سيبقى هناك أخبارٌ، من وقت لآخر، عن أن أحد السوريين تعرض لاعتداء ما من قبل لبنانيين أو عن أن أحد اللبنانيين تعرض لاعتداء ما من قبل هؤلاء السوريين. هذا أمر طبيعي. فما من لاجئين في أية منطقة في العالم إلا ويصدر عنهم، من وقت لآخر، هكذا اعتداءات بحق السكان المضيفين لهم، وفي نفس الوقت يتعرضون لهكذا اعتداءات من قبل هؤلاء السكان. السبب، هو أنه لا يمكن لأية مجموعة من اللاجئين في العالم أن تكون جميعها من القديسين، كما لا يمكن لأي شعب مضيف لهم أن يكون جميعه من القديسين؛ فالاعتداءات، أو ما يُعتبَر مخالفة للقوانين، لا بد أن تصدر من وقت لآخر من كِلا الجهتين. إضافة، كلما كان اللاجئون يشكلون كثافة سكانية عالية نسبة إلى سكان البلد المضيف، وكلما كان البلد المضيف عاجزاً عن تنظيم مخيمات لهم ويعاني من أوضاع اقتصادية صعبة ومن مشاكل الكهرباء وقلة المياه وسوء الصرف الصحي وسوء معالجة النفايات؛ كانت تلك الاعتداءات، التي تصدر من كِلا الجهتين، أكثر.
     هل هذه المعادلة هي صعبة على الفهم أو تحتاج إلى عبقرية كبيرة لفهمها ؟ مَن لا يستطيع أن يفهَم هذه المعادلة البسيطة هذا يعني أنه معاق عقلياً والأفضل له أن لا يكتب عن أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان.
     هل يعقل أنه بمجرد ظهور فيديو الطفل خالد حتى تشتعل مواقعُ التواصل الاجتماعي عند المعارضة السورية متهِمين اللبنانيين بتربية أطفالهم على كره وضرب اللاجئين السوريين، وموجهين الشتائم ليس فقط إلى الشيعة بل إلى كل اللبنانيين وإلى الدولة اللبنانية وتاريخ لبنان وحضارته وثقافته وكل ما فيه من بشر وحجر، وحتى إباحة دم الطفل عباس وكل أهله ؟ وكل هذا من دون التأكد من مصداقية الفيديو ومن هوية الشخص المحرِّض على الضرب ومن كونها حادثة فردية أم لا. مما كتبه رئيس تحرير موقع "أورينت نت": "استطاع (النمط اللبناني الفريد) أن ينحط إلى درك أسفل مما يمكن أن يتخيله أي إنسان في هذا القرن... استطاع أن يسجل اختراعاً جديداً في سجل العار الإنساني، تؤرخ فيه الأخلاق ما قبل وما بعد... لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم..." (انظر: http://orient-news.net/index.php?page=news_show&id=80024). أيضاً حول هكذا شتائم وتهديدات انظر الصفحة على الفايسبوك تحت عنوان "كلنا الطفل خالد السوري" التي جمعت لغاية الآن أكثر من 18800 إعجاباً. والمضحك أن الذين يكتبون هذه الشتائم ويستبيحون الدماء بهذه الاعتباطية هم الذين يدَّعون جلب الحرية والديمقراطية إلى الشعب السوري !
     في النهاية، وكما قلنا، فإن تضحيات اللبنانيين تجاه اللاجئين السوريين في لبنان هي أكبر بكثير، بل بأضعاف، من تضحيات السوريين تجاه كِلا اللاجئين العراقيين واللبنانيين الذين كانوا في سوريا.
     أي شخص سوري في الموالاة بإمكانه أن ينتقِد مواقفَ 14 آذار والأصوليين الإسلاميين في لبنان من الأزمة السورية وما يقدمونه من دعم (عسكري أو غيره) إلى المعارضة فهذا حقه من ضمن حرية العمل السياسي، وأي شخص سوري في المعارضة بإمكانه أن ينتقِد مواقفَ حزب الله وباقي 8 آذار من الأزمة السورية وما يقدمونه من دعم (عسكري أو غيره) إلى النظام فهذا حقه من ضمن حرية العمل السياسي؛ لكن أي سوري، سواء أكان في المولاة أم المعارضة، لا يمكنه إلا أن يكون شاكراً وممتناً طيلة حياته إلى الشعب اللبناني، بكل فئاته، لما قدَّمه من تضحيات في احتضانه للاجئين السوريين. وإن لم يفعل ذلك يكون إما ناكراً للجميل وإما غبياً.
     وعلى كل إعلامي أو سياسي سوري وكل من يعتبِر نفسه على أنه من ضمن القياديين أو المثقفين، وسواء أكان من الموالاة أم المعارضة، أن يقوم بواجبه بتنبيه السوريين الذين يكتبون بشكل اعتباطي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها، مصوِّرين اللبنانيين على أنهم هم شعب عنصري وناكر للجميل وكاره للسوريين ويتعامل بقسوة مع اللاجئين السوريين؛ حول الخطأ فيما يكتبونه... هذا إذا كان هذا القيادي أو المثقف راغباً في علاقات أخوية حقيقية مستقبلاً بين لبنان وسوريا... أما إذا لم تكن هذه هي رغبته، أي إذا كان راغباً في علاقات مستقبلية غير أخوية فليبقى صامتاً عن هذه الكتابات الاعتباطية.    
   
 
عامر سمعان ، باحث وكاتب
27/ 7/ 2014

الثلاثاء، 8 يوليو 2014

من الحريري إلى القذافي إلى داعش


     بعد أن كانت الولايات المتحدة ذاهبة إلى هزيمة تاريخية بعد العام 2003 بفعل احتلالها للعراق وتدهور أوضاعه وازدياد المقاومة ضد جنودها فيه، أنقذَت نفسَها من خلال اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 وغيره من قيادات 14 آذار الحلفاء لها في لبنان.
     ثم بعد أن كانت ذاهبة إلى هزيمة تاريخية في العام 2011 بفعل ثورتي تونس ومصر اللتين أطاحتا بنظامي بن علي ومبارك، أنقذَت نفسَها من خلال التدخل العسكري الغربي في ليبيا الذي أطاح بنظام القذافي ومن خلال افتعال الأحداث السورية وتقديمها الدعم للمعارضة السورية المسلحة.
     ثم بعد أن كانت ذاهبة إلى هزيمة تاريخية في العام 2014 بفعل الصمود البطولي لسوريا، في شعبها وجيشها ونظامها، وبمساهمة فاعلة من قبل حزب الله، وبعد أن أصبح إنهاء الأحداث السورية مسألة وقت؛ أنقذَت نفسَها من خلال تقدّم قوات داعش في العراق وقيام "دولة الخلافة الإسلامية"، الأمر الذي سيطيل الحروب في سوريا والعراق إلى ما لا نهاية وسيسعّر الصراعات السنية - الشيعية أكثر من أي وقت مضى.  
     ورغم كل ذلك، لا يزال معظم العرب، في شعوبهم وسياسييهم وإعلامييهم وأنظمتهم، يسيرون بغباء وراء الولايات المتحدة ويؤيدون سياستها ويترجون مساعدتها.
     بالتالي، لا يمكن القضاء على تنظيم داعش والوصول إلى الاستقرار الأمني في سوريا والعراق ودول الجوار طالما الولايات المتحدة قائمة كقوة عظمى في هذا العالم، كونها رأس الأفعى للمعارضة السورية المسلحة ولحلفائها في المنطقة.
     كما لا يمكن، حالياً أم مستقبلاً، لجم القوة العسكرية لإسرائيل وإيقاف أية اعتداءات أو جرائم من قبلها بحق الفلسطينيين أو غيرهم من العرب، وإلحاق هزيمة كبرى بها؛ طالما الولايات المتحدة هي رأس الأفعى لها.
     فيصبح العمل بإستراتيجيا تعتمد وسائل المحاربة الإعلامية والسياسية والاقتصادية لإلحاق هزيمة كبرى بالولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية، هو شرط لإنجاح أي حل عسكري للقضاء على تنظيم داعش وتمكين النظام في سوريا من بسط سيادة الدولة وتحقيق الاستقرار فيها في وقت قصير. وأيضاً هو شرط، حالياً أم مستقبلاً، للنجاح في لجم القوة العسكرية لإسرائيل وإيقاف أية اعتداءات أو جرائم من قبلها بحق الفلسطينيين أو غيرهم من العرب، وللتمهيد لإلحاق هزيمة كبرى بها.
     هكذا إستراتيجيا، التي لا بد من أن تكون مبنية على دراسات علمية وصحيحة... لا يمكن الاعتماد في تنفيذها على الأنظمة الحاكمة... بل الاعتماد، هو أولاً وأساساً، على قيام الفئات السياسية والشعبية المناهضة للولايات المتحدة، داخل العالم العربي وخارجه، بمطالبة الأنظمة الحاكمة في بلدانها والضغط عليها، بالتظاهرات والإضرابات وغيرها من الوسائل الديمقراطية، لكي تتخذ خطوات معارِضة لهذه الدولة؛ حتى ولو أدَّت هذه التحركات إلى سقوط وتغيير معظم هذه الأنظمة.     
     للاطلاع على هذه الإستراتيجيا وكيفية تنفيذها للوصول إلى الأهداف المرجوة منها، انظر "نحو الانتصار في سوريا وهزيمة أمريكا":
    


عامر سمعان ، باحث وكاتب
8/ 7/ 2014، تم آخر تعديل لهذه المقالة في 15/ 7/ 2014