حُكِي أنه في إحدى القرى اللبنانية، فيما مضى، كانت إحدى
النساء تعاني من ولادة متعسرة. فشاهد زوجُها وأهلُها رجلاً غريباً يمتطي الدابة
ويسير في القرية، فسألوه: "هل أنت حكيم مغربي، لدينا هنا امرأة تتعسر الولادة
معها ؟"؛ ولما أجاب بالإيجاب، سألوه أن يساعدها، فقبل على الفور. و"المغاربة"،
كما كانوا يُعرَفون في الثقافة الشعبية اللبنانية فيما مضى، هم فئة تمتهن الطبَ
الشعبي والسحرَ، وأُطلِقَ عليهم هذا الاسم نسبة لتعلمهم السحر في بلاد المغرب
العربي.
بالعودة إلى
قصتنا، فهذا الرجل الغريب، ادَّعى أنه يريد مكاناً بعيداً عن الأنظار ليتلو
الأدعية وليصنع الحجاب أو الطلسم للمرأة وأنه يحتاج للأكل والشرب للتفرغ لهذه
المهمة التي تتطلب بعض الوقت. فكان له ما أراد. وبعد أن أنهى الحجابَ أعطاه للمرأة
وطلب منها أن تضعه على رقبتها لتسهيل الولادة. وهذا ما كان بالفعل، فما أن وضعته
حتى تسهّلت، شيئاً فشيئاً، الأمورُ وولدت الطفلَ بصحة جيدة. ففرح الزوجُ والأهلُ
بهذه النتيجة وأجزلوا العطاء للمغربي. وكان آخر ما أوصى به هذه المرأة أن تبقى
مرتدية الحجاب طيلة حياتها وألا تقوم مطلقاً بفتحه.
بعد عدة
أشهر لم تستطع هذه المرأة أن تضبط حشريتها، فأرادت أن تعرف ما كَتَبُه في الحجاب
وكيف تكون الأدعية والطلاسم السحرية، وقامت بفتحه، لتجد أن ما فيه كان: "تعِشَّينا
وعِشَّينا الحمار، انْ ما خَلْفِت بالليل بتخَلّف بالنهار". وورد في حكاية
أخرى أن ما فيه كان: "أنَا رجّال شَلَبي وعم دوِّر على طَلَبي، انْ خَلْفِت منيحْ
وإنْ ما خَلفِت لَدَنبي".
هذه الحكاية الشعبية، والتي قد توجد في أماكن
أخرى من العالم بأشكال مختلفة لكن بمضمون واحد أي "بِبُنية واحدة" (بحسب
التحليل البنيوي للأدب)، تدل على وجود وَعِي شعبي لمسألة إمكانية تأثير النفس بشكل
خارق للطبيعة على الجسد؛ وكيف أن مَن يمتلك الثقة الكبيرة بحصول شفاء روحي له،
وسواء أكان من قبل السحر أم الدين، فالمرجَّح هو حصول هذا الأمر له؛ حتى من دون
حصول تدخّل من قبل قوى خارقة للطبيعة يكون مصدرها هذا السحر أو الدين.
منذ أواخر
القرن التاسع عشر، وبالتزامن مع بدء وجود علم النفس كعلم أكاديمي، أصبح هناك أيضاً
في بعض الجامعات الغربية علم النفس الغَيبي أو البارابسيكولوجيا، الذي يحاول إعطاء
تفسيرات علمية للظواهر الخارقة للطبيعة، كالشفاء الروحي وقراءة الأفكار ورؤية المستقبل
(التنجيم والتبصير) والتواصل الفكري مع الآخرين وتحريك الأجسام بقوة الذهن
و"صَيبة العين" وظهورات الأرواح الأشباح وغيرها... وأصبح هناك فريق من
البارابسيكولوجيين يَقول بوجود قوة خارقة للطبيعة، غير معروفة بعد، داخل كل إنسان
تتسبب بكل هذه الظواهر. وقد كان للقوات المسلحة في الاتحاد السوفياتي أبحاث مهمة
في هذا المضمار.
هذه الظواهر
الخارقة للطبيعة هي تقريباً موجودة في جميع المجتمعات، وكل إنسان يفسِّرها بما
يتوافق مع معتقداته وبحسب نوعها وكيفية حصولها؛ فهناك مَن ينسبها إلى الإله الذي
يعبده، ومَن ينسبها إلى القديسين، ومَن ينسبها إلى السحر، ومَن ينسبها إلى الشيطان،
ومَن ينسبها إلى قوة خارقة غامضة داخل الإنسان... كما هناك مَن يرفض الاعتراف بوجودها
ويعتبرها مجرد أوهام أو خرافات.
عامر سمعان ، باحث وكاتب
22/
5/ 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق