من حيث
التقييم المنطقي لعيد رأس السنة الميلادية، نرى بدايةً أنه من الأعياد الأكثر
سخافة كونه لا يوجد فيه أية معاني دينية أو إنسانية أو وطنية أو غيره.
فالسنة الجديدة
هي فقط نتيجة دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، فيكون تعاقبُ الأيام والسنوات... يعني
هي أيامٌ تمرّ، لا أكثر ولا أقل...
أيضاً نرى
أنه العيد الأكثر تأثراً بالمعتقدات الشعبية الخرافية والغَيبية. وتقوم الاحتفالات
فيه على فكرة أنه إذا استقبل الإنسانُ العامَ الجديد بالسعادة أو كان حظُّه جيداً
في بدايته، فستكون كل أيامه خلال هذا العام سعيدةً ويكون حظُّه جيداً فيه !!!
وتقوم الوسائلُ
الإعلامية، خاصة المرئية، خلال هذا العيد باستضافة المنجِّمين والمبصِّرين الذين
يدَّعون رؤية المستقبل والغَيب وليخبرونا كيف سيكون العام القادم على كل واحد منا
وعلى الوطن ودول الجوار والعالم أجمع، كما تقوم بإدارة ألعاب الحظ والقمار التي
يشترك فيها المشاهدون.
وإذا ما
أخذنا الاحتفالات في المطاعم والنوادي والمنتجعات السياحية والاحتفالات الشعبية في
الساحات العامة، وأيضاً السهرات العائلية التي غالباً ما تدور حول ألعاب الحظ
والقمار... يصبح هناك منظومة متكاملة من الحياة الاجتماعية والاقتصادية
والإعلامية، في مجتمعنا وفي الكثير غيره من المجتمعات في العالم، تدور حول تلك
المعتقدات الشعبية الخرافية والغَيبية التي يقوم عليها هذا العيد.
ومن الأمور المؤسفة التي أصبحت تحدث في لبنان في
الثلاثة العقود الأخيرة هو أن التلفزيونات التي تُسمى في التعابير اللبنانية
"محسوبة على المسيحيين"، لا تقوم ببث الأفلام التي تحتوي على مشاهد
جنسية خليعة، أو استعراضات راقصة تحتوي على هكذا مشاهد أو "إسكتشات"
بمواضيع جنسية خليعة، إلا في ليلة رأس السنة.
من الناحية
الأخرى، ومن حيث الرؤية الدينية لعيد رأس السنة. ففي المسيحية الأرثوذكسية، لا
يوجد شيء من قريب أو بعيد اسمه "عيد رأس السنة الميلادية". ما يوجد في
تاريخ الأول من كانون الثاني وفق الروزنامة الكنسية هو عيد ختانة الرب وعيد القديس
باسيليوس الكبير (وقديسين آخرين)، بحسب ترتيب وضعته الكنيسة لتوزيع الأعياد على
مدار أيام السنة. وهناك عيد "بدء السنة الكنسية" يقع في الأول من أيلول،
وهو، بكل الأحوال، ليس من الأعياد
الأساسية أو الأكثر أهمية من غيره.
هناك رأي
يعتبر أنه يصح الاحتفال الديني بعيد رأس السنة الميلادية ليكون بدءُ العام الجديد
مناسبةً للتجديد الروحي (أي لتقوية الالتزام الروحي أي الإيماني)، أي لأن يقوم
المؤمنُ بجرد حساب عن مدى تقدّمه الروحي في السنة الماضية وأن يتعهد أمام الله بأن
تكون السنة القادمة أفضل من حيث التقدّم الروحي ولكي يطلب من الله المساعدة في هذا
الأمر.
الردّ:
التجديد الروحي،
هو أمر يحصل تلقائياً مع المؤمن مع كل دخول في التوبة. كون التوبة تعني الاعتراف
بالخطايا في الفترة الماضية، أي الاعتراف بما كان معيقاً في التقدم الروحي،
والتعهد بعدم العودة إلى هذه الخطايا في الفترة القادمة، والطلب إلى الله المساعدة
في هذا الأمر. وبما أن حالة التوبة (أي التوبة عن أية خطايا في السلوك أو التفكير
أو الشعور) هي مطلوبة دائماً من المؤمن كلما دعَت الحاجة وحتى لأواخر لحياته ومهما
تقدَّم في القداسة، فهذا يعني أنه ليس هناك وقت من ضمن ترتيب زمني محدد يكون
المطلوب فيه من المؤمن القيام بالتجديد الروحي.
وبالطبع،
تبقى المناسبة الأهم للتجديد الروحي هي في تتويج التوبة بممارسة سر الاعتراف.
إضافة من
المناسبات المهمة للتجديد الروحي هو التهيئة للاشتراك في الخدم الكنسية، خاصة منها
القداس الإلهي، كونها تتطلب الدخول في التوبة مسبقاً.
بالتالي، أن
يتم اعتبار كل يوم من أول السنة، أو من أول الشهر أو من أول الأسبوع، هو مناسبة
للتجديد الروحي، هو خطأ كونه يتعارض مع مبدأ أن التجديد الروحي يتم مع كل دخول في التوبة،
وأن التوبة قد تحصل في أي وقت كلما دعَت الحاجة إليها.
إضافة، هناك
مناسبات دينية بالغة الأهمية يمكن للمؤمن أن يستغلها في التجديد الروحي ... كمثل
في عيد الظهور الإلهي حيث تتبارك البيوت والسيارات والحقول والطرقات والمدن والقرن
من خلال رشّها بالمياه المقدسة وليعيش المؤمن في أبعاد مهمة من العلاقة الأسرارية
مع الله... وفي فترة أسبوع الآلام حين يعيش في معاني محبة الله اللانهائية للبشر
وتنازله من أجل خلاصهم.... وفي فترة الفصح حين يعيش في معاني إمكانية انتصاره
اللامحدود على ضعفاته وخطاياه البشرية من خلال ارتضائه بالصليب... وفي يوم الموافق
لعيد شفيعه من القديسين... وغيره كثير... لكن أن يحاول المؤمنُ اعتبار بداية العام
الجديد مناسبة دينية (وفقط لكونه بداية العام) وأن يحاول استغلاله في التجديد
الروحي، فهذا خطأ كونه لا يتضمن أية مناسبة دينية.
أخيراً،
وبالنظر إلى كل ما تقدم، يكون المطلوب من الأساقفة والكهنة الأجلاء، وكل المعنيين
بالتربية والإعلام الدينيين، أن لا يستعملوا عبارة "قداس رأس السنة أو
بمناسبة رأس السنة"، وأن يطلبوا من المعنيين في المؤسسات الإعلامية التي
تستخدم هذه العبارة أن يتوقفوا عن استخدامها وأن يوضحوا لهم أنه "في الكنيسة
الأرثوذكسية لا يوجد شيء اسمه قداس أو عيد رأس السنة الميلادية".
وبالطبع من المستحسن أن تقام السهرانيات في
الكنائس (أي خدمة الغروب والسحرية والقداس) في ليلة رأس السنة بهدف تعويد المؤمنين
على أن يمضوا هذه المناسبة في الكنيسة ولكيلا ينجروا إلى السهر والانغماس في ملذات
هذا العالم... لكن بشرط أن يتم استخدام عبارة "سهرانية بمناسبة عيد ختانة
الرب وعيد القديس باسيليوس" وليس "سهرانية بمناسبة عيد رأس
السنة".
عامر سمعان، كاتب وباحث
2/
1/ 2016