ما يتضمنه كتابي "حول الأزمة اللبنانية ونهاية الزعامة العالمية للولايات المتحدة" دراسات معمقة وغير مسبوقة في السياسة والإستراتيجيا والتنمية والسوسيولوجيا؛ من بينها: أربع نظريات جديدة في الأنتروبولوجيا المجتمعية، وخطة لحلّ الأزمة في لبنان، وإستراتيجيا تعتمد وسائل المحاربة الإعلامية والسياسية والاقتصادية لهزيمة الولايات المتحدة وإنهاء زعامتها العالمية، والتي سيكون من نتائجها الاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي والتطور في العالم العربي ومعظم دول الجنوب.

الأحد، 12 أكتوبر 2014

حقوق المرأة ومباريات انتخاب ملكات الجمال


     إثر كل مباراة لانتخاب ملكة جمال، تعلو أصواتٌ، من قبل إعلاميين وكتّاب وعامة الناس وحتى في برامج تلفزيونية كوميدية، تتهِم المرشحات أنهن كن دون المستوى المطلوب في الثقافة والذكاء. هذا المشهَد يكاد يكون عاملاً مشتركاً عند المتتبعين لهذه المباراة في أي بلد في العالم. أيضاً ما هو عامل مشترك في هذه المباراة، هو أن معظمها يقيس ثقافة وذكاء المتباريات بشكل أساسي من خلال الجواب على سؤال واحد أو اثنين يوجَّه إلى كل متبارية على حدة، ومن دون أي تحضير مسبق له، أمام الحضور والمتابعين للمباراة عبر وسائل الإعلام.
     هذه الطريقة لتقييم الثقافة والذكاء عند المتباريات لا تصلح مطلقاً. فأن يتم طرح سؤال على المتبارية في موضوع لم تكن قد حضَّرته أو خطر على بالها وحيث يكون المطلوب منها تقديم الجواب خلال ثوانٍ، حتى كبار العلماء والمفكرين قد يرتبكون ولا يقدِّمون أجوبة وافية.
     صحيح أن المتبارية تُعطى أحياناً بضع دقائق لتحضير الجواب، لكن عملياً أي تأخير في الردّ من قبلها سيفسَّر بشكل سلبي ضدها؛ أي إنها واقعياً تكون مضطرة للردّ خلال ثوانٍ.
     وبالنتيجة، فكل ما تكون هذه المتبارية قد حصّلته خلال حياتها من ثقافة أو تعلّم أو خبرة، كل هذا لن يكون له أية قيمة مقابل الجواب الذي ستقدِّمه خلال ثوانٍ على السؤال الأساسي أمام الحضور والمتابعين للمباراة.
     عندما تُجرى مقابلة إعلامية مع سياسي، ومهما كان سياسياً عتيقاً أو محنكاً، عادة يقوم بتحضير مسبق للأجوبة عن كل الأسئلة التي من الممكن أن تطرَح عليه لكي يبدو عليه أنه واثق بنفسه وغير مرتبك ولديه الذكاء والمعلومات الكافية. وكذلك الأمر عندما تُجرى مقابلة إعلامية مع أي شخص آخر سواء أكان في موقع المسؤولية أم السلطة أم مشهوراً لفنه أم أدبه أم علمه أم ثروته أم لأي شيء آخر، فهو سيقوم بدوره بالتحضير المسبق للأجوبة عن كل الأسئلة المحتمَلة... باستثناء المتباريات في انتخاب ملكات الجمال اللواتي عليهن تقديم الجواب عن سؤال لا يعرفن مسبقاً في أي مجال سيكون ومن دون أي تحضير له، إن كان في الحياة العامة أم حياتهن الشخصية أم الفن أم السياسة أم الفكر أم الفلسفة أم الصحة أم غيره...
     مثلاً، في المباراة الأخيرة لانتخاب ملكة جمال لبنان، كان السؤال الأساسي الموحَّد للمتباريات النهائيات، والذي بالطبع لم تكن أيٌّ منهن تعرفه مسبقاً، هو التالي: "ملكات الجمال شاركن في تظاهرات في بلدانهن... تحت أي عنوان قد تتظاهرين في بلدك، ولأية أهداف ؟" هذا السؤال يحتمل هامشاً كبيراً من الأجوبة؛ كمثل هل المشاركة في تظاهرة في لبنان الأفضل أن تكون لمسألة بالغة الأهمية والخطورة لكنها غير قابلة للتحقيق بسبب الوضع الأمني أو السياسي أو الاقتصادي القائم ؟ أم الأفضل أن تكون لمسألة قابلة للتحقيق ؟ في حال قدَّمت المتباريةُ جواباً من ضمن الحالة الأولى، فستتهَم بأنها تعيش في عالم طوباوي أو الأحلام وغير مدركة للواقع المعاش. وإذا كان جوابها من ضمن الحالة الثانية، فستتهَم بأنها تهتم بالقضايا الثانوية على المستوى الوطني وليس بالقضايا الأساسية. بالتالي، في أيٍّ من الحالتين سيكون عليها تقديم التبرير المناسب لاختيارها الجواب... وهنا المشكلة، فحتى ولو كانت من العباقرة، فهي لن تستطيع تقديم جواباً وافياً خلال بضع ثوانٍ، أي من دون التحضير المسبَق، وستظهَر على أنها إما قليلة الثقافة وإما غبية.
     إضافة، عندما تُجرى مقابلة إعلامية مع سياسي أو فنان أو غيره من المشاهير، يكون هناك عدة أسئلة، وبالتالي، إذا ما ارتبك أو قصَّر في الجواب في سؤال ما، فبإمكانه التعويض في أجوبة أخرى. أما مع المتباريات في انتخابات ملكات الجمال فلا يطرح عليهن إلا سؤال واحد أو على الأكثر سؤالين.
     أكثر من ذلك، في حال طُرِح أي سؤال على أي شخص في مجال لم يكن قد حضَّر الأجوبة عنه وكان مطلوباً منه إعطاء الجواب خلال ثوانٍ، فكلما كان هذا الشخص واسع الاطلاع وبعيد النظر زاد الاحتمال لأن يرتبك في جوابه، لأنه يكون في حالة استعراض ذهني للجواب الأنسب بسبب غزارة المعلومات التي ستجول في ذهنه... أما في حالة المتبارية في انتخاب ملكة الجمال، فإذا ما ظهر عليها الارتباك، فإن هذا لن يفَّسر بأنها تكون في حالة استعراض ذهني للجواب الأنسب بسبب غزارة المعلومات التي ستجول في ذهنها؛ بل سيفسَّر أنها مرتبكة بسبب غبائها أو قلة معلوماتها. 
     لا يحتاج الأمر إلى كثير من الذكاء لإدراك أن هذه الطريقة المتَّبَعة عالمياً في تقييم ثقافة وذكاء المتباريات في انتخاب ملكات الجمال، أي التي تقوم على تقييم أساسي للثقافة والذكاء بناء على جواب، على سؤال أو اثنين، يتم تقديمه خلال ثوانٍ ومن دون أي تحضير مسبَق، هي خاطئة كلياً. فيبقى السؤال هو لماذا دائماً إثر كل مباراة تثار الضجة عن محدودية ثقافة وغباء المتباريات، بالرغم من أن مَن يثيرون هذه الضجة، من مثقفين وأناس عاديين، يكونون مدركين تماماً خطأ هذه الطريقة المتَّبَعة ؟ أيضاً السؤال هو لماذا يصرّ المنظمون لهذه المباريات على هذه الطريقة بذاتها ؟
     الجواب هو بسبب الثقافة الذكورية الموجودة على الصعيد العالمي والقائمة على صورة نمطية تنظر إلى المرأة على أنها أقل في القدرات العقلية من الرجل.
     هذه الثقافة نجدها في جميع المجتمعات، حتى في التي توصف بأنها متطورة. بدليل أننا لا نزال نجد، في أي مجتمع، أن أهم السياسيين والرجال الأعمال والأدباء والفنانين والعلماء والباحثين والاختصاصيين والأكاديميين والمفكرين والإعلاميين هم من الرجال؛ حتى في الأمور النسائية، فإن أهم مصممي الأزياء النسائية ومزيني الشعر النسائي والطباخين هم بدورهم من الرجال. حيث يعود هذا الوضع إلى تلك الصورة النمطية عن المرأة وما يترتب عليها من التقليل من الفرص المتاحة لها ومن الاعتماد عليها وإعطائها المسؤوليات المهمة.  
     بالعودة إلى مباريات انتخاب ملكات الجمال فالذين يثيرون الضجة عقب كل مباراة بالقول إن المتباريات كن قليلي الثقافة والذكاء، وسواء أكانوا من المثقفين أم عامة الناس أم الذكور أم الإناث، إنما غايتهم هي استغلال تلك الطريقة المتَّبَعة في المباراة في تقييم الثقافة والذكاء لترسيخ هذه الصورة النمطية عن المرأة وإبقائها في وضعها الدوني في المجتمع.
     أما عن السبب الذي يجعل منظمي المباراة يتمسكون في اعتماد هذه الطريقة، فهذا يعود إلى أحد الاحتمالين؛ الأول، هو أنهم من ضمن هذا الفريق الذي يعمل على ترسيخ هذه الصورة النمطية عن المرأة وإبقائها في وضعها الدوني؛ الثاني، أن تكون غايتهم هي جذب أكبر عدد من المتابعين للمباراة؛ كون الرأي العام، في أي مجتمع، وبسبب تلك الثقافة الذكورية، يرتاح في رؤية الفتاة الجميلة - الغبية أكثر من أن يرتاح في رؤية الفتاة الجميلة - الذكية. 
     بالتالي، إذا كان هدفنا هو العمل على تقليل من هذه الصورة النمطية عن المرأة، فإن إحدى الخطوات المهمة في هذا المجال أن يتم تغيير تلك الطريقة المتَّبَعة في تقييم ثقافة وذكاء المتباريات في انتخاب ملكات الجمال.
     أحد الاقتراحات في هذا الإطار، أنه في حالة السؤال الأساسي الموحَّد أن يتم إعلام المتباريات به في الوقت نفسه، ثم وضع كل منهن في غرفة منعزلة وإعطاؤها قلم وورقة، ومنحهن حوالي عشرين دقيقة لتحضير الجواب مع كل شروحاته. ثم عندما تقدِّم كل منهن تصورَها الخاص عن الجواب، أن يصار إلى مناقشتها فيه من مختلف جوانبه ومن خلال عدد معيّن من الأسئلة ولمدة محددة من الدقائق. ثم أن يصار إلى اختيار مَن هي الأفضل منهن.
     بهذه الطريقة، على سبيل المثال، يكون المجال مفتوحاً بشكل كبير أمام المتباريات لإظهار ما عندهن من ثقافة وتعلّم وخبرة وقدرات عقلية. بالتالي، وبالنظر إلى ما تشهده هذه المباريات من تغطية إعلامية مهمة وما تحصل عليه ملكات الجمال بدورهن من هذه التغطية، فإن هذا الأمر سيساهم بشكل فاعل في التقليل من تلك الصورة النمطية في المجتمع عن المرأة؛ أي سيساهم بشكل فاعل في تحسين أوضاعها ومواقعها ومسؤولياتها في مختلف مجالات الحياة وفي رفع أي تهميش أو غبن لاحق بها.


عامر سمعان ، كاتب وباحث
12/ 10/ 2014