1 - تشكِّل الصلوات في
الصوم الأربعيني المقدس الذي يسبق الفصح أحد أهم المناسبات الليتورجية في الكنيسة
الأرثوذكسية بجمال تراتيلها وأبعاد معانيها، والتي تجتذب العدد الأكبر من المؤمنين
لأدائها في الكنائس. في الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية (خاصة في لبنان وسوريا)
توجد عادةٌ، قديمة - جديدة، في الكثير من الرعايا حيث يتم أداء بعض التراتيل، من
قبل الجوقات أو الكهنة، باللغة اليونانية. وتكبر هذه العادةُ بشكل ملحوظ في فترة
هذا الصوم الأربعيني فيصار إلى الإكثار منها في صلاة النوم
الكبرى والمديح وأثناء الأسبوع العظيم؛ ما يسبب إزعاجاً كبيراً للمصلين وتشتيتاً
وإعاقةً لهم في متابعة الصلوات وفي انسجامهم في معانيها وجمالها.
الليتورجيا في الأرثوذكسية هي وسيلة مهمة في
التعليم والتربية الدينيين، فيتم من خلالها الاطّلاع على العقائد والتعاليم
والتعمق فيها، وتساعد بشكل كبير في زيادة الإيمان والتدين. وبالطبع هي ليست العامل
الأساسي المساعد في هذا المجال لكنها واحدة من عدة عوامل.
بالتالي، من المنطقي أهمية أن يتم أداء كافة
الصلوات بلغة مفهومة تماماً من المصلين؛ لأنه عندما يصار إلى إدخال عبارات بلغة
غير مفهومة إليها فستشكِّل إعاقة لهم في الاطّلاع على العقائد والتعاليم والتعمق
فيها وإعاقة في زيادة الإيمان والتدين لديهم. وكلما زاد إدخال هذه العبارات زاد
هذا الضرر الناتج عنها. وهنا أيضاً يصح القول إنها ليست الإعاقة الأساسية في هذا
المجال، أي في زيادة الإيمان والتدين، لكنها مساهمة فيه ضمن إطار محدود.
إضافة، مَن كانوا قليلي الإيمان والتدين، أو
قليلي الاطلاع الديني، في الأرثوذكسية كما في غيرها من المذاهب المسيحية، عادةً
يكون لديهم قناعةٌ بوجود الكثير من الأمور الغامضة أو المبهمة في المسيحية. فعندما
يصار إلى أداء بعض الصلوات في الكنائس أمامهم بلغة غير مفهومة فهذا من شأنه أن
يزيد مما لديهم من هذه القناعة، ويشكِّل إعاقةً (ضمن إطار محدود) في طريق زيادة
إيمانهم وتدينهم.
والأمر هو نفسه عند غير المسيحيين الذي بمعظمهم
لديهم القناعة بوجود هذا الغموض في المسيحية؛ فيشكِّل وجود عبارات بلغة غير مفهومة
في صلوات المسيحيين زيادةً في هذه القناعة؛ كما يشكِّل إعاقةً لهم (ضمن إطار محدود)
في طريق انتسابهم إلى المسيحية في حال كان عندهم الرغبة في ذلك.
ومع التنبه إلى أننا لا نتطرق هنا إلى العادة
الموجودة في بعض الكنائس الأرثوذكسية (كما في غيرها من المذاهب المسيحية) في أنحاء
مختلفة من العالم حيث يتم أداء الكثير من الصلوات فيها بلغة قديمة غير متداولة لدوافع
مرتبطة بالانتماء القومي عند المصلين. في هذه الحال فإن هكذا صلوات تؤدي ليس إلى التقليل في الإيمان والتدين بل العكس أي إلى الزيادة فيهما. لكنهما، أي هذين الإيمان والتدين،
يكونان ليس في الوجهة الأرثوذكسية الصحيحة بل في الوجهة القومية - الدينية... وغني
عن البيان أنه في الأرثوذكسية من الخطأ الكبير ربطها، وإن بشكل غير مباشر، بأية
نزعة قومية عند جماعة المصلين، وأن يتم التعبير عن هذه النزعة في الصلوات أو في
غيرها من الليتورجيا.
إضافة، وفيما يتعلق بالأرثوذكسيين الأنطاكيين،
فمعظمهم في هذه المنطقة، وكغيرهم من العرب، عندهم تبعية حضارية وثقافية
للغربيين في الكثير من النواحي. فأداء بعض الصلوات باليونانية عندهم، من شأنه أن يُفسَّر بوجود هذه
التبعية حتى في المجال الديني - الليتورجي؛ أي من شأنه أن يفسَّر بأن كبار رجال
الدين عندهم والمعنيين بالتربية والإعلام الدينيين منقادون وراء الغربيين في
المجال الديني بسبب قلة أو ضعف الإيمان عندهم؛ من منطلق أن مَن كان راسخاً في
إيمانه لا ينقاد وراء أبناء مجتمع آخر ويكون تابعاً لهم ليتعلم منهم شؤون الدين.
وهذا بدوره من شأنه أن يشكِّل إعاقةً (ضمن إطار محدود) لدى الأرثوذكسيين في هذه
المنطقة القليلي الإيمان والتدين في طريق زيادة إيمانهم وتدينهم، كما من شأنه أن
يشكّل إعاقةً (أيضاً ضمن إطار محدود) لدي غير الأرثوذكسيين في انتسابهم إليها في
حال كان عندهم الرغبة بذلك.
2
- سنتناول فيما يلي الحجج التي يقدمها المدافعون عن الترتيل باليونانية وسنحاول
الرد على كل منها:
أ
- الحجة الأولى، هي أن إدخال بعض التراتيل باليونانية من وقت لآخر هو تزيين
للصلاة.
-
الرد: أداء الصلاة بالألحان البيزنطية هو أصلاً كافٍ لجعلها على مقدار كبير من
الجمال... وبالطبع لا شيء يمنع من زيادة هذا الجمال، لكن بشرط أن لا يترتب عليه أي
ضرر. أي أن لا يترتب عليه من ضمن ما قد أوردناه أعلاه، المتعلق بوجود عبارات غير
مفهومة في الصلاة، وبتعزيز الفكرة عن وجود أمور غامضة في المسيحية، وبالتبعية
الثقافية للغربيين في المجال الديني - الليتورجي، وغيره...
ب
- الحجة الثانية، هي أن الألحان البيزنطية قد تم وضعها أصلاً ليتم أداء الصلوات
بها باليونانية، أي إن هذه اللغة هي الأكثر توافقاً مع هذه الألحان، فيكون إدخال
بعض العبارات باليونانية إلى التراتيل من وقت لآخر بمثابة التصحيح لهذه الألحان
وزيادة في الإتقان لها.
-
الرد: إذا افترضنا صحة هذا الأمر... وقبل الوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة من أداء
التراتيل، هناك طريق طويل من الأولويات الأكثر أهمية في الرعايا التي يُفترَض
السَير فيها أولاً. فالكثير من الرعايا لا يوجد فيها جوقاتٌ درس أفرادُها الموسيقى
البيزنطية (الكنسية) على أصولها، ومنها ما يستصعب مجالسُ الرعايا أو وكلاءُ
الأوقاف فيها دفعَ تكاليف تأمين مدرسين لهذه الموسيقى للراغبين من أبناء رعيتهم أو دفع نفقات
انتقالهم إلى حيث يوجد مدارس لها... وحيث يوجد جوقات جيدة في الرعايا من النادر أن
نجدها تخلو من تجاوزات؛ كمثل أن نرى أحد الوجهاء أو البارزين في الرعية الذي لم
يكلف نفسه عناء دراسة هذه الموسيقى يصر على الوقوف مع الجوقة ليؤدي منفرداً بعض
التراتيل بشكل نشاز ومزعج، أو أن نرى فتيات ونساء من ضمن الجوقة من دون لباس
محتشم، أو أن نرى أحد أفراد الجوقة يصرّ أثناء الترتيل على أن يحمل على ذراعيه
طفلَه المولود حديثاً متباهياً به... وغير ذلك من التجاوزات التي تدل على قلة
احترام للخدم الكنسية... والتي مما يزيد منها أن مكان الجوقة في معظم الكنائس هو
بجانب الهيكل في مكان مرئي من المصلين؛ في حين أنه من الأفضل أن تكون في مكان خلفي
من الكنيسة أو غير مرئي منهم...
وحتى إذا افترضنا أنه أصبح في بعض الرعايا
جوقات جيدة وخالية من أية تجاوزات، فهذا لا يعني أنه أصبح بالإمكان أداء بعض
التراتيل باليونانية من باب زيادة التصحيح والإتقان للألحان البيزنطية؛ لأن أبناء
هذه الرعايا وغيرهم من الذين سيحضرون الخدمَ عندهم لن يتقبلوا وجود هذه التراتيل بهذا
الشكل؛ بل ستكون عندهم بمثابة عبارات غير مفهومة في الصلاة، أو تعزيزاً لفكرة وجود
أمور غامضة في المسيحية، أو أحد أشكال التبعية الثقافية للغربيين في المجال الديني
- الليتورجي...
فيكون هذا الأمر، أي أداء بعض التراتيل
باليونانية من باب زيادة التصحيح والإتقان للألحان البيزنطية، يصح فقط في الأديرة،
أو في المعاهد الدينية، التي مَن يحضرون الخدم فيها يكونون على درجة متقدمة من
الالتزام الديني والإتقان لهذه الألحان، وعندما لا تكون هذه الخدم مفتوحة أمام
الآخرين لحضورها...
ج
- الحجة الثالثة، هي أن معظم اللاهوت الأرثوذكسي قد تمت كتابته باللغة اليونانية
وأنه من المفيد جداً للمؤمِن تعلم هذه اللغة في حال أراد التعمق في هذا اللاهوت؛
فيكون أداء بعض التراتيل أو العبارات أثناء الصلاة بهذه اللغة هو من باب المساهمة في
تعليمها للمؤمنين.
-
الرد: قبل الوصول إلى مرحلة أداء بعض التراتيل أو عبارات الصلاة باليونانية من باب
المساهمة في تعليمها للمؤمنين؛ أيضاً هناك طريق طويل من الأولويات الأكثر أهمية في
الرعايا التي يُفترَض السَير فيها أولاً. فالكثير من المؤمنين لديهم جهل كبير
بالعقائد والتعاليم الأرثوذكسية، ومنهم مَن يظن بأن المسيح هو نبي وليس إلهاً،
ومنهم مَن ليس لديه أدنى فكرة عن الفروقات في العقائد والتعاليم بين الأرثوذكسية
والكاثوليكية والبروتستانتية، ومنهم مَن يعتقد أن محمداً هو أحد الأنبياء وأن
القرآن منزل من الله، ومنهم مَن يظن أنه لا فرق بين الزواج الكنسي والزواج المدني،
ومنهم مَن يعتبِر أنه لا فرق في حال تزوجت الفتاة الأرثوذكسية من أرثوذكسي أو
كاثوليكي أو بروتستانتي أو حتى تزوجت من مسلم، ومنهم مَن يعتبِر أن الرهبان والراهبات
ما هم إلا مجموعة من فاشلين أو مرضى نفسيين اختاروا الهروبَ أو الانزواء في
الأديرة، ومنهم مَن ليس لديه أدنى فكرة عن وجود صومي الميلاد والرسل، ومنهم مَن
ليس لديه أدنى فكرة عن وجود صلاة المطالبسي والشكر بعد المناولة وعن أهميتهما،
ومنهن مَن يحضرن الخدم الكنسية بلباس غير محتشم، وبعض وكلاء الأوقاف "يدورون بالصينية" على المصلين في القداس أثناء الكلام الجوهري... وأخيراً وليس آخر، وأحد أبشع
التجاوزات في كنائسنا هي عدم احترام النظام والوقوف في الصف أثناء المناولة، فاللبناني
الذي هو متعود على عدم احترام النظام والوقوف في الصف في تعاملاته مع غيره من
المواطنين إن كان في الدوائر الرسمية أم خارجها، من الطبيعي أن لا يحترم هذا الأمر
أمام جسد الرب ودمه...
بالتالي، فإن محاولة المساهمة في تعليم
المؤمنين اللغة اليونانية من خلال تمرير بعض التراتيل أو العبارات بهذه اللغة في
الصلاة وبهدف تعمقهم في اللاهوت الأرثوذكسي، وفي ظلّ هذا الجهل المستشري عندهم وفي
ظلّ هذه التجاوزات الفاضحة الحاصلة أثناء الخدم الكنسية، أقل ما يقال عنها إنها
غير منطقية.
في السياق نفسه الوارد أعلاه، يصح القول هنا
أيضاً بأن هذا الأمر يصح فقط في الأديرة، أو في المعاهد الدينية، التي مَن يحضرون
الخدم فيها يكونون على درجة متقدمة من الالتزام والاطلاع الدينيين، وعندما لا تكون
هذه الخدم مفتوحة أمام الآخرين لحضورها...
د - الحجة الرابعة، هي أنه يوجد في بعض
الرعايا مؤمنون يونانيون لا يزالون بعيدين عن إتقان اللغة العربية، أو قد يحضر
الخدم الكنسية بعض الزوار اليونانيين الذي أتوا بهدف السياحة أو العمل أو الدراسة؛
فيكون من الأفضل أداء بعض التراتيل أو عبارات الصلاة باليونانية مراعاةً لهم؛ لا
سيما أنه في حال تواجد أرثوذكسيين عرب في خدم كنسية في اليونان يتم عادة أداء بعض
عبارات الصلاة بالعربية.
-
الرد: إذا كان لا بد لهذه المراعاة لهؤلاء اليونانيين ولهذه المعاملة بالمثل،
فيكون من الضروري تنبيه المصلين وقبل البدء بالخدم الكنسية أنه سيتم أداء بعض
التراتيل والعبارات باليونانية لهذه الغاية؛ وهذا لكيلا يذهب بهم التفكير إلى أنها
بمثابة عبارات غير مفهومة في الصلاة، أو أحد مظاهر الأمور الغامضة في المسيحية، أو
أحد أشكال التبعية الثقافية للغربيين في المجال الديني - الليتورجي.
كذلك الأمر في حال كان من المهم أداء بعض
التراتيل أو الصلوات بأية لغة أخرى غير العربية وفي أية خدم كنسية (كمثل قراءة
الإنجيل في أثنين الباعوث)، فيكون من الضروري تنبيه المصلين إلى دواعي هذا الأمر.
3
- الخلاصة: يصح أداء بعض التراتيل أو عبارات الصلاة باليونانية ضمن أطر قليلة
محددة. كمثل في الأديرة، أو في المعاهد الدينية، التي مَن يحضرون الخدم الكنسية
فيها يكونون على درجة متقدمة من الالتزام والاطلاع الدينيين والإتقان للموسيقى
الكنسية، وبهدف زيادة التصحيح والإتقان عندهم للألحان البيزنطية والمساهمة في
تعلمهم للغة اليونانية، وعندما لا تكون هذه الخدم مفتوحة أمام الآخرين لحضورها.
وكمثل في الرعايا التي يتواجد في الخدم الكنسية فيها مصلون يونانيون، وبشرط أن
يسبق هذا الأمر تنبيه باقي المصلين إلى دواعيه.
وخارج هذه الأطر المحددة، ومن ضمن الالتزام
بالهمّ النهضوي، أي القيام بالإجراءات التي من شأنها أن تساهم في زيادة الإيمان
والتدين عند كافة المؤمنين، فالصحيح هو الامتناع تماماً عن أداء أية تراتيل أو
عبارات صلاة باليونانية. ومن الضروري صدور قرار واضح من المجمع المقدس في هذا
الشأن.
عامر
سمعان ، باحث وكاتب
8/ 3/ 2014
الى الاستاذ عامر سمعان مع التحيه:
ردحذفلاأدرى مناسبة هذا الطرح الذى قد أختلف معه بحسب وجهة نظرى, و للأسباب التاليه:
- أولا أرجو ان تعذرنى على عدم أتفاقى معك و لكن لى أسبابى, و أرجو ان لايفسد ذلك للود قضيه.
- كلنا نحن المؤمنون بالمسيح واحد, نؤمن بكنيسه واحده جامعه مقدسة رسوليه و نعترف بمعمودية واحده.
- لا يجب ان نكون عثره لهؤلاء الصغار من المؤمنين.
- أنا متأكيد ان كل مراحل الصلاة تؤدى باللغه المحليه المفهومه و من ضمنها (اى مراحل الصلاة), التراتيل.
- جزء يسير من التراتيل يؤدى باللغه اليونانيه على حسب ممارستى فى كنيستنا , و ربما يكون الكل (كل الكنائس فى بلادنا العربيه) كذلك أيضا.
- ان كانت كلمه ك "كيريالايسن" تشكل لك مشكله بالفهم للقداس, فهذه أيضا مشكلة و فد تكون كبيره.
- من كثرة تكرار سماعنا للمقاطع اليونانيه فى الصلاة و نحن نتابع من الكتب التى فى أيدينا, أقوم انا على الأقل بقرائة هذة المقاطع بينى و بين نفسى بالعربيه متزامنا مع اليونانيه و لا يشكل ذلك أى عائق ان كانت هناك المحبه.
- و المحبه أكيد موجوده بالكنيسه دوما "أحبوا بعضكم بعضا", و المحب لايحتاج الى لغه للتفاهم.